قبل بضعة أيام قام أسد بقضم يد مساعد مدرب في السيرك المصري، والحقيقة لم أحزن كثيراً على المساعد، لأنني -منذ الطفولة- حين أرى سيرك الحيوانات أشعر بأن الحيوانات تتعرض للإساءة البالغة، وخاصة تلك الحيوانات الضعيفة كالحمير والغزلان والطيور..الخ. ولو أننا عدنا بالزمن إلى الوراء حين كانت أوروبا تأتي بالأفارقة وتضعهم في أقفاص حديقة الحيوان كحيوانات للعرض، ورأينا عيون أولئك الأفارقة الباردة والتائهة وهم يتلفتون حولهم دون أن يفهموا ما يحدث لهم وهم يشاهدون الأوروبيين يتحلقون حولهم خارج الأقفاص وينظرون إايهم والابتسامات تملأ وجوههم، لشعرنا بالموقف المهين لحيوانات السيرك. والأسد وهو من أذكى الحيوانات وأكثرها كبرياءً يُذل ويُهان في السيرك، فيُجلد ويُضرب، ويتم تجويعه لإخضاعه، لا يمكن أن يقبل كل تلك الإهانات. ولذلك فالأسود من الحيوانات التي لا تموت هكذا، بل يجب أن تجر قاتلها معها إلى الموت، فإذا هاجمها الصياد ورأت أنها لا محالة ميتة فإنها تنقض على الصياد لتؤذيه، أو لتقتله أو تقتل أحداً معه، فهي لن تتركك تستمتع بصيد سهل. وعندما تحاصرها الضباع ولا تجد مهرباً فإنها تقتل ضبعاً أو ضبعين قبل أن تجهز عليها هذه الضباع. إن الأسود لا تستسلم بسهولة. بعض الحيوانات قابلة للتدجين كالكلاب، والكلاب من أكثر الكائنات وفاء وإخلاصاً ولكن البشر لا يوفونها حقها، فلا يقولون مثلاً بأن الوفاء من طبع الكلاب، بل يعكسون الحقيقة وهم يصفون الخائن بالكلب الذي يعض اليد التي تساعده، وهذا غير صحيح فالخيانة من طبع القطط، لكن البشر لا يوقرون الكلاب، مع ذلك فالكلب قابل للتدجين بل يسعد بذلك، ولذلك فهو مهان عند البشر، ذلك أن الجحود من طباع البشر و الاستهانة بقيمة من يزكيهم ويضحي من أجلهم أو يكرمهم أو يرفع من شأنهم، ولنا في مسيلمة الكذاب أمثولة حين وقره الرسول صلى الله عليه وسلم فدعاه حين تركه قومه ليحرس لهم الحصين والبغال، فرأى مسيلمة أنه أهم من الرسول حين حدث ذلك فانقلب مكباً على وجهه فكان من الخاسرين. لذلك تهان الكلاب والحمير وكل ما سهل تدجينه تحت جناح البشر، أما ما صعب عليهم فيعزروه ويوقروه. وهذا ما يجعل وازع البشر بالسلطان أهم من وازعهم بالقرآن. وبالعودة إلى تلك الحيوانات المهانة في السيرك فتجبر على فعل أشياء خلافاً لطبائعها فإنني أرى في ذلك مستنكراً كبيراً، ليس من باب الترف أو الادعاء والتكلف كما يفعل الغربيون، بل من باب الرحمة ومن باب احترام قوانين الطبيعة منعاً لاختلال توازنها الأخلاقي. نعم فهناك توازن أخلاقي للطبيعة، مما يجعل قانون الغاب أفضل من قانون الإنسان. فقانون الغاب يتلخص في جملة واحدة (خذ على قدر حاجتك فقط)، أما قانون الإنسان فلا يستطيع أن يحكم بالحاجات، لأن الحاجات عند الانسان لا تتناهى، وهذا ما يجعله كائناً شرها لتملك كل ما بيد غيره وما هو جديد، وهكذا عليه أن يصنع الجديد باستمرار. ومن هنا تنشأ الحضارات. خلافاً للحيوانات التي هي محدودة الحاجات بحيث تتلخص في (غريزة البقاء واستمرار النوع) فقط. وعندما يتدخل الإنسان في قوانين الطبيعة فهو يجعلها تختل أخلاقياً، وتدمر الطبيعة وتؤذي الإنسان والحيوان معاً دون وجه حق. خاصة أن عمل الإنسان لا ترشيد له.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة