عندما بدأ الشباب يهتفون بشعار (المدنية) كنت أتساءل: هل يقصدون المدنية مقابل (الدولة الدينية) ام المدنية مقابل (دولة العسكر) الحكم العسكري انتشر في كثير من دول المنطقة وهي معضلة صعب الخروج منها السودان من اكثر البلدان التي عانت من الانقلابات العسكرية فقد ظل يترنح بين الديمقراطية والشمولية العسكرية ولكن منذ الاستقلال كان الغالب هو الحكم العسكري ففي كم وستين سنة كانت البلاد تحت حكم العسكر اكثر من خمسين عاما ودائما تتعلل الاحزاب السياسية انها لم تُعط فرصة كافية في الحكم فالعسكر كانوا في كل مرة يقطعون الطريق عليهم وبعد الثورات و الانتفاضات يبدأ الناس من جديد يبدأون من الصفر او بالاحري من (تحت) الصفر لان الحكومات العسكرية يكون همها الاول هو استضعاف الاحزاب وايقاع الفتن والبغضاء والانشقاقات بينهم فتحتاج الاحزاب الي فترة طويلة لترميم نفسها ومداواة جراحها وترتيب صفوفها والمشكلة ان الانقلابات تحدث عندنا في اوقات متباعدة بعد ان يستهلك اوقات وميزانيات للتأسيس للحكم الديمقراطي ولذلك ينطبق هنا قول الشاعر: متي يبلغ البنيان يوما تمامه اذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ
في 59 كان انقضاض عبود علي الديمقراطية ولما تمض ثلاث سنوات فقط علي الاستقلال وفي 69 انقض عليها النميري وامتد حكمه 16 عاما وعقد مصالحة مع الاحزاب بعد 8 سنوات من حكمه وبعد ثمان سنوات اخري انتفضت عليه الجماهير فلم تمض اربعة اعوام حتي كان انقضاض البشير في 89 ومع ان الحقبة الانقاذية تمثل شمولية الدولة الدينية لكن القبضة العسكرية كانت واضحة فقد ذكر الترابي انه كان المفترض ان يتم عقيب الانقلاب حل المجلس العسكري لقيادة ثورة الانقاذ ولكن ذلك تأخر لعدة سنوات وفي عام 99 كانت المفاصلة الشهيرة بسبب اصرار العسكر علي المركزية وتعيين الولاة ولذلك تمثل المفاصلة في احد اوجهها انقلابا ايضا علي المدنيين (المَلَكية)
الانقلابات تتم بقوة السلاح ولذلك تكونت ضد الحكومة مليشيات مسلحة علي مدار التاريخ كانت مطالب تلك الحركات المسلحة التوزيع العادل للسلطة والثروة وحتي الاحزاب كونت لها في مراحل مختلفة اجنحة عسكرية وقاتلت السلطة في بعض اطراف البلاد في كل مرة يعتقد الملكيون انه لا رجعة للانقلابات العسكرية لكن العسكر شطار فهم يتحينون الفرصة المناسبة وما هي الا موسيقي عسكرية تضرب وبعض الدبابات وحاملات الجنود تتحرك هنا وهناك ويعلن بيان رقم واحد وان كنت اري ان هذه المرة مجرد اقالة حمدوك قد تعني انقلابا عسكريا خاصة اذا اصر المجلس العسكري الاحتفاظ برئاسة المجلس الانتقالي بعد انتهاء فترته قضية الانقلابات كان يفترض ان تكون محورا رئيسيا في اولويات النظام الجديد: كيف يمكن ضمان عدم عودة الانقلابات؟؟؟
لقد حدثت الثورة علي نظام عسكري والسبب الرئيس للثورة هو الاوضاع الاقتصادية وقد تعرض المعارضون لفساد النظام قبل وبعد الثورة وقالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر وحاسبوه قضائيا علي بعض جرائمه ولذلك ربما يستبعد كثير من المراقبين حدوث انقلاب الآن خاصة وان هناك عدة جيوش وليس جيش واحد ولكن معرفتي بطبيعة وشخصية الفرد السوداني وطمع وطموح العسكر واعجابهم بانفسهم وفي ظل تردي الخدمات التي تسبب ضيقا شديدا علي السودانيين والاوضاع الاقتصادية الضاغطة جدا علي المواطن اقول بملء الفم: ان الانقلاب وارد!!!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة