شلليات السودان (الاحزاب)..المآلات...حكم العسكر.. بقلم:د.أمل الكردفاني

شلليات السودان (الاحزاب)..المآلات...حكم العسكر.. بقلم:د.أمل الكردفاني


09-27-2020, 10:04 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1601240650&rn=0


Post: #1
Title: شلليات السودان (الاحزاب)..المآلات...حكم العسكر.. بقلم:د.أمل الكردفاني
Author: أمل الكردفاني
Date: 09-27-2020, 10:04 PM

10:04 PM September, 27 2020

سودانيز اون لاين
أمل الكردفاني-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر





كل حزب بما لديهم فرحون، ولكن أحزابنا، بل ومعهم الحركات العسكرية، كالشعبية وغيرها، هم عالة على الشعب. بل هي وبال يجثم على أنفاس الدولة.
لقد كان من ضمن مهام الفترة الانتقالية تقوية الاحزاب، ولكن ما حدث هو انه تم بالفعل تقوية الأحزاب بالمحاصصات الوظيفية والمنصبية. فهذه الاحزاب لا تملك أي فلسفة شاملة، ومرنة ومتطورة. في الواقع، فسواء الاحزاب او الحركات المسلحة، لا تختلف كثيراً عن الحكومات العسكرية. ليس لأنها تفتقر للديموقراطية الداخلية، بل فوق هذا لأنها (طاشة شبكة) باستمرار، فالشيوعيون مثلاً لا يعرفون ماذا يريدون بالتحديد، وهم في ذلك سواء بسواء بالأمة والاتحادي والإسلاميين. لقد تفتت الاتحاد السوفيتي، وانتهى التمدد الثوري العروبي، والعالم اضحى اكثر واقعية من ان يقمع ذاته داخل فكرة صغيرة، كشخص يرتدي ملابس أضيق منه ليظهر نحيفاً أمام حبيبته. ولذلك بات من المهم، إعادة التفكير في المشروع الديموقراطي برمته، الذي اصبح عالة بسبب أحزاب عاهة. وأضحى من المنطقي والصائب، أن نقول بدون خوف ان أحزاب السودان، لم يعد لها موقع من الإعراب. وأن فكرة الدموقراطية (الكلاسيكية) يجب أن تتغير لتواكب التضخم المعرفي والتسارع التقني العالمي.
أصبح كل من يدعو آخر للإنضمام لحزب، يثير السخرية والضحك عند الناس. بل أصبح كونك متحزباً ليس سوى دليل على التحنط داخل المطلقات التعيسة التي عفاها الزمن.
تخيل أن تقول أنك شيوعي أو حزب أمة أو حركة شعبية..الخ أمام صبي يقوم بعمليات قرصنة على حواسب في أقصى ألاسكا. سينظر إليك وترف على شفتيه ابتسامة مستنكرة، ثم يعود لعالمه العولمي، عالمه الذي لا يعترف بالقبوع داخل جحر رؤية أحادية توسوس في الدماغ فتحيله لكاهن في قدس أقداس إله وهمي.
هذه حقيقة، فالأحزاب السودانية ليست عاطلة من كل فائدة، فهي تعرف كيف تخوض صراعها مع الحكومات، عندما تكون هي خارج السلطة، ولكن عندما تدخل هي إلى السلطة، يسقط في يدها، ويدق الأمر عليها، وتقف كحمار الشيخ في العقبة. إذ أنها لم تبنى على مفهوم يسع العولمية، كما لا يمكن لمفاهيمها الضيقة والمتحجرة أن تواجه أطواداً من المتغيرات المتتابعة والمتسارعة والمتنوعة كل يوم بل وكل ساعة.
عندما صرخ الناس مدنياااو، لم أفهم ماذا كانوا يعنون، لذلك توقعت أن يكون المقصد، هو تطوير تلك الأحزاب، أو إختراع فلسفة جديدة للعمل السياسي، بأجسام مدنية تملك الفعالية التي تتناسب مع المرحلة.
في الواقع، تحاصصت تلك الاحزاب، بدون انتخابات، وحكمت، وفشلت كما كان متوقعاً، ليس بسبب الكيزان والثورة المضادة التي يعلقون عليها شماعة فشلهم، بل لأن هذه الأحزاب نفسها، فاشلة في فحواها النوعي. ضيقة أفق الرؤية، حبيسة الماضي. لا تعرف ماذا تريد أن تفعل بالفعل. ينكر الشيوعيون أن الشيوعية تتعارض مع الدين، مع أن المادية التاريخية، هي اساساً لا تنهض إلا على نفي تأثير الدين. ويقولون بأن نقد كان يصلي، رغم أن الصلاة نفسها ليست دليلاً على شيء، لأنها مسألة فردية لا تخصني انا كمواطن، فالكيزان كانوا يصلون الفجر حاضراً ليتبادلوا الصفقات المالية الفاسدة. لكن هذا الحديث الشيوعي عن الدين والصلاة يشير إلى كم الإضطراب الذي يحيط لا بفهم الماركسية فقط، بل حتى بفهم الواقع. تتحدث الحركة الشعبية عن السودان الجديد الذي يسع الجميع، وهذا الكلام الجميل الرومانتيكي، يصلح كخطبة وعظية مسيحية، ولكن نفس هذه الحركة الشعبية لم تسع الجميع ممن كانوا فيها، بل بلغ الأمر أن البنادق أطلقت رصاصها بين الشقين (عقار والحلو). ثم ما الذي يضيفه حديثهم عن السودان الجديد، والمركز والهامش وكل هذه الخزعبلات؟ وهل كان انهيار الدولة بسبب العلمانية او الدينية؟ لا بل بسبب الإتجار بالدين كما يتم الإتجار بالعلمانية الآن. اذهب إلى غالبية الشعب المسحوق، من بائعات شاي وكسرة وعمال بناء وعتالين وحدادين وسباكين، واسالهم عن العلمانية، او الليبرالية، أو حتى الديموقراطية، ستجدهم يتجاهلونك بذعر.
المطروح من هذه الشلليات المتحاربة، ليس سوى غثاء وأكاذيب، تدق لها الطبول الجوفاء، وتنصب لها رايات الزار الصاخبة..وهي ليست سوى أوهام مخلوطة باكاذيب معجونة ببعض الجدية المزيفة.
أن تصبح حزبياً، بالنسبة لي- مسألة تافهة جداً، تنتقص من كرامة الإنسان. يمكنك أن تكون نقابياً، ولكن حزبياً، لا اظن أن هذا مناسب في عصرنا اليوم.
فلتكن أنصارياً أو ختمياً، ولكن ليس اميا او اتحادياً، فهذه مهزلة. كن متسامحاً مع الجميع، ولكن لا تكن حركة شعبية، كن محباً للفقراء، ولكن ليس شيوعياً، فأنت تخلق -إن فعلت- أزمة مع العالم بأسره. وتتقزم بلا مبرر، وتتحول لعبد فكرة وسواسية لا تختلف عن تلك التي شنق أحدهم نفسه عندما انتقل هيثم مصطفى من الهلال للمريخ. فأنت تشنق عقلك، داخل إضطراب ذهاني بائس.
ولكن إذا كانت هذه الشلليات، حزينة هكذا، فكيف يمكن أن نكون دولة ديموقراطية؟
يستدعي هذا منا أن نعيد تعريف تلك المصطلحات، كالديموقراطية والعلمانية والدينية...الخ لبناء مشروع نظام حكم قوي ومتين، ومؤسس على الحقائق لا الاوهام، أولاً وقبل كل شيء.