▪︎قال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-:( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني...إلخ ). الحديث. فلم يكن شخصًا عاديًّا أبدًا، لقوله: ( كان الناس يسألون...وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني )!. فهذا بُعد نظر، وشمول فكر، تميّز به عن أكثر الصحابة- رضوان الله عليهم أجمعين- ولذلك في فترة خلافة عثمان لمّا رأى رجلين من المسلمين إختلفا في القراءة أسرع إلى عثمان يناشده أن يدرك الأمة قبل أن تختلف في كتاب الله، وهذا الذي جعل عثمان - رضي الله عنه- يأمر بجمع المصاحف. ▪︎العالم اليوم في حاجة إلى قدواتٍ أخلاقيين وإلى ناجحين ملهمين فحاول أن تكون واحدًا منهم. العاديون من الناس تطفئهم الظروف الصعبة أما العظماء فتجعلهم أكثر توهجًا..فلا تكن شخصًا عاديًّا. ▪︎تؤثِّرُ القدوات في الأشخاص والجماعات والأمة المعاصرة لها تأثيرًا عظيمًا يمتد ذلك الأثر إلى أجيال عدة..لذلك نجد أن الحضارات في بداياتها تكون قوية المنزع، شديدة الاندفاع، ساطعة التوهّج، حتى تبلغ ذروتها، ويشد عودها، ويذيع صيتها، وتنتشر ثقافاتها بين الأمم والشعوب الأخرى بفضل قياداتها وقدواتها الصالحة الناجحة..صالحة في ذاتها، مصلحة لغيرها بنجاح تخطيطها وتدبيرها للأمور التي تصلح البلاد والعباد. ▪︎وقد كانت الأمم قبل الإسلام يسوسها الملوك ويعاونهم الفلاسفة وإسمهم "الحكماء". وقد ألّف أفلاطون كتابه: (المدينة الفاضلة، أو جمهورية أفلاطون) فصّل فيه نظامًا لمدينة مثالية عنوانها الطهر والنقاء في الأخلاق، والعلم والروحانيات، وتنتفي فيها الشرور والآثام والجرائم ولا فساد ولا ظلم فيها ولا قتل ولا عدوان. مدينة خيالية يحلم بأن يسكنها أُناس طيبون يعيشون فيها في سلام ووئام لا يعرفون فيها الغل ولا الحسد. ولا غرو أن هذه المدينة المثالية الخيالية، تمثّل قمة الحضارة والرقي لحكّامها وقياداتها في المقام الأول، ولقاطنيها أيضًا. ▪︎وكذلك الأنبياء جنبًا إلى جنب مع الملوك في إدارة شؤون الامبراطورية أو المملكة. { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }..سورة البقرة: (247). ▪︎وأحيانًا يكون النبي ملكًا وحاكمًا مثلما هو الحال في مملكة آل داود- داود وابنه سليمان - عليهما السلام- وقد قصّ علينا القرآن بتوسّع مملكتهما من بيت المقدس في الشام وحتى جنوب الجزيرة العربية مملكة سبأ..ومع ذلك التوسّع كل شئ منتظم أيّما انتظام، ويسير وفق سلطان الله وناموس الكون القويم. ▪︎{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)} سورة: سبأ. ▪︎{ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ(19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ(20) وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)}..سورة: ص. وهذا الحكم الذي بسط نفوذه في أرجاء الأرض، يقوم عليه أنبياء ورسل عظماء، مقربون من الخالق تبارك وتعالى، إلا إنهم مأمورون ألّا يحيدوا عن منهج الله الرباني ويحكموا في الناس بشريعة السماء فحسب، ويجتنبوا التسلّط والاستبداد والنزوع إلى الانتقام وظلم الناس وهوى النفس الأمارة بالسوء. ▪︎ثم من سنن الله الكونية ألّا يبقى شئٌ على الكمال، فيبدأ النقصان والتراجع..يبدأ ذلك النقص بعد قرونٍ من القوة والسطوع والازدهار لأي حضارة قامت على مرتكزات صحيحة وصالحة..ثم تضمحل بعد ذلك إلى أن تزول كليّةً أو تؤول إلى الزوال..وهكذا كانت حضارة الاغريق والرومان والفرس وغيرها من الحضارات قبل حضارة الإسلام التي امتدت لقرون كثيرة وتوسّعت شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا، فوصلت بلاد المغرب والأندلس وأواسط أوربا، وبلغت أواسط أفريقيا وشرقها وغربها..كل هذا بفضل النبي الأكرم، والرسول الأعظم، والقائد الملهم المؤيد بوحي السماء، وهذا القرآن الذي باقي ما بقي الزمان صلى الله عليه وسلم..ومن بعده قدوات صالحة، وخلفاء ملهمين ومسدّدين وراشدين مهديين، أقاموا سلطان الله في الأرض حتى عمّ العدلُ أرجاءها وقال في ذلك الهُرمزان رسولُ كسرى: ( حكمتَ فعدلت فأمنت فنمت يا عمر!.)..وهذا إقرار منه بعدالة الاسلام عامة، وعدل عمر خاصة. ▪︎وانشد شاعر النيل حافظ إبراهيم بلسان رسول كسرى:
و راع صاحب كسرى أن رأى عمرًا
بين الرعية عطلًا وهو راعيها
و عهده بملوك الفرس أن لها
سورًا من الجند والأحراس يحميها
رآه مستغرقًا في نومه فرأى
فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملًا
ببردة كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يكبره
من الأكاسر والدنيا بأيديها
و قال قولة حق أصبحت مثلًا
وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمِنتَ لما أقمتَ العدل بينهم
فنمتَ نومَ قرير العين هانيها
▪︎إذًا أينما وجدت القدوات الصالحة في ذاتها، المصلحة لغيرها، والقيادات الناجحة في اجتراحها سبل السعادة لأمتها، تبذل كل ما في وسعها، وتضحّي براحتها، وتقدّم النفسَ والنفيسَ من أجل تحقيق ذلك الهدف الأسمى، كانت هناك حضارة وقيم وأخلاق وعدالة اجتماعية تصبح نبراسًا لكل الشعوب التي تتوق إلى السلام الحقيقي والحرية والرفاهية والعيش في طمأنينة..ولا شك أنها تجدها في ظل الإسلام، هذا الدين الذي يصلح لكل زمان ومكان، لأن طبيعته محكمة ومستقرة ومناسبة للإنسان في كل مرحلة من مراحل حياته، صغيرًا كان أو كبيرًا، رجلًا أو إمرأة، غنيًّا أو فقيرًا، شريفًا أو وضيعًا، حرّاً طليقًا أو حبيسًا، حاضرًا أو باديًا، حاكمًا أو محكومًا..لأنه باختصار هو العدالة السماوية، والدين الذي لم يحرّف كالأديان السابقة. فقط يحتاج إلى من يحمله بعلمٍ ووعيٍ وصدقٍ وحبٍّ ونشاط، ويقدّمه إلى البشرية بصدق وحبٍّ ونشاط، وإسعاد لها في الدارين، ونأيٍ بها عن عذابات الدنيا، وجحيم الآخرة..وهكذا ينبغي على الشخص أن تكون أمنيته في الدنيا نفع الناس كافةً كالغيث أينما وقع نفع، وأن يكون مختلفًا عن غيره، متحفّزًا لكل ما فيه رفعة وعلو شأن، فلا يرضى بالدون إلا دنيء. ▪︎وختامًا..في سياق التميّز نأخذ نموذجًا من حكّام المسلمين في أوج عصر الحضارة الاسلامية وعنفونها: عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس- رضي الله عنه- تكلّم عن نفسه قبل وفاته قائلًا: (( إن لي نفسًا توّاقة، وماحقّقتْ شيئًا إلا تاقتْ لما هو أعلى منه، تاقت نفسي الى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبدالملك بن مروان فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فولّيتُها، وتاقت نفسي الى الخلافة فنلتُها، والآن تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها))!. --------------------- حمزة محمد حمد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة