الهدنة التي أُعلن عنها في 24 يونيو 2025 بين إيران وإسرائيل تبدو حتى اللحظة أقرب إلى استراحة قصيرة منها إلى نهاية فعلية للتصعيد . فبينما أعلن الرئيس الأميركي ترامب دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ ، نفت إيران وجود أي اتفاق رسمي ، وأكدت أن عملياتها العسكرية استمرت حتى اللحظة الأخيرة قبل الرابعة صباحًا بتوقيت طهران . هذا التناقض الفاضح في الروايات يعكس هشاشة الوضع القائم ، ويكشف عن غياب الحد الأدنى من التفاهم بين الأطراف .
التصريحات المتبادلة بين الجانبين تؤكد أن الهدنة لم تُبنَ على أساس الثقة أو التوافق ، بل جاءت محاطة بالتهديدات . وزير الدفاع الإسرائيلي هدّد بشكل مباشر بضرب قلب طهران إذا ما تم خرق وقف إطلاق النار ، في وقت ترفض فيه إيران التفاوض تحت الضغط وتصر على حقها في الرد على ما تعتبره عدوانًا خارجيًا . أما ترامب ، فاختار أن يمهد لأي مفاوضات بمطلب "الاستسلام غير المشروط"، وهو خطاب يعكس مناخًا عدائيًا لا يتيح مساحة حقيقية للحلول السياسية .
في الواقع ، المطالب التي تطرحها إسرائيل وحلفاؤها تكاد تكون مستحيلة من وجهة النظر الإيرانية ، إذ تشمل القضاء التام على البرنامج النووي الإيراني ، وتفكيك منظومتها الصاروخية ، وحتى تغيير النظام السياسي في طهران . في المقابل ، ترى إيران أن هذه الشروط تمس سيادتها وتستهدف وجودها ، لذلك فهي ترفض التفاوض على هذا الأساس . المشهد التفاوضي هنا يبدو أشبه بحلبة صراع مفتوحة ، لا طاولة حوار متكافئ .
إضافة إلى ذلك ، فإن التحركات العسكرية الأميركية في المنطقة – مثل نشر القاذفات الثقيلة B-2 وأنظمة الدفاع THAAD – ترسل رسائل مباشرة لطهران بأن الخيار العسكري لا يزال مطروحًا بقوة . هذه التحركات لا تشجع على التهدئة ، بل تدفع نحو التصلب والمواجهة .
إيران من جهتها تُعاني من ضغط داخلي شديد بعد الضربات التي استهدفت منظومتها الدفاعية ، والخسائر البشرية الكبيرة التي لحقت بمدنييها . ورغم هذا الضعف النسبي ، فإن النظام قد لا يجد خيارًا سوى التصعيد ، كوسيلة للهروب من الأزمات الداخلية وكسب شرعية شعبية تحت شعار "المقاومة". وليس مستبعدًا أن تلجأ طهران إلى تحريك أذرعها الإقليمية ، كحزب الله والحوثيين وفي العراق ، وتكثيف هجماتها السيبرانية ، في محاولة لفرض معادلة ردع جديدة .
عند النظر إلى مجمل المعطيات يصبح من الواضح أن ترجيح تجدد الحرب بين إيران وإسرائيل لم تتراجع بل أقرب للواقع . كل العناصر تشير إلى أن الهدنة الحالية لا تُعبّر عن رغبة حقيقية في السلام ، بل هي خطوة مؤقتة ضمن معركة طويلة . الخطاب السياسي ، والتحركات الميدانية ، وشروط التفاوض ، كلها تُرجّح أن نكون أمام مواجهة قادمة وأشد واخطر ولا مفر منها ، قد تكون أكثر عنفًا واتساعًا ، وربما تتجاوز حدود البلدين لتشعل المنطقة بأكملها .
بهذا الشكل ، فإن الحديث عن حل سياسي يبدو أقرب إلى الوهم ، ما دامت الأطراف الأساسية تتعامل مع المفاوضات باعتبارها مجرد وسيلة لشراء الوقت ، لا لإنتاج تسوية حقيقية . في ظل هذا الواقع ، الحرب ليست احتمالًا بعيدًا ، بل سيناريو مرجح بقوة ، وربما وشيك .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة