الذي لا يعرف الدكتور فرج فوده هو مفكر مصري و كاتب و صحفي كان ينتمي لحزب " الوفد" المصري، تم إغتياله من قبل الجماعات الجهادية في مصر عام 1992م،.. أتهمته جبهة علماء الأزهر بالردة، و أصدر الشيخ عمر عبد الرحمن فتوى بقتل " فوده" كان رؤية فودة أن الجماعات الجهادية سوف تسبب ضررا لقضية الديمقراطية في مصر... قبل اغتيال فرج فوده بإسبوع، أتصل بي أحد الأصدقاء و أخطرني أن هناك حلقة حوار مع الدكتور فرج فودة في دار الحزب الاتحادي الديمقراطي في مدينة مصر الجديدة بالقاهرة، تبدأ في الواحدة ظهرا و لمدة ساعتين.. كنت حريصا أن أحضر الندوة، خاصة أن الدكتور فرج فودة يعد من أهم كتاب الرأي، و نقد للجماعات الجهادية في مصر، القضية الأخرى؛ أن خلفية فوده ليست يسارية، بل هو من القوى الليبرالية حزب الوفد... و حضرت الحوار.. كان مجموع الحاضرين سبعة اشخاص فقط ، قال فوده؛ أنه سوف يقدم رؤيته كاملة، و إذا كان هناك وقتا تبدأ الأسئلة، و إذا انتهت الساعتين نحضر الأسبوع القادم في ذات اليوم و الوقت و تطرح كل الأسئلة. و التفق الحضور على ذلك... قال فوده أي حزب في العالم يتم تأسيسه ‘لى رؤية محددة، تمثل المرجعية الفكرية التي يتم على ضوئها محاسبة الحزب.. و الفكرة ليست شيئا مقدسا لا جامدة، بل هي بتتغير وفقا للمتغيرات التي تحدث في المجتمع، و أيضا الأحداث في المجتمع.. و كلما كانت القيادة و عضوية الحزب فاعلة في أجتهاداتها الفكرية، و إنتاج معرفي داعما للثقافة التي تصب في المجرى العام للفكرة، كان ذلك مصدر قوة للحزب، و بالتالي يصبح الحزب فاعلا و مؤثرا في المجتمع، و عندما تضعف الفكرة بسبب ضعف اجتهاد القيادات المصاحبة لتطور الأحداث و المتغيرات.. تظهر قيادات جديدة فاقدة الآهلية، و بسببها يضعف دور الحزب.. و هؤلاء هم الذين ظهروا في حركة الإسلام السياسي و تبنوا الفكر الجهادي، لأنهم مدركين أن قدراتهم العقلية لا تؤهلهم للجدل الفكري. مما جعلهم يميلوا إلي العنف و الاغتيالات.. و قال هذه الظاهرة ليست حكرا على الإسلاميين، بل هي ظاهرة أجتماعية سياسية عامة، و تسبب في ضعف الأحزاب السياسية.. و قال أن حالة الضعف ليست هي مركزة في الأحزاب و لكنها ناتجة عن ضعف السلطة في الدولة، و التي تعتقد أن الحرية و الديمقراطية سوف تضعف سلطتها و تهدد مصالحها، هذا التفكير أيضا يتسبب في ضعف القوى السياسية لأنها تتحرك في مسار ضيقة جدا.. للأسف تم أغتيال الدكتور فرج فوده قبل 24 ساعة من موعده معنا للقاء في المحاضرة الثانية.. أثرت قضية فوده بسبب حالة الضعف التي تعاني منها " الأحزاب السياسية" و غياب الرؤية عند الكل، الأمر الذي يؤكد أن الضعف ناتج عن غياب القيادات الفكرية التي تستطيع أن تقدم أفكارا تساعد على إدارة الأزمة من جانب و تقديم تصورات للحل من جانب أخر، الأمر الذي يساعد على فتح حوارات تقود مستقبلا لتوافق وطني.. لكن أغلبية قيادات الأحزاب فضلت إطلاق "الشعارات" و هو ما يتوافق مع مقدراتها الذهنية، الأمر الذي انعكس سلبا على العملية السياسية، و أضعف دور الأحزاب بسبب صعود قيادات للقمة قدراتهم لا تساعدهم على تجاوز الأزمة، و هم شاعرين أنهم سببا في إطالتها بسبب عجزهم، و لكنهم لا يستطيعون حتى مغادرة أماكنهم، و إفساح المجال لقيادات أخرى ربما تستطيع أن تحدث أختراقا في جدار الأزمة.. الملاحظة الأخرى: خلو مكتبات الأحزاب من الإنتاج المعرفي و الفكري و حتى الثقافي، كما قال عبد الماجد إبوحسبو في مذكراته ( أن الأحزاب السياسية فاقدة للأهلية الفكرية و المعرفية بخلو مكتباتها من الإصدارات) أن معاناة الأحزاب من الفقر الثقافي و الفكري، جعلها بعيدة عن التجاوب مع الأحداث بالصورة التي تكون فيها مؤثرة.. أن خسارة الأحزاب في معاركها السياسية ناتج عن عاملين أساسيين.. الأول حالة الجدب الفكري الذي يجعلها تتفاعل مع الأحداث بالصورة التي تجعلها تؤثر فيها بشكل مباشر، و تمكنها من قيادة الفعل لنهاياته.. الثاني حالة الجدب نفسها جعلتها تفقد أهم عنصر في المعارك السياسية " الجماهير".. أن الأزمة التي تعيشها الأحزاب السياسية، جعل أغلبية العناصر التي كانت تنتمي لها و هي الفاعلة في الإنتاج الفكري و المعرفي، بدأت تقدم أفكارها من خارج المواعين الحزبية، لذلك حركة الوعي في الشارع أصبحت متقدمة على المؤسسات الحزبية، الأمر الذي أحدث إرباكا للقوى السياسية.. القاعدة تقول أن الأحزاب هي المناط بها قيادة الشارع، و عندما يحدث العكس يجب ‘لى الأحزاب أن تبحث لماذا حدث هذا الخلل؟ و لكن مشكلة قيادتها لا تريد الخوض في الإجابة على مثل هذه الأسئلة لأنها تسبب لها حرجا مباشرا.. تفضل أن يكون الضلع معوجا بدلا من محاولة إصلاحه لأنه حتما سوف ينكسر.. و كما قال المفكر البناني على حرب ( فمن لا ينتج معرفة بالمجتمع لا يستطيع المساهمة في تغييره، و من لا يبدع فكرا هو اعجز في أن يؤثر في مجرى الأحداث و تطور الأفكار هذا هو المأزق الذي يمسك بخناق المثقفين) لآن الانتاج الفكري بيقدم المجتمع عددا من الحلول للمشاكل التي تواجهه و بالتالي ينقله من حالة العجز إلي الوعي و الفعل.. أن الدكتور فرج فوده رغم أختلاف الناس مع أفكاره، و موقفه من الجماعات الجهادية، إلا أنه كان يمارس النقد بمنهجية، و كان يقدم أفكارا تطرح حوارات فكرية حول القضايا التي كانت تواجه المجتمع... و كان أعتقاده أن الأحزاب عندما تصبح مؤسسات غير منتجة للأفكار تصبح هي نفسها مشكلة كبيرة في المجتمع، لأنها سوف تصبح مؤسسات تضخ شعارات هي نفسها غير قادرة على تنفيذها و تنزيلها للواقع.. نسأل الله حسن البصيرة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة