"شهدت الساحة السودانية تغييرات سياسية فارقة بعد إعلان الجيش تضامنها مع الموجة الثورية في 21 أكتوبر ما عرف (باعتصام القصر)، وعزل رئيس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك ... ويُعد هذا التطور تحولا هائلا وهاما في مسار ثورة ديسمبر المجيدة بعد عامين ونصف من انطلاقها ... انتهت بإسقاط الرئيس المخلوع البشير بعد 30 عاما كامل من حكمه.
إن القوات المسلحة السودانية وبمعاونة البعض هي من قامت بالانقلاب على الشرعية الدستورية و على رئيس الوزراءالشرعي للفترة الإنتقالية د.عبدالله حمدوك وعزله.
ما عاد خبرًا صادمًا إشهار بعض العناصر الكامنة من الانقلابيين وعلى رأسهم البرهان انقلابهم على الوضع الراهن حتى وإن كانوا طرفا فيه، طرفا قد تكون قد أتت به الصدفة أو المصلحة بمقتضى اكتمال الصورة لغايات التسويق لدى "العالم الحر". تلك قصة عهدناها في كثير من الساحات الشرق أوسطية.
وإن كان من سمات مشتركة بين انقلابات العسكر فى السودان المتوالية ضد الحكم المدنى، فلا شك أن صبغتها الأقوى هي القوة البوليسية الفولاذية الخشنة بقفازين حريريين واحد يخطب ود الخارج معتمدًا على دعم سفارة على الأقل من بين الخمسة الكبار، وآخر يدغدغ مشاعر الشارع، تارة بوعود التحرير والنصر أو حمايته من عدو خارجي، وتارة من أعداء حقيقيين ينهشون قوت الناس وصحتهم وحقوقهم وأحلامهم.
"انقلاب" عبدالفتاح البرهان الذي يرى كثيرون أنه مدعوم من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والحليفين الأقرب لمصر في الخليج، السعودية والإمارات، جاء بعد "عامين من الفشل المتراكم"، وفقا لموسكو. "انقلاب" أتى بعد سويعات من محادثات أجراها المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي السفير المخضرم جيفري فيلتمان مع قادة المرحلة الانتقالية في السودان بشقيها المدني والعسكري.
واشنطن ما زالت تعبر عن "القلق البالغ" وتجري اتصالات بقيادة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، مع الاتحاد الإفريقي الذي جمد عضوية السودان لممارسة ضغوط على "الانقلابيين" حتى يتم استئناف المرحلة الانتقالية وصولا إلى حكم مدني ديموقراطي راشد. وهنا تكمن المعضلة. عامان مرّا، ولم تف حكومة عبدالله حمدوك بستة تعهدات من بينها تشكيل حكومة مستقلة لا تقوم على المحاصصة الحزبية والمناطقية والقبائلية. وكما حصل في تونس، لم تتم محاسبة الفاسدين، ودبّ التخبط والاعتباطية في إدارة شؤون البلاد وتفاقم سوء الأحوال المعيشية للناس على نحو أسقط التعاطف الشعبي بعد انحساره.
في المقابل، وخلافًا لكارثة "حكم المرشد" في مصر، أسقطت ورقة إخوان السودان من صفوف الذين تم "الانقلاب" عليهم، وهذه المرة أتى برهان جديد على حجم معضلة الحكم في الشرق الأوسط. السودان - كمعظم دول الإقليم - حافل بالتعددية الإثنية الدينية والعرقية، الأمر الذي لن تقوم فيه للديموقراطية الحقة قائمة ما لم يكن الحكم مدنيًا علمانيًا، والإدارة لا مركزية شفافة تقوم على تساوى المواطنين في دولة المواطنة بالحقوق والواجبات.
لم تفلح كل محاولات الرئيس المخلوع البشير الذي أتى بانقلاب "إنقاذ وطني" في الإبقاء على وحدة ما استلم من أسلافه، فاندلعت حرب إبادة في دارفور، وانشطر السودان إلى بلدين. أفلح حمدوك والبرهان معا في اتفاقات سلام مع الحركات المسلحة ورفع البلاد عن لائحة الإرهاب الأمريكية، لكنهما أخفقا في التفاهم داخل بيت المرحلة الانتقالية، والارتقاء بالبلاد إلى سودان جديد لا يمكن أن يستمر حكمه بأدوات الماضي.
سودان "اتفاقات إبراهيم" غير سودان "اللاءات الثلاثة" (القمة العربية في الخرطوم ١٩٦٧: لا صلح لا اعتراف لا تفاوض مع إسرائيل). فهل يتصالح العسكري مع المدني؟ هل يعترف بوجوده أصلا كصاحب الولاية الشرعي في الحكم؟ تلك مسألة قيد التفاوض على ما يبدو على مستوى المنطقة وليس السودان وحده..
هذا الانقلاب العسكري من قبل البرهان وحميدتي ومن مناصريه من تجار الحرب والفلول، تعاد عقارب الساعة في السودان عشرات السنين الى الوراء، كل أماني الشباب الذي ثار في ديسمبر ضد حكم البشير ودونت ثورة شعبية أعدت من رموز الثورات في افريقيا والعالم نجاح مهددا ان تذهب ادراج الرياح، لقد كتبت العديد من الكتابات والمقالات، وجهت فيه انتقادات لاذعة الي قوي الحرية والتغيير لمشاركتهم العسكر السلطة، والعواقب التي تترتب علي هذه المشاركة الخطيرة والسيناريو المتوقع الحدوث، وفي الوقت الحالي لا ينفع البكاء حول اللبن المسكوب، بل يجب أن تتضافر جهود السودانيين الذين يحلمون بسودان جديد تنتصر فيه روح الديمقراطية والحكم المدني في كل أطرافه.
الانقلاب العسكري كان متوقع حدوثه تحت أي لحظة في السودان، وهذا الامر لم يكن يحتاج الى كرة كريستال سحرية، كل المؤشرات في الساحة السياسية السودانية مؤخرا كانت تشير الى وشك العسكر للانقضاض على حكومة حمدوك الانتقالية خاصة مع حلول وقت تسليم رئاسة الفترة الانتقالية الى المدنيين بجانب العمل الجبار الذي قامت به لجنة ازالة التمكين في فكفكة نظام الانقاذ صامولة صامولة، لن يرضى أبناء السودان بجنرال معتوه آخر يعود بهم إلى الخلف عشرات السنيين وسيتم مقاومة هذا المكون العسكري بكل أساليب المقاومة المدنية السلمية حتى يترك هؤلاء اللصوص مكتسبات شباب السودان التي من أجلها أنفقوا الغالي و النفيس.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة