|
Re: مراجعات (1\2). الطيب صالح ووجه آخر: مصطفى سعي (Re: مازن سخاروف)
|
(3) "إرتباك في التفكير": معارك مؤجلة
لعلي لا أبالغ إن قلت بإن التسليم بأدبيات الإستعمار والترويج لدسائسه الإصطلاحية يمثل في نظري جزءً من مركب تهتك وفشل أجيال من الإنتلجنتسيا تلك الجزئية من أصل ما كتبته تستدعي اليوم تعديلا, إنصافا للطيب صالح وإحقاقا للحق. فأقول: والمثقف إن لم يقع في كبيرة التسليم بأدبيات الإستعمار والترويج لدسائسه الإصطلاحية, فهو على الأقل يقع في أخرى وإن بدت أهون, فليست أقل ضررا. فهو وإن لم يسلم بهن (أحابيل الإستعمار) لكنه يكتفي بذكر تلكم الدسائس كسقط متاع من قضية الوعي .. ففعله مجرد رد فعل .. ملاحظة جانبية يسجلها المثقف كـ"نقطة فنية" دليلا على علمه ببواطن الأمور. لكن ربما تكون تلك هي المشكلة. إساءة تقدير الأشد وطئا والأكثر وبالا على أنه "معلوم جنابك" وتحت السيطرة, وليس التصدي له كقضية أساسية (مهمة شاقة وعسيرة).
ما أعنيه هنا هو مشكلة حقيقية في تعيين أولويات الأمور في عقل المثقف, بما فيهم مططفى سعيد.. تشويش ذهني, أو "إرتباك في التفكير". هذه ليست مرتبطة بالذكاء ولا الإستعداد الفطري, بل هو التطبع النفسي أو ترويض العقل باستيعاب أعمق للمشكلة. a novice (not just completely new, but rather improvised) form of mental conditioning وذلك التقصير في أن يؤتى الحذر (بكسر الذال) من مأمنه, هو لعــَمْـري الإخفاق الوطني الذي لا مغفرة له. ويمثل, كما ذكرنا في أصل الحديث "جزءً أساسيا من مركب تهتك وفشل أجيال من الإنتلجنتسيا". كل ذلك بكلمات أقل, عكس الاولويات بين الأساسي والتكميلي في المقرر الوطني.
الإستعمار الثقافي لا يأتي منفردا, فله بالتأكيد توائمه الآخرون. الإستعمار يأتي سياسيا وجغرافيا وفي نواميس العلاقات الدولية وإيكولوجيا (13) ليلوث ويدمر البيئة والمناخ
الإستعمار النفسي كدالة في الإستعمار الثقافي كان نسيا منسيا, أو جنينا في ذاكرة الغيب قبل د. فرانتز فانوه Frantz Fanon في خمسينات القرن العشرين. ذلك الإستعمار الذي, كما فككه فانوه يُظهر وجود الرجل الأبيض كعامل عكسي يتسبب في إخراج الشحنة العدائية من الرجل الأسود تجاه الرجل الأسود - ما تفرق جلابي x جلابي آخر, أو غير ذلك. فالغربة الداخلية التي يتسبب فيها وجود الرجل الأبيض ( وأكثر تعميما من ذلك أي وجود لـ"ذي حمرة" أباها المهدي) - هو أحد العوامل الأساسية الذي تجعل أبناء الوطن الواحد ينكرون آدمية بعضهم البعض. والجزء الآخر من المفارقة أنهم لايبدون في أحسن مظهر ككائنات جديرة بوصف متحضرة إلا حين يوجد الأوربي "كحكم" بينهم يفوضونه بطوعهم واختيارهم! لهذا مبادرات السلام الأصل فيها أن تكون برعاية أوربية. تلك هي الأوضاع المقلوبة التي لن يفلح أي نوع من الحوار المتمدن في اصلاحها.
دون فانوه (14) أيها السادة, دون خوض علمي في ابستمولوجيا الزنوجية ليس هناك مخرج. ينظم لهم جمعية لدراسة تاريخ السودان وعمل أرشيف له في مدينة إنجليزية بعيييييييدة فيتقاطرون إليها .. بعضهم يلقي محاضرة عن الإقتتال الـ قبلي في دارفور .. وبعضهم يحكي طرائف البقارة مع المفتش الإنجليزي .. اليساري كما المحسوب على اليسار يأتي إلى لندن بابتسامة كبيرة وضمير صاف. إنه لايحمل في قلبه غلا على قوم يترصدون لليسار آناء الليل وأطراف النهار كما يترصد الأسد بالطريدة (15). بروف يوسف فضل حسن يدفع إشتراكه الشهري ويلقي ردا على كلمة الإفتتاح (16) بحفاوة ودفئ, يعقبها بلسان يلهج بالثناء والحمد وكأنه يقول على لسان مصطفى سعيد, مع تبديل الجغرافيا, كان عالما أحببته دون تحفظ وأحسست فيه بسعادة كاملة
أبل ألير, فرانسيس دينق ولام أكول مؤلفاتهم للعرض والبيع والنقاش الأكاديمي الحميم. د. خالد المبارك, المثقف الذي ضل طريقه إلى السلطة فأصبح الإبن المدلل لسفارة السودان في لندن من الأعضاء النشطين. الجميع يرقصون على أنغام لن ننسى أياما مضت بأداء الكابلي وهو يتمايل طربا ولايدري أنه يروّج للماسونية كمغفل نافع. اللغة الأوربية كوعاء لغسيل المخ يجعل جهاز المناعة يستقبل الجراثيم الغازية بالأحضان ويأخذ منها الضوء الأخضر لتدمير خلاياه الداخلية بنفسه Anytime the self-destruct button is pushed at one's convenience
يأتي حين لا يجد السودانيون المختلفون أيديولوجيا أي أرضية دنيا مشتركة للتفاوض فيحتاجون, كما أسلفنا إلى شريك غربي ليحكــّم بينهم هذه حالة جمود تحتاج إلى فض اشتباك. ولابد مما ليس منه بد - بأن تكون كل الخيارات مفتوحة. فلا يشفع للخصم كونه مشوشا ذهنيا. that is his problem. or her problem
------------- (13) الإستعمار البيئي أو ecological colonialism وأيضا الإمبريالية البيئية ecological imperialism هو أقل أنواع الإستعمار معرفة به. فإضاف لأنه خارج المقرر العام تماما, فهو شبه منعدم حتى في المقرر النخبوي. تجارب الإنجليز الخبيثة على البيئة: الإنسان, الحيوان, الغطاء النباتي والمائي وحتى الهواء لم يتم الخوض فيها إلا في أوراق تعد على أصابع اليدين. أي في إستثناء فوق القاعدة. وحتى في تلك الحالة لا يذكر الأمر إلا كـ "مشكلة بيئية! أي لا يتعرض التحليل لأن المشكلة البيئية ليست خبط عشواء بل "نوعا من أنواع الإستعمار".
الأمثلة تتعدد. أشجار النيم (جلبها الإنجليز من الهند). صفق النيم خطر على النساء الحوامل ويهرد أمعاء الغنم. بالتوازي مع ذلك, النيم في كردفان مثلا عمل مشكلة لأشجار الهجليج, فهو يسحب الماء منها فـ"يعطش الهجليج". المسكيت في شرق السودان ككارثة بيئية حقيقية. يمكن أن نتحدث عن معمل تجارب الإنجليز في السودان, على الأسماك والمناخ وإنتاج الأمراض المعدية - بالاحرى خلق بيئة ا لأمراض المعدية. السؤال موجه لناس الإيكولوجي, منو الشايل الكورس ده؟
(14) من حسن حظي أن أول مرة أقرأ كتاب فانوه المشار إليه, "جلد أسود, أقنعة بيضاء" أوصيت من أحد زملاء الماركسية بأن أقرأ "الخلاصة في الأول". وذكــّرني أن هذا ليس سوى خريطة للمسافر ذي العقل الهادئ. ممنوع التوهان. ممنوع الرفس.
(15) هناك اشتراكيون فابيون أو متعاطفون مع ما يسمى بالإشتراكية الفابية, بعضهم بحسن نية (مثل شوقي بدري والمرحوم محمد خير البدوي), وبعضهم "فيه ما فيه" مثل الطيب صالح "المدلس الكبير", وعبدالله الشقليني, المدلس الصغير (مساجلات بيني وبين ذلك الأخ الشقليني على صفحات موقع الراكوبة, نقلها هو إلى موقع سودانيز أون لاين - ناقصا ردي الأخير والذي لم يعقب عليه. ثم قام بمسح الموضوع برمته من الراكوبة. بعد أن تسببت في أن أكون هادم لذات ورسول شؤم لطلائع الفابية في الأسافير :) من مفارقات الفابية أنها أنشأت حزب العمل البريطاني لحمل لواء الإشتراكية (ده الحنك). وما إن تقاطر الشيوعيون لتمثيل القضية, ظهر الوجه الآخر: الحملات المسعورة, إغتيال الشخصية, كما سطوة القانون. الشيوعيون تم حظرهم من أخذ عضوية في حزب العمل البريطاني "فخر الإشتراكية", ناهيك عن تمثيل نيابي انتخابي فيه منذ قرابة القرن من الزمان.
(16) ما نتحدث عنه هنا هو جمعية دراسة السودان بالمملكة المتحدة SSSUK Society for the Study of Sudan
|
|
|
|
|
|