بعد يومين من حدوث المفاصلة في 1999 شهدنا ندوة سياسية عن الموضوع بحديقة مسجد النيلين في الخرطوم تحدث فيها الاستاذ محجوب عروة والدكتوران حسن مكي والنذير الكاروري، وقد اتفقت رؤاهم حول الموضوع، فقال عروة انها بداية النهاية، وأكد مكي ان البشير سيذهب مثلما ذهب الترابي، اما الكاروري فذكر ان الادارة الامريكية كانت قد استشارت وكالة استخباراتها عما يجب فعله مع نظام الخرطوم، فكانت قراءتهم ان الحركة الاسلامية ستنشق علي نفسها!
تفاجأ الناس بالسرعة التي سيطرت بها طالبان بعد انسحاب الامريكان، ولكن مسئول في الادارة الامريكية صرح بانهم سيحاربون الارهاب في افغانستان دون الحوجة للتدخل المباشر ذي التكلفة الباهظة ماليا وبشريا، ولم تكد طالبان تدخل كابول حتي اعلنت بلاده تجميد عشرات المليارات لافغانستان في البنوك الامريكية وهو ما فعلته كذلك دول غربية اخري.
لم تنقض ثلاث سنوات علي مفاصلة الاسلاميين حتي بدأت الانشقاقات المسلحة في دارفور وغيرها تطالب بتحقيق العدل والمساواة، وكانت فعلا بداية النهاية.
اذن فامريكا تريد ان تجرب مع حركة طالبان نفس الاسلوب الذي طبقته مع الحركة الاسلامية في السودان وتكلل بالنجاح. لقد اطلقت الحركة الاسلامية مع شعار اقتراب عذاب الامريكان شعارات "نأكل مما نزرع" و"نلبس مما نصنع" ولكن بعد ثلاثة عقود من الحكم تركت الحركة البلاد في ظلام وعطش، وتركت العباد مصطفين اما البنوك والمخابز وطلمبات الوقود.
ان تجربة الحكم تختلف كثيرا عن المعارضة والمقاومة، فتحديات السلطة كبيرة، واطلاق الشعارات شئ وتطبيقها شئ اخر، واهم التحديات هو فساد الحكام فقد جاء في الحديث: (ما الفقر اخاف عليكم ولكن اخاف عليكم ان تبسط لكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما اهلكتهم).
لقد جرت خيرات السودان ابان حكم الحركة الاسلامية بترولا وذهبا ولكن لم تتم الاستفادة منها في ترقية الخدمات ورفاهية المواطنين وانما كانت سببا لتنافس محموم حول المناصب والامتيازات فأُنفقت معظم الاموال علي التطاول في البنيان والاسفار والمؤتمرات والاحتشادات لكسب ود الناس من اجل استدامة الحكم، وطغت المصالح الشخصية وظهر الفساد في البر والبحر، فتبددت الكثير من الاموال بينما كان المواطنون في كثير من بقاع الوطن في امس الحوجة للماء والكهرباء والعلاج.
ان الحكم فتنة لا ريب في ذلك خاصة عندما تكون السلطة مطلقة بلا رقيب او حسيب، وهذا هو النموذج الذي تتبناه طالبان وكل الحركات الاسلامية. امريكا تريد اذن لطالبان ان "تتمكن" من السلطة وتمكث هي غير بعيدة تشاهد الحركة وهي تلف الحبل حول رقبتها، وذلك عندما يبدأ تغير احوال المقاتلين الذي كانوا يسهرون الليل يتكئون علي بنادقهم في العراء ويقضون النهار سيرا علي ارجلهم، فماذا بعد ان يركبوا السيارات الفارهة ويسكنوا الغرف المكيفة ذات المفارش الفخمة، ويجلسوا علي الموائد الضخمة، الزاخرة بكل ما لذّ وطاب؟!
الامريكان في تعاملهم مع السودان كان نفسهم طويلا، وليس لديهم مانع في ان يصبروا ثلاثين سنة علي الطالبان حتي يروا شعبهم يثور عليهم مطالبا بالحرية والسلام والعدالة. فهل ستكون الامارة الاسلامية الجديدة امتدادا لفترة الخلفاء الراشدين ام يظهر فساد القوم فيسقطوا في نظر شعبهم وتنهزم حينها فكرتهم فلا تقوم لهم بعد ذلك قائمة؟!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة