أستعرض في هذا المقال ترجمة أستاذنا المبجل الدكتور بدر الدين حامد الهاشمي لكتاب "الدين والصراع في السودان" للمؤرخ غابرييل واربورغ، الذي تضمن أوراقاً قُدِّمت في مايو 1999م خلال مؤتمر عالمي عُقد بجامعة ييل الأمريكية. حرّر الكتاب المؤرخان يوسف فضل حسن وريتشارد غري، وصدر عن دار نشر Paulines Publications Africa في نيروبي عام 2002م. وقد نُشر استعراض الدكتور بدر الدين لهذا الكتاب عام 2003م في العدد الثالث من المجلد رقم 39 لمجلة "دراسات الشرق الأوسط" (Middle Eastern Studies)، في الصفحات 213-215. في مقالي هذا، سأتناول الكتاب من منظور مختلف في قراءتي له... الدين والصراع في السودان: بين الدين والعوامل الأخرى يستعرض الكتاب الذي حرره المؤرخ غابرييل واربورغ تأثير الدين على النزاعات السودانية عبر التاريخ، ويُبرز كيف أصبح الدين عنصرًا حاسمًا في الصراع السوداني منذ الاستقلال وحتى فترة التسعينيات. يركز الكتاب على الدين كعامل رئيسي، لكنه لا يغفل العوامل الأخرى، مثل العرق والإثنية والسياسة، التي تضافرت لتشكيل هذه النزاعات المتعددة الأوجه. الدين كرمز للصراع في عدة فصول، يناقش الكتاب كيف أن الدين أصبح رمزًا قويًا في الصراع على السلطة والهوية في السودان. فمنذ تبني الشريعة الإسلامية في عهد الرئيس جعفر نميري عام 1983، أصبح الدين في قلب النزاعات بين الشمال المسلم والجنوب المتنوع دينيًا وثقافيًا. وعلى الرغم من أن الدين لم يكن السبب الوحيد للصراع، إلا أنه استُخدم كأداة لإضفاء الشرعية على العنف والنزاعات. العرق والإثنية تأثيرات إضافية يتناول أحد الفصول العلاقة بين العرق والإثنية في النزاعات، خاصة في مناطق مثل جبال النوبة. يعرض هنود أبيا كادوف كيف أن الإسلام استُغل لتعزيز الهوية العربية، مما أدى إلى تفاقم الصراعات بين القبائل. يعرض الكتاب أيضًا كيف استُخدمت فكرة "الجهاد" من قبل الحكومة السودانية لتبرير حملاتها ضد المتمردين، وكيف تحول الدين إلى غطاء لتعريب وأسلمة المجتمعات غير العربية. الجهاد أداة سياسية في الصراع من أبرز القضايا التي يتناولها الكتاب هو استخدام الحكومة السودانية للجهاد كأداة سياسية. في مقال لعبد السلام سيد أحمد، يناقش إعلان الجهاد في جنوب كردفان وجنوب السودان عام 1992، ويوضح كيف استخدم هذا الخطاب الديني لتجنيد المقاتلين وتعزيز شرعية النظام. أصبح الدين أداة لتبرير الحروب التي أُعلنت "مقدسة" من قبل الحكومة، في حين كانت بالنسبة للمتمردين حروبًا على التهميش والظلم. الصراعات الإقليمية والبُعد الديني في فصل آخر، يتناول بيتر وودوارد العلاقات بين الحكومة السودانية وحركة "جيش الرب" المسيحية في أوغندا. يستعرض كيف استغل الطرفان الدين لتبرير تحالفات سياسية غريبة. ويكشف الكتاب أن البُعد الإقليمي للصراع السوداني أضاف تعقيدًا آخر، حيث استُخدم الدين كغطاء لتبرير المصالح السياسية والعسكرية. العوامل المعقدة وراء الصراع على الرغم من تركيز الكتاب على الدين كعنصر في النزاع، إلا أنه يوضح أن الدين ليس السبب الوحيد. كما يشير ريتشارد غري، فإن العوامل الدينية غالبًا ما كانت سطحية، بينما الجوهر الحقيقي للصراع يكمن في تداخل عوامل أخرى، مثل العرق، السياسة، والاقتصاد. هذه العوامل المتعددة هي التي جعلت الصراعات السودانية أكثر تعقيدًا وتنوعًا. الدين وحده لا يكفي يختتم الكتاب بفكرة مهمة وهي أن الدين، رغم استخدامه المتكرر كأداة للصراع، لا يمكن أن يكون الحل الوحيد للمشاكل. فبينما يُستخدم الدين لتعبئة الجماهير أو لإضفاء شرعية على الحروب، تبقى الحلول الحقيقية أكثر تعقيدًا. المشاكل العميقة مثل التهميش والتمييز العرقي والسياسي لا يمكن حلها إلا من خلال نهج شامل يعالج كافة الجوانب السياسية والاجتماعية. الكتاب "الدين والصراع في السودان" يقدم تحليلًا متوازنًا لدور الدين في النزاعات السودانية، مع إبراز العوامل العرقية والسياسية التي تجعل هذه الصراعات معقدة. عبر الجمع بين الدراسات التاريخية والشهادات من الخبراء، يوفر الكتاب رؤية معمقة حول الأسباب الحقيقية للصراعات في السودان، ويكشف كيف استُخدم الدين كأداة شرعية في هذه النزاعات.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة