Post: #1
Title: الصراع الوجودي بين الثقافتين : العربية البدوية و الحضرية في السودان بقلم المهندس أحمد نورين دينق
Author: أحمد نورين دينق
Date: 11-24-2024, 03:37 PM
02:37 PM November, 24 2024 سودانيز اون لاين أحمد نورين دينق-السودان مكتبتى رابط مختصر
إن الحرب الدائرة في السودان هي ملخص لأزمة الحكم المزمنة فيه ، فإرتفاع درجة حرارة جسم الإنسان و حدوث الصداع المزمن دليل حدوث طارئ المرض ، كما أن دخول المرض يستوجب التشخيص السليم كمرحلة أولى للعلاج .. لم أعرف صعوبة أزمة الحكم في السودان إلاّ عندما تدرجت في المراحل التعليمية و دخلت الجامعه ، و أثناء الدراسة الجامعية كنت أتابع الشأن الدولي عبر مجلة النيوزويك الأسبوععية الأمريكية ، فعندما قارنت بين التحليلات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية في المجلة من قبل المفكرين هنالك ، و قارنت الأمر بمستوى كتاب الرأي في صحفنا و مجلاتنا المحلية وجدت البون شاسع في درجة العمق و قوة المنطق و ملامسة الواقع المعاش ، و عندما بحثت عن السبب في ذلك ، وجدت أن من يتصدون لشأن الحكم في الدول المتقدمة هم عناصر الصف الأول ، فالكليات الأدبية هي الرغبة الأولى في الدراسة الجامعية عندهم ، تليها الكليات العلميه و البقية الباقية من التخصصات ، فتصدى عقول الصف الأول لمشاكل الحكم عندهم لا شك أنه الدواء الناجع الذي سهل تشخيص العلاج من ناحية و تشخيص المرض من أساسه من ناحية أخرى ، أما عندنا في السودان ، فإن الرغبة الأولى و الثانية هي الكليات العلميه ، و الرغبة الثالثة هي للكليات الأدبية و الرغبة الرابعة هي للكليات العسكرية و الأمنية .. فمن خلال هذا الترتيب تجد أن من يتصدى للعمل العام هم عناصر الصف الثالث و الرابع من المجتمع السوداني منذ أن إستلم عبود زمام الحكم ، و السياسة هي فن الممكن من القرارات ، و منذ إستلام عبود و طوال أكثر من ستة عقود من عمر الحكم في السودان بعد إستقلاله و القرار الأخير في يد فرد يتبع لعناصر الصف الرابع من المجتمع السوداني في ترتيب صفوته ٠٠٠ ترجو النجاة و لم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس .. فمشكلة السودان عصية على الحل لأن من يشخصونها ليسوا بالكفاءة و لا بالجدارة المطلوبة ، فالقدر وضعهم في موضع المسؤلية بدون أدواتها ، و المجتمع السوداني ، حائر و تائه في بحور هذه التشخيصات التي تجافي واقعه الذي يعايشه مكرها أخاك لا بطل . إن واقع و حال الدولة السودانية بعد خروج المستعمر و نيل الإستقلال ، و الذي تأزم بعد دخول الحرب مفاصل الدولة السودانية ، قريب لواقع الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم و إستلام أبو بكر الصديق مقاليد الحكم ، و وجه الشبه بين الدولتين هو : وقوف فئة من البدويين ضد توجهات الدولة و إعطاء الحقوق المدنية للجميع بسلطة القانون ؛ فسلطة القانون تتنافى مع أعرافهم المبنية على أخذ حق الغير بالقوة عند الحاجة إليه ، لذا فهم لا يريدون سلطة تقيد أعرافهم و تقاليدهم هذه ، لذا تمردوا على خليفة رسول الله أبي بكر الصديق بحجج واهية ، فماذا فعل الخليفة ؟ فعل ما يجب على رجل الدولة فعله ، حاربهم الي أن كسر شوكتهم ، فلا معنى لدولة بدون سلطة ، و لا وجود لسلطة بدون قوة تحرسه .. إن الواقع يعيد نفسه في الدولة السودانية ، فالثقافة البدوية السائدة في أوساط القبائل العربية البدوية التي وفدت و إستوطنت في السودان مؤخرا ، لا تريد أن تغير أعرافها القائمة على السلب و النهب و الإغتصاب و القتل العمد لأتفه الأسباب ، فطوال الأربعة عقود الماضية عانت من ويلاتها أقاليم كردفان و دارفور ، و كانت الدولة السودانية غافلة أو متغافلة عن خطورة هذا الصراع الثقافي الوجودي بين الثقافتين ، الحضرية المتمثلة في الزراع المقيمين المتمدنين و البدوية المتمثلة في الرعاة ، و لكن بعد وصول المد البدوي إلى العاصمة القومية الخرطوم و ولاية الجزيرة ، و تكرار ذات الجرائم السابقة ، حذو القذة بالقذة ، تأكدت ملامح الصراع الوجودي بين الثقافتين المتضادتين ، فوقفت الدولة للمرة الأولى ضد الثقافة العدوة للقيم المدنية ؛ و لكن كيف لعناصر الصف الثالث من النخبة السياسية أن تعي الدرس الذي وعته عناصر الصف الرابع في الزمن المتأخر ؟ لكن أن تأتي متأخراً خيرا من ألا تأتي من الأساس : إن الثقافة البدوية تهدد أي مشروع لبناء دولة مستقرة في السودان ، لأنها ستهدمه في كل مرة بهذه القيم التي تخول لعناصرها الإستحواذ على جهود سنوات غربة المغترب السوداني في لمح البصر ! إغترب إبناء أبيي عن منطقتهم زهاء عقدين من الزمان منذ منتصف العام ثمانينات القرن الماضي ، و عندما حدث إستقرار نسبي في منطقتهم بعد عملية السلام في العام ٢٠٠٥ ، عاد عدد مقدر من الأسر إلى المنطقة من كافة ولايات السودان المختلفة محملين بحصاد سنين الغربة فكان البعض يملأ جرارين أو ثلاثة من مقتنياته طوال فترة الغربة ، و كان عدد العائدين بالآلاف ، فما كان من العناصر البدوية إلاّ أن إستغلوا الأزمة السياسية التي نشبت في المنطقة بين حزب الحركة الشعبية و حزب المؤتمر الوطني و أدت لحرب قصيرة في مايو من العام ٢٠٠٨ لنهب كل ممتلكات المواطنين التي أتوا بها من حصاد غربتهم ، و أنشاوا أسواق لبعيها في حواضنهم ، و بدأ مواطن أبيي البناء من الصفر مرة أخرى بفعل ثقافة لا ترحم ، لا تختشي و لا تعرف أو تعترف بالقيم المدنية من قريب أو بعيد ، و حال أهل الخرطوم و أهل الجزيرة سيكون مثل حال أهل أبيي ، الاضطرار للبداية من الصفر ، لأن تحويشة العمر ضاعت سدى بسبب ثقافة بدوية لا ترحم ، فماذا نفعل ؟ لا خيار أمام الشباب السوداني الذي يحلم بدولة تسودها القيم المدنية و على رأسها : قيم الحرية والعدالة و السلام ، غير أن يفعل كما فعل الخليفة أبو بكر الصديق مع الثقافة البدوية ، و إلا فالبديل هو البداية من الصفر بعد كل مرحلة بناء نتيجة لهدم ما يبنيه في كل مرة من قبل حواضن هذه الثقافة في دائرة تبدأ و لا تنتهي ، لقد هزم مماليك مصر المتنعمين ، عندما آمنوا بعدالة قضيتهم جنكيز خان الذي يدعي أنه أشرس البدو ، و الجيش مؤسسة وطنية قبل وصول الإسلاميين و قادته الحاليين ، و تعلم الجندية لا يستغرق أكثر من عام واحد ، لإزالة خطر يهدد بناء دولة مدنية حقيقية في السودان ، و في السياسة ، المصلحة الوطنية ، تقتضي من الجميع التعاون ، خطر الإسلاميين كانت بسبب غياب العدالة ، فإذا حدث الانتصار على هذه الثقافة الشاذة ، يمكننا بناء دولة مدنية حقيقية في السودان ، تسودها القيم المدنية ، و لن يكون أحد فيها قط فوق القانون ، لا إسلامي و لا يساري ، فالجميع سيكونون تحت طائلة القانون .. جزى الله خيرا الدكتور محمد شحرور ، فقد نجح في التشهير بخطورة الثقافة البدوية الأحادية على القيم المدنية ، لذا كانت يثرب و ليس مكة هي الموطن الذي تشرف بإنطلاقة الدولة الإسلامية في العالم ؛ و كانت الدولة السعودية حصيفة عندما إختارت الرياض عاصمة لدولتها ، فأم القرى ، تتمتع بثقافة أحادية لا يؤهلها لتكون عاصمة .
|
Post: #2
Title: Re: الصراع الوجودي بين الثقافتين : العربية ال�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 11-24-2024, 03:59 PM
Parent: #1
شكرا باشمهندس أحمد نورين على هذا التحليل الجدير بالتأمل.
|
|