مفهوم أصل البراءة هو أن المتهم بريئ حتى تثبت إدانته، يترتب على هذا أنه لا يجوز التعامل مع الأفراد كمدانين إلا بناء على ما يسمى بالسبب المعقول، فلا يجوز توجيه إتهام أو اتخاذ إجراءات مقيدة للحرية إلا بناء على أسباب ترجح اقتراف الشخص للجريمة. وعلى هذا فإن مجرد أقاويل الشاكي أو البلاغ لا يفضي فوراً إلى التعامل مع المشكو ضده كمدان، بل لا بد أن يتم إجراء تحريات أولية ترجح اقتراف الشخص لجريمة ثم يتم البدء في التحقيق على أساس أن المتهم بريئ ولذلك فإن القوانين الجنائية حول العالم تعمل على وضع ضوابط شديدة لاتخاذ قرار القبض على الأشخاص، كما أنه لا يجوز اللجوء إلى القبض إلا في حالات ضيقة، كالخشية من هروب المتهم، أو ضياع الأدلة، وقد نصت المادة ٤/ هاء على أنه: (يراعى الرفق كلما تيسر في إجراءات التحري والاستدعاء ولا يلجأ لممارسة سلطات الضبط إلا إذا كانت لازمة) أما إن لم توجد مبررات قوية للقبض فيجب أن يتم استدعاء الشخص وسماع أقوالهفقط دون تحليفه اليمين. غير أن الواقع في السودان مختلف كل الاختلاف، فبمجرد أن يذهب شخص إلى الشرطة ويقدم شكوى ويتم سماع اقوال الشاكي، يتم إصدار قرار بالقبض سواء بالضمانة العادية أو بكفالة مالية. اليوم وجدت أن أحدهم قدم شكوى ضدي، بدون تقديمه لأي دليل ولا حتى بشهادة شخص واحد، ومع ذلك يتم استصدار أمر قبض له. إن مراجعة قانون الإجراءات الجنائية ضروري جداً، لمنع هذه الفوضى. إن تبادل البلاغات أضحى سمة رائجة بين كل المتشاحنين، وتبادل القبض مجرد عمليات انتقام متبادلة عبر قوانين معيبة لا تنتمي للعدالة الجنائية بنصيب. في المرحلة الجامعية كنا ندرس قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي والمصري، وحينما ندرس قانون الإجراءات السوداني كنا نهلك من الضحك. والغريب أن نظام القانون العام أو النظام الأنجلو أمريكي يشتمل على ضوابط أقوى، فحتى على مستوى سؤال الفرد من اسمه يجب أن لا يتضمن مجرد إشعار الفرد بأن حريته مقيدة وإلا كان ذلك استفساراً غير قانوني وبالتالي إذا ترتب عليه اي إجراء وتم الحصول على دليل من ذلك الإجراء فإن الدليل لا يعتد به أمام القضاء بل يعتبر دليلاً باطلا لأنه مستمد من إجراء باطل، وما بُني على باطل فهو باطل. وتتدرج الضوابط من حيث الشدة، فيجب أن يكون هناك اشتباه معقول ثم سبب محتمل ثم شك معقول، وهكذا.. فلا يمكن أن يكون قرار القبض على شخص اعتباطياً وفوضياً كما يحدث في السودان. بل المؤسف أن هناك قناعة لدى رجال القانون بأن القبض هنا قانوني ومشروع. ولا يعرفون أن القبض وهو تقييد لحرية الشخص، إنما يجب أن يخضع لمبررات تجعله ضرورياً. فإذا كان بإمكان المتحري أن يقوم بالتحري بدون الحاجة إلى قبض بل بمجرد استدعاء المشكو ضده فلا يكون القبض مشروعاً. هنا يتم التعامل مع القانون كالتعامل مع العادة، فالناس يعتادون على الاشياء الخاطئة حتى تصبح في نظرهم صواباً وهذه كارثة.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق June, 23 2022