جميلٌ جداً أن يكون الفرد قادراً قبل غيره أن يقيِّم إمكانياته وقُدراته وتوجُّهاته ، خصوصاً في عالم الفن والإبداع ، كثير من الملحنين الحاذقين والموهوبين ، ضلوا الطريق في بدايات ولوجهم إلى عالم الفن والموسيقى حين دلفوا إليه وهم يظنون أنهم سيغنَّون ، غير أن المُختصين (في أغلب الأحيان) ، في ذلك الزمان مُمثلين على المستوى الرسمي في لجنتي النصوص وإجازة الأصوات بالإذاعة ، كانوا لا يتحرَّجون في أن يقولوا كلمتهم وإن كانت جارحة ، وفي نفس الوقت كانوا يوجِّهون مَنْ لا يُوفق في ولوج عالم الغناء إن كانت له ميزات في إتجاهات أخرى متعلقة بالإبداع الموسيقي كالتلحين والعزف ، بأن يواصل عطائه في المجال الذي يتميَّز فيه ويشجِّعونه على ولوجهِ عبر بثهم لأسباب الثقة بالنفس فيهم ، وكان نتاج ذلك الكثير من الإضاءات الفنية الساطعة في ساحات الموسيقى السودانية لم تكن لتوجد لولا ثُلة من عُظماء الملحنين والعازفين ، وضعوا بصمتهم واضحة في كثير من الأعمال الموسيقية التي دشَّنها كبار فناني ما بعد أغنية الحقيبة ، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها فناً وإبداعاً وعطاءاً ، ومن ناحيةِ أخرى هناك عددٌ من المبدعين لا يحتاجون إلى إشارة الغير أو توجيههم في مجال إكتشاف إنهم لا يسيرون في الطريق الصحيح أو بالأحرى أن هذا المجال أو ذاك لا يخص إمكانياتهم وتوجُّهاتهم ، بالقدر الذي يدفعهم إن كانوا حاذقين وذوي رؤيةٍ بعيدة المدى إلى تثبيت أقدامهم وفي أحيان أخرى ربما النبوغ في مجالات مُتعلِّقة بمقدراتهم ومواهبهم وذلك بواسطة إكتشافها وتحديدها وتنميتها وصقلها بالعلم والتدريب والتجريب ، أقول ذلك وقد سرت في الآونة الأخيرة ظاهرة عدم إعتداد الكثير من المؤسسات الإعلامية المسموعة والمرئية بتصنيف كادر المذيعين وفقاً لرؤية تعمل على تقييم مقدراتهم والتوجُّهات التي توحي بها مُميَّزاتهم الادائية ، فليس كل مذيع إذاعي ناجح ومُقتدر قادر على أن يكون مميزاً كمذيع تلفزيوني والعكس صحيح ، وهذه ليست قاعده مُطلقة ولكن من هُم قادرين على تجاوزها قلة ، ومن البديهي أن القاسم المشترك الأعظم في مواصفات مهنة المذيع عموماً حوزته على مخزون ثقافي ولغوي جيد بالإضافة إلى مواصفات النبرة الصوتية وقدرتها على تجويد اللفظ ووضوح وصِحة مخارج الحروف ، فضلاً عن حوجته الماسة إلى سرعة البديهة والحضور الطاغي خصوصاً في البرامج الحوارية ، أما المذيع التلفزيوني فيحتاج فضلاً على ما تم ذكره آنفاً إلى مواصفات أخرى تتعلق بالشكل والهندام وبعضاً من الدرامية في الأداء بالإضافة إلى هبة القبول التي سيحتاجها من المشاهدين والتي هي عطاء من رب العالمين ، إن لم نقُم بتصنيف أنفسنا وكوادرنا الإعلامية بدقة وروية نكون قد حرمنا الوطن والمواطن فُرصة نبوغ مبدعين في مجالات لا تمت بصلة إلى ما يعملون فيه ، وفي ذات الوقت نكون أيضاً قد شوَّهنا مساحات من البث الإعلامي كان يمكن أن تتجمَّل بمن هم أكثر إبداعاً وإنتماءاً إليها .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة