Post: #1
Title: لمحة عن تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان بقلم المهندس أحمد نورين دينق
Author: أحمد نورين دينق
Date: 05-21-2025, 04:38 PM
04:38 PM May, 21 2025 سودانيز اون لاين أحمد نورين دينق-السودان مكتبتى رابط مختصر
يمثل فن السرد أحد فنون الأدب ، و أستمتع كثيراً عندما يصادفني في الحياة أحد المقتدرين في فن السرد ، و ليلة أمس 20/5/2025 حالفني الحظ ، حيث كان جليسي أحد أولئك النفر الكرام.. و قد ساقنا الحديث إلى كيفية قيام الحركة الشعبية لتحرير السودان ، و أنها نتاج و مولود طبيعي لتنصل حكومة جعفر نميري العسكرية من إتفاقياتها السياسية مع إقليم جنوب السودان التي وقعتها في أديس أبابا في العام ١٩٧٢م ، و السبب كان وسوسة الجبهة الإسلامية بقيادة الدكتور حسن عبدالله الترابي ، و قوانين الشريعة الإسلامية التي فرضتها الحكومة العسكرية في العام ١٩٨٣م ، فبدأت الأوساط السياسية الجنوبية ترتب أوراقها ، و ترسم ملامح المقاومة التي يجب أن تؤسس ، و قد شكل السادة الظباط في القوات النظامية في السودان الدينمو المحرك لجسم هذه المقاومة .. و كان الإجتماع الذي عقد في ملكال ، و الذي حضره كل من : سلفاكير ميار ، أروك طون أروك ، كاربينو كوانين ، وليم نون ؛ كان بداية تشكل هيكل جسم المقاومة المنشودة ، فقد إتفق القادة الأربعة على إطلاق حركة مقاومة ، تحشد أبناء الإقليم الجنوبي في بوتقة واحدة و تنتزع حقوقهم من الحكومة العسكرية التي تنصلت من الاتفاقيات السابقة ، و في آخر الاجتماع ، رشح السيد كاربينو كوانين القائد: أكول أكول لقيادة الحركة ، و رشح السيد: وليم نون أحد القيادات ، كما رشح السيد : أروك طون أروك السيد : العقيد جون قرنق دي مبيور لقيادة الحركة ، و في نهاية إجتماع ملكال ، إتفق السادة القادة على تكليف كاربينو كوانين بالسفر إلى الخرطوم و مقابلة القادة المرشحين لقيادة الحركة و معرفة مدى إستعداد كل منهم للتكليف ، و بالفعل ، بعد مدة سافر كاربينو كوانين من ضواحي مدينة بور في جونقلي عبر الروتين العسكري العادي للعاصمة الخرطوم ، و بالفعل إلتقى بالقيادي : أكول أكول ، و شرح له فكرة الحراك الجنوبي و كونه مطلوب و مرشح قوي لقيادة هذا الحراك ، و لكن السيد : أكول أكول إعتذر للمجموعة بكونه متقدم في السن و يعاني من بعض الأمراض المزمنة ، فقبل كاربينو كوانين إعتذاره ، و توجه صوب مرشح : وليم نون ، و الذي بدوره إعتذر للسيد كاربينو كوانين ، فلم يبق إلا السيد العقيد جون قرنق دي مبيور ، و على حسن حظ المجموعة أن العقيد رحب بالفكرة ، و طلب من كاربينو كوانين أنه سيسجل زيارة للمجموعة في جنوب السودان في أقرب وقت ، فرجع كاربينو و أخبر المجموعة باعتذار باقي المرشحين و قبول العقيد جون قرنق دي مبيور التكليف ، و أنه سيحضر للإجتماع ببقية القادة .. بعد مدة زمنية ، إستأذن العقيد جون قرنق دي مبيور من القيادة العامة أن يسمح له بالتوجه إلى بور لتلقى العزاء في وفاة أحد والديه في ضواحي مدينة بور ، و بالفعل أعطي الإذن ، فتوجه أولاً إلي مدينة ملكال ، و منها إلى جوبا ، و من ثم إلى بور ، و كانت المجموعة تنتظره في منطقة ( أيوت) ، فاجتمع هنالك القادة الخمسة على اللبنات الأولى في كيان الحركة الشعبية لتحرير السودان ، و إتفق الجميع على أن يكون شهر أغسطس من العام ١٩٨٣م هو بداية إعلان قيام الحركة ، و إنتهى الاجتماع ، و رجع كل إلى حيث قيادته ، سلفاكير إلى ملكال ، وليم نون إلى أيوت ، كاربينو إلى ضاحية بالقرب من بور ، أروك طون أروك إلى ملكال ، و العقيد جون قرنق دي مبيور إلى الخرطوم ، في الربع الأول من العام ١٩٨٣ ، أحست الاستخبارات في السودان بتحركات كاربينو كوانين في إقليم جنوب السودان ، فقررت نقله من جنوب السودان إلى دارفور قبل إستفحال أمره ، و بالفعل ، إستدعته القيادة في جوبا ، و أخبرته بأمر نقله إلى دارفور .. و عنذئذ أدرك كاربينو كوانين أنه بتنفيذه لأمر النقل يعني فشل خطة أغسطس المقبل ، فرجع إلى الضاحية التي بجوار مدينة بور و من هنالك أعلن عصيانه للأوامر ، و إستعد لتحمل تبعات قراره المصيري ، و بالفعل في الرابعة فجراً في يوم ١٦/٥/١٩٨٣ ، هاجمت القوات المسلحة السودانية كاربينو كوانين في الضاحية التي فيها قيادته ، و كان أول شهيد من أبناء الإقليم الجنوبي هو المناضل: ملوال أشاد ، الذي سميت هذه المنطقة باسمه بعد ذلك ، و إنسحب كاربينو بعد ذلك إلى منطقة أيوت حيث وليم نون ، و هاجمتها القوات المسلحة السودانية بعد ذلك ، و إشتعلت المقاومة الشعبية ، و لم ينتظر التاريخ مجيء شهر أغسطس ليبدأ عمله بعد ذلك ، فأرسلت القيادة العامة العقيد جون قرنق دي مبيور من أجل إخماد فتنة تمرد كاربينو كوانين و وليم نون في جونقلي ، و لكن كانت المفاجأة كبيرة عندما وصل جونقلي و أعلن إنضمامه بل و قيادته للمجموعة.. بعد أن إنتهي صديقي : يور نيوك من سرده ، باغته بهذا السؤال: ممن سمعت هذه الرواية القوية ؟ و متى كان ذلك ؟ فأجاب : من عمي المناضل الكبير : دينق ألونج أجود أكول ، وهو فريق حالياً في قوات دفاع جنوب السودان ، وهو مناضل معروف في أعالي النيل و من أسرة مشهورة في عشيرة أقير ، و كانت تلك القصة أو الحكاية في العام ٢٠٠٣م .. هذه القصة ؛ و تلكم الحكاية تثبت بما لا يدع مجال للشك أن الحركة الشعبية لتحرير السودان هي حركة جاءت تلبية لأشواق شعب جنوب السودان في الحرية والعدالة و النماء ، و هي فكرة جنوبية خالصة و ليست ملك لشخص بعينه ، جاءت لرد الاعتبار لكل الشعب الذي تضرر من ممارسات الحكومات العسكرية التي تعاقبت في حكم السودان ، صحيح ، هنالك نفر كريم من أبناء الشعب الجنوبي قدموا عبرها إسهامات كبيرة ، و لكن ذلك لا يعطيهم حق الفيتو ، و يجعلهم الورثاء الشرعيين لها من دون بقية شعب دولة جنوب السودان ، و هذا هو أهم درس من دروس قيام الحركة الشعبية لتحرير السودان في إعتقادي المتواضع .
|
|