يظل الشيخ الدكتور حسن عبدالله الترابي ظاهرة فريدة جمعت بين الدين والسياسة والفكر وتظل مؤلفاته الفكرية وحلقاته التليفزيونية ومناظراته ومناقشاته مثار جدل تثير الحيوية والنشاط في الحياة الفكرية ويبقى الشيخ الدكتور حسن عبدالله الترابي الذي أفنى حياته باحثآ ومنقبآ ومجتهدآ علامة بارزة من علامات فكرنا الاسلامي المعاصر فجاءت كتاباته واجتهادته شهاهدآ علي عصره وعلي زمانه
تفرد الترابي بتجربته الاسلامية السياسية في الحركة الاسلامية السودانية التي انبثقت من جماعة الاخوان المسلمين واتخذت لها عدة اسماء ذات ايحاء ديني تارة وذات ايحاء سياسي تارة اخري جبهة الميثاق، الاتجاه الاسلامي، الجبهة الاسلامية القومية المؤتمر الوطني، المؤتمر الشعبي
السياسة دائما مليئة بالمكر والخداع الترابي كان له شعبية كبيرة وسط الشعب السوداني واكتسب الكيان الذي كان يتزعمه نفس الشعبية ودخل البرلمان من اوسع ابوابه في فترة الديمقراطية وكان يمكن ان يتسع ذلك الكسب حتي يتمكنوا من السلطة عبر الديمقراطية الديمقراطية التي كان يؤمن بها الترابي ايمانا راسخا ولكن الرجل لم يصبر حتي تنضج حركته استعجل استلام السلطة بطريقة اللصوص الخدعة التي استخدمها الترابي ووصلت بها جماعته الي السلطة معروفة خدعة حبيس السجن ورئيس القصر
بعد ذلك تورط الترابي وحكومته في حرب الجنوب واضفوا علي حرب الجيش مع الحركات المسلحة طابعا دينيا وم ثم كان السبب في تغييب مئات الالاف من خيرة شباب السودان تأسست الوحدات الجهادية داخل الجامعات انخدع الاولاد باوهام الترابي انه سينتصر علي "الطاغوت" معظم الاسر السودانية قدمت فلذات اكبادها شهداء من اجل ذلك المشروع الوهمي اذهب الي اي جامعة واطلب قائمة بشهداء الجامعة في عقد التسعينات سوف تجد شهداء من كل التخصصات وكل الفرق بدءا من الطب والصيدلة والادارة والتربية والاعلام والاقتصاد والهندسة والعلوم والاداب والقانون ..الخ من الفرقة الاولي الي الفرقة الخامسة ومن اقصي منطقة في الشرق الي اقصاها في الغرب ومن اقصي الشمال الي اقصي الجنوب ومن عمق الارياف والبوادي وكافة ربوع السودان مدنها وقراها المتصلة والمتباعدة
الترابي جمع المتطرفين من كل انحاء العالم رغم انه كان يدعو الي التجديد في الدين ولكنه استجاب لتهديدات المتشددين خوفا من اتهامه بالردة والزندقة الترابي كان سيفا مصلتا علي الوهابية وعلي الصوفية في نفس الوقت والآن تلاميذه يضعون ايديهم علي ايدي من كان الترابي يبارزهم مع المعروفين بالتشدد الديني والتعصب الفقهي والمذهبي الذين نجا باعجوبة من تحركات لعلمائهم القريبين من القصر بتصفيته تحت تهمة الردة والزندقة في العام 2006
نعم الترابي مفكر ديني معاصر بارز وانا اتفق معه في الكثير من ارائه الدينية لكن الرجل خدعه شيطان السياسة الشيطان خدع حتي نبي الله آدم ربما كان الترابي حسن النية ولكن في تاريخ البشر هنالك اشخاص بارزين وذوي كاريزما كبيرة ولكنهم كانوا وبال علي شعوبهم واقوامهم الامثلة لا حصر لها
الترابي هو السبب في تأخر السودان 100 او 200 سنة عن بعض دول المنطقة التي متأخرة عنّا هو البطل الحقيقي لمأساة السودان ادخل البلاد في صراعات وعداوات وحروب ونزاعات وحصار دولي وسمعة سيئة للبلاد والعباد علي السواء
ورغم فشل نظرية الترابي الشئ الذي اصبح باديا للعيان فالنتائج الكارثية لمشروعه لا تخفي علي احد لكن الترابي -في المجمل- كشخص كان وفيا لمبادئه التي يؤمن بها ضحي من اجلها تعبا ونصبا وسجنا وحتي ضربا لم يتآمر مع الخارج من اجل مصالح ذاتية وشعر بالحزن من مآلات مشروعه الفاشل فقد اعلن بشجاعة توبته من الانقلابات العسكرية وكان آخر ايامه قلق جدا علي مستقبل الوطن وكان مرِنا في الحوار الذي اعلنته الدولة في 2013 حيث كان يأمل ان يصحح اخطاءه لكن غرماءه السياسيين في الحكومة لم يكن هدفهم من ذلك سوي اللعب علي الزمن
الترابي اذن بطل حقيقي صاحب فكر ونظرية وتجربة ولكنه مثلما ما يحدث في روايات التراجيديا الاغريقية كان بطلا لمآساة قاسية لم تعشها اسرة او عائلة صغيرة وانما عاشتها امة تضم اكثر من ثلاثين مليونا من البشر حاق بهم سوء العذاب من جوع وفقر ومرض وتقتيل وتعذيب وتشريد
اللهم اغفر له وارحمه رحمة واسعة واسكنه فسيح جناتك والهم ضحاياه من شعب السودان الصبر والسلوان وحسن العزاء == مقالات ذات صلة: موقف الترابي من ثورة ديسمبر!! بقلم:محمد سمنّور https://sudaneseonline.com/board/505/msg/1624382009.html
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة