السُودان ليس إستثناءاً من دول كثيرة حول العالم توجد بها الكثير من التنوع وحتي القوميات المُختلفة ، الفشل في إدارة التنوع لنخب ظلت علي سُدة الحكم في السُودان لسنوات طويلة لا يُعطي الحق للبعض لتقسيم السُودان وتمزيقه خصماً علي أجيال قادمة لم تولد فيه بعد ، ليس لها ذنباً في فشل هؤلاء؟؟ ، ليس هنالك بذرة شك في أن السُودان كدولة يجب أن يتم تأسيسه من جديد ، فهو ليس ملكاً لقبيلة واحدة أو أثنية واحدة أو مجموعة عرقية ودينية واحدة ، أو فصيل أو حزب سياسي مُحدد أو حركة كفاح مُسلح مُحددة ، أو أي مجموعات سُكانية موجودة علي أرضه ، ولكنه مِلكاً أرضاً وحدوداً لكُل السُودانيين علي السواء ، لن تستطيع مجموعة فيه فرض رؤيتها علي البقية ، وفي ذات الوقت ليس من الحكمة ولا العدالة أن تكون هنالك قضايا لها علاقة بتأسيس الدولة علي أُسس حقيقية للمواطنة والمُساواة وكافة الحقوق ويُترك أمرها لمجموعات ظلت لاتؤمن بذلك أو ترك مصير البلاد ومُستقبلها تحدده بعض المجموعات والأصوات الإنفصالية والتقسيمية هُنا وهُناك. عندما إنفصل الجنوب الحبيب تم هذا الأمر برغم أنف السُودانيين ، تولي خيار ذلك بعض الكيانات السياسية التي جعلت وحدة البلاد أمراً خاضعاً للمساومة والإبتزاز ، مع الأنانية وضيق الأفق ، رأينا كيف خطط الإسلاميين لبذرة هذا الإنفصال بإعطاء حق تقرير المصير في جولة جمعتهم و مُمثلين بالعدد مع بعض القادة الجنوبين من الجناح الإنفصالي داخل الحركة الشعبية في ذلك الوقت ، والذين تفاجأوا وإندهشوا بموافقة الإسلاميين وبكُل سهولةٍ ويُسر ؟؟ ، ورأينا كيف سارت بقية القوي السياسِية في التجمع الوطني الديمُقراطي في ذلك الوقت في الإتجاه الخطير لتمزيق السُودان تحت مظلة "حق تقرير المصير" ، والذهاب بأنه حق مشروع وووو ، مع أنه ليس كذلك ، وليس مُطلقاً وله ضوابط وشروط لاتنطبق علي بلادنا والصراعات الداخلية فيها ، وله قواعد مُحددة ، وقد صُمم أساساً لكي تتحرر الدول من الأستعمار في حقبة التحرر الوطني ، أواخر الأربعينات و بدايات الخمسينات من القرن الفائت ، وقد كتبنا في هذا كثيراً حول "فرية وأكذوبة حق إعلان المصير" والمقالات مبذولة لمن يُريد مُراجعتها ، كان إعطاء تقرير المصير للجنوبيين هو رغبة مُشتركة مابين بعض إنفصالي الحركة الشعبية وإنفصاليي الحركة الإسلامية بمباركة ورغبة أخري من بعض الدوائر الخارجية في امريكا وانجلترا واليمين المسيحي ، فتم الأمر علي أساس الصفقة المُتبادلة ، ولم تكن نيفاشا إلا السناريو الذي تم حبكه ليتم فصل الجنوب ، رأينا كيف تم الأمر وسارت الأحداث ، وكيف تعمّد الإسلاميون إستفزاز الأخوة الجنوبيين ودفعهم دفعاً في طريق إستفتاء الإنفصال ، وشهدنا كيف إنسحب عرمان من السباق الرئاسي ، وكيف إختفي الدكتور جون قرنق عن المشهد بعد ذهابه المُفاجئ لمُقابلة موسيفني ثم تحطم طائرته في رحلة العودة ؟؟ ثم أتهام زوجته لجهات أخري بترتيب حادثة إغتياله وإخراجه عن المشهد ، وذات الأمر تحدث عنه آخرون ، وبالفعل حدث إنفصال الجنوب كما هو مُخطط له تماماً ، علي هوي بعض إسلاميي السُودان وبعض إنفصاليي الحركة الشعبية وقتها ولصالح اليمين المسيحي ورغبة إسرائيل و إدارة الولايات المُتحدة في ذلك الوقت ، وفصل الجنوب تحدثت عنه روايات في العهد القديم من التوراة نفسها والأمر للبعض ممن يؤمنون بالنبؤات كان لابد ّ أن يتم ، ولعل ذلك يُفسر إهتمام بعض اليمين المتطرف داخل إسرائيل نفسها بالأمر ، وللأمر علاقة بتمدد اليهود ودولتهم نفسها عند هؤلاء المتطرفين ، كان هذا هو المسار الذي سارت عليه عملية فصل جنوب السُودان من كُل الأطراف الذين أسهموا في هذه الجريمة في حق السُودان والأجيال القادمة وبصموا عليها ، تم تحويل صراع كان يُمكن حله دستورياً وسياسياً وبدلاً عن الصراع المُسلح أو التقسيم ، وتمّ إدخال الأمر وتحويله لصفقة لإفلات السفاح البشير من المحكمة الجنائية والعقاب مع إستمراره والإسلاميين في حُكم مايتبقي من السُودان الشمالي. لن يكون إعلان نيروبي الأخير مع شخص مرفوض من شعبنا ، ومتفق مع الإنقلابيين ويجلس مع الإماراتيين وكلاء ذات المجموعة الخارجية التي قسمّت الجنوب ، و أتت به وسوقته بعض الدوائر الداخلية التي هي أيضاً لا تمثل السُودانيين ولا تمثل ثورتهم ولاحتي كياناتهم السياسِية ليقرر وحده بإسم مجموعة سُلطة وليست تمثل الشعب السُوداني وليست متفقة هي نفسها علي ذهابه للتوقيع وبعضهم ليس لديه حتي علم ، لن يكون هذا الإعلان الذي تم التدبير له في الظلام مع شخص لايمثل إرادة السُودانيين وليس منتخباً ولا مفوضاً ولايحمل غير صفة رئيس وزراء سابق وهي ذات الصفة التي وقع بها معها الرفيق عبدالواحد محمد نور وحسناً فعل الرجل! ، لن يكون هذا الإعلان بمثابة "بون ونيفاشا جديدة" لتقسيم السُودان علي هوي ورغبة ذات الإسلاميين وذات ضيقي الأفق من داخل بعض القوي التقزمية والظلامية والأنانيون وهواة السُلطة فقط وعاشقيها ، التي تتلاقي ورغبات بعض الإنفصاليين وذات الدوائر الخارجية المتربصة فقط ببلادنا بذات النهّم الإستعماري البغيض للإنقضاض علي ثروات بلادنا ومواردها ، وتوزيع أراضي السُودان وثرواته لهم ولشعوبهم. الدفاع عن وحدة السُودان وبقائه أمر لاتراجع عنه لصالح جميع شعوبه الحالية و لصالح الأجيال القادمة ، و عدم رهنه لفئية قليلة من قوي السُودان القدّيم والأسلاميين وبعض العنصريين فيه وهواة السُلطة ، و بعض الإنفصاليين كي يتمزق لعديل الدول والدويلات؟؟ ، ودون أي إلتفات لحق سيادته كدولة ذات حدود قانونية ودولية مُحددة ومعلومة و مُعترق بها ، ودونها المُهج والأرواح ، وهي حق مُكتسب ومشرّوع لجميع من يعيش فيه الآن ولجميع لمن لم يولد فيه بعد من الأجيال القادمة. نحن من أكثر المدافعين عن قضايا المواطنة فيه وقيّم المساواة والعدالة والديمُقراطية وفق برنامج السُودان الجديد ، ومن أكثر المُدافعين عن علمانيته ومبدأ فصل الديّن عن الدولة كمبدأ فوق دستوري ، وفي ذات الوقت ضد أن تتحول قضايا التأسيس لورقة تفاوض أو ضغط ، خاصة وإن كانت مع شخص أو مجموعة لاتمثل كامل الشعب وغير منتخبة ولم تأتي بإرادة شعبية حقيقية. لا عداء لنا مع أحد ولكن من حقنا الدفاع عن وحدة بلادنا ، وأن لايترك أمره لقوي السُودان القديم وهواة السُلطة ورغبات بعض الإنفصاليين ومن تعبوا من النضال لأجل الحقوق. السُودان متنوع في كُل أقاليمه وأجزائيه ولاتوجد فيه سمة التجانس ، وإدارة هذا التنوع معلوم إتجاهها وهي قضايا التأسيس والتي تحتاج للنقاش و حسمها ممن يمثلون بلادنا وشعبنا التمثيل الحقيقي وغير مطروح فيها "أكذوبة تقرير المصير" ، وحتي لايكون السلاح الصدئي والكاذب الذي يتم تمزيق بلادنا به مُجدداً لصالح رغبة مجموعات محدودة ، علي المستوي الشخصي أحترم القائد الحلو جداً وجميع قادة وعضوية الحركة الشعبية شمال ، ولكني أختلف مع رهن وحدة جميع أجزاء بلادنا وكما جاء في إعلان نيروبي أنه في حالة عدم الإلتزام بشرط العلمانية فمن حق جميع الشعوب حق تقرير المصير ، وهذا يعني الإقرار بتقسيّم السُودان علي أساس تفاوضي جُزئيي وهذا خطير جداً. أخيراً فإنني وكمواطن سُوداني لي حق المُشاركة السياسِية والرأي ، أُطالب بأن تكون وحدة السُودان مبدأ فوق دستوري ويتم الدفع بهذا المبدأ إلي اللجان التي ستقوم بكتابة المبادئ فوق الدستورية ، وأن يُضمن هذا الشرط وهذا المبدأ الأساسي في أي إعلان سياسِي حالي أو قادم في طريق إعادة تأسيس بلادنا وقضاياها المصيرية والجوهرية. ١١ يونيو ٢٠٢٤
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة