Post: #1
Title: التحديات الداخلية و الخارجية الخطيرة تصنع الدول القوية. بقلم : المهندس/ أحمد نورين دينق
Author: أحمد نورين دينق
Date: 02-10-2024, 05:20 AM
04:20 AM February, 09 2024 سودانيز اون لاين أحمد نورين دينق-السودان مكتبتى رابط مختصر
نهدي للقراء الكرام نموذجين لتحدين داخليين أحدهما حديث و الآخر عتيق ، و نختم بمثال لتغلب دولة واحدة على تحدياتها الداخلية و الخارجية و تداعيات ذلك على مستقبلها السياسي . تحالف شعوب إثيوبيا ، هذا الحلف الذي يضم ١٤ تنظيما ، و يعود جذوره للعام ١٩٨٨ ، و الذي ناضل نيابة عن شعوب إثيوبيا ، و نجح في إزاحة الدكتاتور اليساري منغستو هايلي ماريام ، و نصب التحالف : تاميرات لاينه ، رئيسا للبلاد في مايو ١٩٩١ ، وهو من قومية التيغراى ، و قد خلفه على الحكم : مليس زناوي في العام ١٩٩٥ ، عقب إجازة دستور إثيوبيا الفدرالية ، و شغل مليس المنصب حتى وفاته في العام ٢٠١٢ ، و بعد وفاة الرئيس مليس زناوي ظهرت الأزمة الداخلية في الحكم في جمهورية إثيوبيا الفدرالية ، فقد لاحظت بقية القوميات الأخرى ، و عددها ٩ أن مفاصل الدولة بيد قومية التيغراى ؟ فبدأت بقية القوميات تنظيم صفوفها في داخل التحالف ذاته ، و كانت شرارة الثورة في خطوة سياسية إتخذها الرئيس هايلي ماريام ديسالين خليفة مليس زناوي في الحكم ، عندما منحت الحكومة المركزية بعض من أراضي تتبع لعرقية الأرومو جنوب العاصمة أديس أبابا لبعض المستثمرين ، فانطلقت الاحتجاجات في الفترة (٢٠١٥_٢٠١٧) ، و التي أدت في الاخير إلى إستقالة حكومة ديسالين ، و بدأت مرحلة إختيار المرشحين داخل التحالف لسد خانة رئيس الوزراء ، فقامت جبهة تحرير الأرومو بخطوة ذكية ، فقد إستبدلت رئيسها : لما مغرسا ، بالعقيد السابق في إستخبارات الجيش: آبي أحمد ، و الذي حصل على دعم عرقية الأمهرو ، بالرغم من معارضة التيغراى ، و تصويت ممثليهم في المجلس ضد آبي أحمد . و بفوز آبي أحمد ، جنب الشعوب الإثيوبية مزالق الدخول في صراع دموي لمعالجة خلل في بنية الدولة ، و شرع في المصالحات الداخلية و الخارجية ، إلى أن تحصل على جائزة نوبل للسلام تتويجا لمجهوداته ، أما الحرب التي خاضتها الحكومة المركزية ضد عرقية التيغراى ، فكانت ضرورية للطرفين ، لمعرفة حاجة كل طرف للآخر ، و بذا إستطاعت إثيوبيا الفدرالية التغلب على تحدياتها الداخلية ، و وضعت عربة النهضة الإثيوبية فوق حصان الازدهار الإثيوبي ، فحزب الازدهار هو وريث تحالف الشعوب الإثيوبية بتأريخ ١ ديسمبر ٢٠١٩ . التحدي الداخلي الثاني : حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق:- و هي سلسلة من الحملات العسكرية التي شنها المسلمون على القبائل العربية التى إرتدت عن الإسلام بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، في زمن خليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، في الفترة (٦٣٢م_٦٣٣م) ، فقد إرتد عن الإسلام كل العرب ما عدا أهالي مكة ، و المدينة المنورة و الطائف ، و القبائل التي جاورتها ، و هي حركة تمرد صريح على دولة الإسلام في المدينة المنورة ، فالزكاة التي إمتنعوا عن دفعها ركن أساسي في الاسلام ، و إذا هذا المهدد الوجودي للدولة الإسلامية ، كان لا بد من إستخدام أداة الحرب كعلاج و دواء مهم لتوطيد المللك في الأرض ، فكان نجاح الخليفة أبو بكر الصديق في حسم هذا التمرد الداخلي ، هو الذي يسر للدولة الإسلامية إمكانية الوجود الآمن و التوسع كما حدث من قبل الخلفاء الراشدين من بعده ، فلأبي بكر الصديق فضل توطيد دعائم الدولة الإسلامية. كسب معركة أحيت دولة لمدة ثلاثة قرون ؟! نعم ، هذه حقيقة ، فدولة المماليك في مصر ، كانت تعاني من صراعات داخلية مريرة ، و أوضاع إقتصادية مزرية ، أي كانت على حافة الهاوية ، و لكن عند إقتراب غزو المغول لمصر ، حدثت نقطة التحول ، عندما تقلد سيف الدين قطز عرش مصر في العام ١٢٥٩ ، و بدأ يعد لمنازلة التتار ، فبدأ بترتيب الأوضاع الداخلية لدولة المماليك في مصر ، فقمع ثورات الطامعين بالحكم ، و كان من أفضل قراراته داخليا أن أصدر عفوا عاما عن المماليك الهاربين من مصر بعد مقتل فارس الدين أقطاى بمن فيهم الظاهر بيبرس ، أما بخصوص الأوضاع الإقتصادية ، فقد أصدر سلطان العلماء العز بن عبدالسلام ، فتوى بأن يبيع كل الأمراء و القادة بمن فيهم سيف الدين قطز ممتلكاتهم النفيسة ، و تحول لميزانية الجيش ، فإذا نقص فرض ضريبة على كل مواطن في الدولة مقدارها واحد دينار ، و تم فتح معسكرات تدريب للمتطوعين لقتال التتار و قد أرسل هولاكو رسالة يحملها أربعة من الجند من ضمن ما جاء فيه ( سيوفنا صواعق ، و قلوبنا كالجبال، و عددنا كالرمال ، فالحصون لدينا لا تمنع ، و العساكر لقتلنا لا تنفع ، و دعاؤكم علينا لا يسمع ، فإنكم أكلتم الحرام ، و لا تعفون عن الكلام ، و خنتم العهود و الإيمان ، و فشا فيكم العقوق و العصيان ، فأبشروا بالمذلة و الهوان ..الخ) ،و بعد أن أطلع السلطان قادته على الرسالة ، تترددوا قليلا في قبول خيار الحرب ، و لكن سيف الدين قطز إختار الحرب فما كان من الأمراء إلا إظهار المساندة ، و أشاروا عليه بقتل الرسل و تعليق رؤوسهم على باب زويلة في القاهرة ففعل ، و بعد إكتمال الاستعدادات ، شاور قطز مجلسه في أين تكون المعركة ، فاستقر رأيهم أن تكون خارج الأراضي المصرية ، و كانت عكا تحت حكم الصليبيين ، وهي في طريق جيش المسلمين ، فعمل قطز إتفاقية صلح مؤقتة تنتهي بانتهاء مهمة الحرب ، تنص على أن يمر جيش المسلمين بسلام ، و أن تتكفل عكا بالمؤن الغذائية إدبان المعركة مقابل نصيب مقدر من الغنائم كأن يبيعوهم الخيل المغتنمة بسعر زهيد ، فتم الموافقة ، كانت غزة تحت الاحتلال المغولي ، و عند تحرك جيش المسلمين من مصر تجاه فلسطين ، قسم قطز جيشه في شكل ألوية ، و كانت مقدمة الجيش تحت قيادة الظاهر بيبرس أحد أقوى قادة دولة المماليك ، و عند وصول بيبرس غزة ، إصطدم بجيش المغول ، و هزمهم قبل وصول بقية جيوش المسلمين ، و فر جزء منهم إلى حيث يوجد القائد العام لجيوش المغول و يسمى كتبغا الذي كان موجودا في سهل البقاع ، و واصل جيش المسلمين زحفهم إلى أن وصلوا عكا ، و أثناء إستراحتهم فيها تأكدوا من صدق و جدية النصارى في أمر المعاهدة ، و عند إقترابهم من عين جالوت ، وضع قطز خطة المعركة ، و ذلك بأن جعل مقدمة الجيش في منطقة مكشوفة في السهل ، و بقية الألوية خلف التلال المغطاة بالشجر ، و بدأت المناوشات بين مقدمة جيش المسلمين في عين جالوت و جيش المغول بقيادة كتبغا ، فكل ما يدفع بكتيبة ، يدحرها بيبرس ، عندما تكرر الأمر ، دفع بجميع كتائبه دون ترك كتائب إحتياطية ، عندها ، أمر القائد قطز بقية الكتائب بمحاصرة جيش كتبغا من جميع الجهات ، فصار أملهم الوحيد في إحداث ثغرة من إجل إيجاد منفذ للانسحاب ، فأبلى الطرفين بلاءا حسنا ، كان تعداد جيش المغول ١٢٠٠٠٠ ، و جيش المسلمين ٢٠٠٠٠ ، من وجد ثغرة للانسحاب من المغول لحق به و قتل ، فلم ينجو منهم أحد ، كان ذلك في يوم ٢٥رمضان ١٢٦٠م ، و بعد خمسة أيام ، وصل جيش المسلمين دمشق عاصمة الخلافة العباسية ، و إستتب الأمر للمسلمين في بلاد الشام و وضع قطز عليها أمراء جدد ، و بسبب هذه المعركة إستمر حكم المماليك لمصر و الشام قرابة الثلاثة قرون . فالتاريخ الحديث و القديم يكاد يتفقان بأن التحديات الداخلية و الخارجية العظيمة هي المخاض الطبيعي لولادة الدول القوية إذا أحسن إستغلالها و التعامل معها بروية و حكمة .
|
|