تئن مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تحت وطأة صراع مرير يهدد وجودها ويهلك سكانها. فبين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، والجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، تجد المدينة نفسها في قلب محرقة حقيقية، يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء الذين باتوا يكابدون الجوع والعطش والخوف في كل لحظة. تلك المشاهد المروعة التي نقلها شهود عيان لموقع "دارفور24" ليست مجرد تفاصيل عابرة، بل هي مؤشرات دامغة على حجم الكارثة الإنسانية التي تضرب الفاشر. وقوف المواطنين في طوابير طويلة للحصول على "الأمباز"، بقايا الفول السوداني، ليقتاتوا بها، يجسد حالة اليأس والعوز التي وصلت إليها الأسر. لم يعد الأمر مجرد نقص في الغذاء، بل هو بحث يائس عن أي شيء يسد الرمق ويبقي على الحياة. إن قيام قوات الدعم السريع بقطع طرق الإمدادات ومنع دخول البضائع إلى المدينة، بما في ذلك منع نساء يحملن مؤنًا بسيطة على ظهور الحمير، يكشف عن استراتيجية حصار خانقة لا تراعي أدنى معايير الإنسانية. هذه الإجراءات، بغض النظر عن دوافعها العسكرية، تؤدي بشكل مباشر إلى تجويع السكان وحرمانهم من أساسيات البقاء على قيد الحياة. في المقابل، لا يبدو الوضع تحت سيطرة الجيش السوداني وحلفائه، الذين يستميتون في الدفاع عن المدينة. فالقتال المستمر داخل الأحياء السكنية يزيد من معاناة المدنيين ويعرضهم لخطر مباشر. القصف العشوائي وتبادل النيران يحول منازلهم إلى ساحات حرب، ويجعل الحركة والتنقل ضربًا من ضروب المستحيل. إن الفاشر، التي كانت ذات يوم مركزًا تجاريًا وثقافيًا نابضًا بالحياة في إقليم دارفور، تتحول اليوم إلى مدينة أشباح، تعاني من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه النظيفة. المستشفيات تعاني من نقص في الكوادر والإمدادات، ما يجعل تقديم الرعاية الصحية للمرضى والجرحى أمرًا بالغ الصعوبة. المجتمع الدولي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتحرك العاجل لوقف هذه المأساة. يجب الضغط على طرفي النزاع لفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وضمان حماية المدنيين وفقًا للقانون الدولي الإنساني. الصمت والتخاذل أمام هذا الوضع المروع وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء. إن الفاشر ليست مجرد مدينة على الخريطة، بل هي موطن لأناس لهم أحلامهم وحياتهم وكرامتهم. تركهم يواجهون هذا المصير المظلم وحدهم هو أمر لا يمكن قبوله أو تبريره. يجب أن تتضافر الجهود الإقليمية والدولية لإنقاذ ما تبقى من هذه المدينة المنكوبة، قبل أن تذوي آخر بصيص أمل فيها وتتحول إلى مجرد ذكرى مؤلمة في سجلات التاريخ
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة