إخوان الظل - أم مرآة الجمهورية؟ فرنسا والإسلام بين القلق الوجودي والاندماج المؤجل#

إخوان الظل - أم مرآة الجمهورية؟ فرنسا والإسلام بين القلق الوجودي والاندماج المؤجل#


06-12-2025, 02:22 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1749734552&rn=0


Post: #1
Title: إخوان الظل - أم مرآة الجمهورية؟ فرنسا والإسلام بين القلق الوجودي والاندماج المؤجل#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 06-12-2025, 02:22 PM

02:22 PM June, 12 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





في خضم الجدل المتجدد حول الإسلام في فرنسا، جاء تقرير جون أفريك عن "إخوان الظل" كحلقة جديدة في مسلسل الشك الذي يطارد الحضور الإسلامي، ليس بوصفه تهديدًا أمنيًا فقط، بل كـ"تحدٍّ ناعم" للهوية الجمهورية ذاتها.
ما يكشفه التقرير، في جوهره، ليس خطر جماعة سرية، بل قلق حضاري عميق من قدرة الإسلام على إنتاج نموذج أخلاقي ومجتمعي فعّال داخل النسيج الفرنسي.
الإرث الاستعماري: ذاكرة الجزائر التي لا تموت
لفهم هذا القلق المتراكم، لا بد من العودة إلى الذاكرة الجريحة لحرب الجزائر (1954–1962)، حين تحول الإسلام من دين إلى رمز مقاومة. منذ ذلك الحين، رسّخت الجمهورية في لاوعيها الجماعي صورة المسلم كـ"مشروع تمرد مؤجل"
حتى ولو لبس ربطة العنق وتحدث الفرنسية بطلاقة. ومع كل جيل جديد من المسلمين الفرنسيين، تستعاد هذه الصورة، لا من خلال وقائع، بل عبر هواجس كامنة.

مفارقة اللائكية: من حماية الحريات إلى إقصاء الآخر
تُعد فرنسا من أكثر الدول تشددًا في تطبيق نموذج العلمانية. فبينما تسعى بريطانيا وألمانيا لاحتواء التعدد الثقافي داخل منظوماتها، ترفض فرنسا الاعتراف بأي هوية فرعية خارج المبدأ الجمهوري الجامد.
قانون 1905، الذي وُضع أصلاً لفصل الكنيسة عن الدولة، تحوّل اليوم إلى أداة لمراقبة المظاهر الإسلامية، حتى عندما تكون سلمية وقانونية.

ارتداء الحجاب، أو الصوم في رمضان، أو تأسيس جمعية خيرية، لم تعد مجرد تعبيرات عن حرية شخصية، بل أصبحت مؤشرات على "انحراف عن القيم الجمهورية"، في نظر كثيرين داخل الدولة.

من الإسلام السياسي إلى "الخطر الصامت"
ساهمت أحداث الربيع العربي في ترسيخ قناعة لدى النخب الفرنسية بأن كل "مسلم معتدل" قد يكون "إخوانيًا بالقوة". وفي سياق تزايد الحضور المجتمعي للمسلمين الفرنسيين – من خلال التعليم والخدمة والرعاية – بات يُنظر إليهم بوصفهم "إخوانًا في الظل"
لا لأنهم يخططون لانقلاب، بل لأنهم ببساطة ينجحون في الاندماج دون أن يذوبوا.
وهو ما يربك النموذج الفرنسي، الذي لا يقبل بالانتماء المزدوج: إما فرنسي بالكامل (بالمقاييس الجمهورية المتطرفة)، أو دخيل يُخشى تأثيره.
تسييس اللائكية وصعود اليمين
لقد باتت مفردات مثل "الاستبدال العظيم" و"التغلغل المجتمعي" جزءًا من الخطاب العام، بعدما كانت حكرًا على اليمين المتطرف. وما تقرير "إخوان الظل" سوى تتويج لمرحلة أصبح فيها الشك في نوايا المسلمين أمرًا مؤسسيًا. تُعامَل الجمعيات الخيرية
والدروس المسائية، وحلقات النقاش، كخلايا محتملة لولادة "عدو داخلي"، في عملية تشبه إلى حد كبير ما واجهته الكنيسة الكاثوليكية في بدايات اللائكية، لكن بعنصرية أكثر صراحة.
المسلم كـ"قدوة مزعجة"
ربما أكثر ما يربك النموذج الجمهوري هو بروز المسلم الفرنسي كـ"قدوة أخلاقية" ضمن المجتمع، لا من خلال الانعزال، بل عبر المساهمة. الزكاة، التكافل، حفظ الأسرة، رفض المادية المفرطة — كلها ممارسات تفضح ضعف منظومة الفردانية الغربية.
وهنا المفارقة: المسلم لا يهدد فرنسا بالسلاح، بل بالنُبل. ولهذا يخيفهم.
المآلات الخطيرة: جمهوريات بلا روح
فرنسا اليوم تواجه تحديًا ديموغرافيًا وأخلاقيًا. نحو 10% من سكانها مسلمون، ومع السياسات الإقصائية، فإن خطر خلق أجيال تعاني من الاغتراب بات وشيكًا. المفارقة أن النموذج الجمهوري، الذي وُلد من رحم الثورة والحرية، صار يُستخدم كأداة لضبط
حرية الآخر، وتهميش مواطنين لا يطلبون سوى الاعتراف.
تساؤل هنا يبرز من الذي يخشى من الآخر؟

*المعضلة الفرنسية مع الإسلام ليست في التطرف، بل في التدين المتوازن. في المسلم الذي يلتزم بالقانون، يخدم المجتمع، ويحتفظ بإيمانه دون خجل.
الخطر الذي تراه النخبة ليس في السلاح، بل في القدوة.
حين تتحول خدمة المجتمع إلى "تآمر"، والحجاب إلى "خطر استراتيجي"، فإن السؤال لا يعود عن المتهم، بل عن المُتَّهِم.
هل ما تخشاه فرنسا هو الإسلام، أم أنها لم تعد تؤمن بذاتها بما يكفي لتتعايش مع المختلف؟
التحدي أمام أوروبا — وفرنسا بالذات — لم يعد أمنياً، بل حضارياً: هل تستطيع الجمهورية أن تتسع لمواطنيها المسلمين دون أن تنكر ذاتها؟ أم أنها ستواصل الحرب على "أشباح" لا تهددها إلا بمرايا الحقيقة؟