يقول الاديب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو: "كل شيء يبدأ بالوعي، ولا قيمة لشيء من دونه" فالوعي ليس مجرد إدراك بسيط لما حولنا، بل هو تلك الشرارة الأولى التي تمنح المعاني وتُشكل القيم.
ومن خلال استمرارية هذه الحرب اتضح جليا نتائج وسياسات الأنظمة السابقة في تغيب وتجهيل الشعب السوداني بجعله مثل القطيع وبتحويله إلى شعب مغيب تماما ومنفصل عن الواقع، رأيناه في كثير من المواقف يلوي عنق الحقيقة مع تصديق الأكاذيب وإنكار الحقائق بإصرار . وانعدام أي منطق لتقييم المخاطر والعواقب الحقيقة لاستمرار هذه الحرب.
فالامر ليس سهلا كما يظن البعض لان الخسائر حقيقية وأثار الحرب الكارثية أيضا حقيقة لافكاك منها وحجم الخسائر في هذه الحرب كبير جدا ويفوق أي تصور ولايمكن معالجتها بالعنترية والاماني والثقة الزائدة ولا بالتهرب عن حقيقية واقعها. وعوضا عن تناول الأوضاع بموضوعية اختار الكثير من الناس الانجراف وراء السقوط الاخلاقي المتفشي بين فلول النظام السابق بدعم الحرب والاقتتال رغم المآسي الماثلة ، وأذا لم يتم معالجة هذه الاختلالات الخطيرة بموضوعية بعودة الناس لمنطق الحق فلا امل مطلقا في الإصلاح وتقييم الامور بشكل حقيقي.
الحرب مصيبة وكارثة مؤلمة و الكثير ممن ذاقوا ويلاتها ما زالوا يتألمون منذ إنطلاقتها ولا يزال الكثيرون يزرفون الدمع دما ومعاناتهم والآمهم مستمرة وليس هناك دلائل او شواهد بتحسن الاوضاع قريبا بسبب الاصطفاف الغبي ، وبتصديق أكاذيب واوهام الانتصار المطلق .واستمراريتها تزيد من معاناة الناس في كل يوم و كلفتها عالية جدآ ونتائجها الكارثية من موت وجوع وتشرد وأمراض واوبئة ماثلة للعيان، ولم تنجح طرق مدارتها وتغطيتها مهما حاولوا طمسها بالكذب والنفاق وبالترهيب واللامبالاة .
مسلسل الحروب ستستمر في السودان لطالما تكثر فيه هذه العقليات التي تشجع على الحروب والاقتتال من دون وعي منها ولم تدرك ابعادها واثارها قبل فوات الأوان بعدم تعلمها من اثار الحروب والتجارب السابقة ، والانجرار خلف دعاوي تحريض الفلول بدافع الانانية الفظّة ، وسيأتي اليوم الذي يدفع فيه الجميع ثمن هذا اللامبالاة وساعتها سيندمون على مواقفهم هذا في يوم لا ينفع الندم .
مشكلة السودان تكمن في غياب الوعي قبل جذور الازمة نفسها، وإذا ما أردنا فعلا لبلادنا أن يتعافي فلابد من تشريح المرض ومعالجته بصورة نهائية عبر الاسهام في رفع وعي الناس أولا ومن ثم التوجه إلى حلحلة المواضيع الاخرى .
فعندما يرتفع الوعي يصبح الفرد قادراً على تجاوز القوالب الجاهزة، وأكثر انفتاحاً على التفكير النقدي، وتقبل التباين، وفهم الدوافع المختلفة للآخرين. فتقل قابلية الانجراف وراء الأفكار المتطرفة أو التحيزات غير المبررة، ما يُعزز التسامح ويُشجع على الحوار البناء.
وبمعنى آخر، كلما زاد الوعي، تقلصت مساحة التعصب، لأنَّ الوعي ينير العقل ويزيل غشاوة الجهل والخوف التي تُغذي التطرف. Image
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة