التمويل الصغير والاصغر بقلم عبدالمنعم عثمان

02:52 PM July, 17 2020

سودانيز اون لاين
عبد المنعم عثمان-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

مستشار اقتصادى
(تجربة بنك الفقراء )
مقدمة :
يمر السودان بمرحلة تنمية متكاملة.العمل يجرى على صعيد سياسات اقتصادية ومالية مختلفة ، استدعت سن قوانين تساعد فى تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية ، بالاضافة الى انشاء البنية التحتية الملائمة ومراعاة الجوانب الاجتماعية الناتجة عن بعض الجوانب السلبية لتطبيق السياسات الجديدة . ومن جانبنا نرى ان الاهتمام بالطبقات الفقيرة ومساعدة الطبقة الوسطى لانشاء مشروعاتها متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ، ليس فقط من العوامل الرئيسة لمكافحة الفقر ، وانما هى ايضا من العناصر الرئيسة فى التنمية الاقتصادية المستدامة .
المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، لماذا ؟
هذه المشروعات ذات أهمية كبرى للاقتصاد حتى فى البلدان المتقدمة ، فهى تمثل اكثر من 75% من اقتصاد أى بلد . وتتشكل اهميتها فى التالى:
محاربة الفقر من خلال التوظيف الذاتى .
اكتساب خبرات رجل الاعمال .
تغذية الصناعات الكبيرة باحتياجاتها ( مثال صناعة السيارات ).
توفير اغلب الاحتياجات الاستهلاكية للسكان .
غير انه ، الى جانب صعوبات أخرى ، فان الصعوبة الاساسية امام المستثمرين الصغار ، هى توفير التمويل اللازم . ذلك لان التمويل التقليدى يتأسس على توفر الضمانات لدى المقترض ، وهو العنصر الغائب لدى هؤلاء . وهذا هو ما استطاعت ان تتوصل اليه عبقرية الدكتور محمد يونس فى بنقلاديش ، التى تعتبر من افقر بلدان العالم ، حيث استطاع ان يقدم التمويل لهؤلاء وبدون ضمانات من أى نوع . وليس افضل من تقديم ملخص محاضرة للدكتور ، الحاصل على جائزة نوبل على هذا العمل ، لتبيان العناصر الرئيسة للتمويل الاصغر عن طريق بنك الفقراء أو ( بنك جرامين ) :
تقدم القروض كحق من حقوق الانسان .
الهدف هو مساعدة الاسر الصغيرة حتى يساعدوا انفسهم فى مكافحة الفقر . المستهدفون هم الفقراء خصوصا من النساء .
أهم المعالم ان قروض البنك غير مؤسسة على أى نوع من الضمانات أو التعاقدات ذات الاثر القانونى . انها تعتمد على "الثقة" وليس على الاجراءات القانونية .
تقدم القروض لخلق توظيف ذاتى للانشطة المنتجة للدخل ولسكن الفقراء بدلا عن الاستهلاك اليومى .
أنشات فى تحد للاقراض التقليدى ، الذى استبعد الفقراء بوصفهم " غير جديرين بالاقراض " . ونتيجة لذلك رفضت الاسلوب الاساس للبنوك التقليدية وابتكرت اسلوبها الخاص .
تقدم الخدمة للمقترض حتى باب المنزل ، على أساس ان الناس لايجب ان يذهبوا للبنك ، بل على البنك ان يأتى اليهم .
للحصول على قرض يجب ان ينضم المقترض الى مجموعة من خمسة افراد . لا تقدم هذه المجموعة أى ضمانات نيابة عن المقترض ، ولكنها فقط تؤيد طلبه بعد دراسته .
يتم الحصول على قرض جديد بمجرد سداد القرض القديم . تسدد كل القروض فى أقساط ( اسبوعية أو كل أسبوعين ) ، مع امكانية الحصول على أكثر من قرض فى نفس الوقت .
تأتى القروض مع توفير اجبارى أو أختيارى من المقترضين .

عموما تقدم هذه القروض من خلال مؤسسات غير ربحية أو مؤسسات مملوكة للمقترضين بشكل اساسى .اذا نفذ القرض من خلال مؤسسة ربحية غير مملوكة للمقترضين ، فان مجهودات تبذل لجعل سعر الفائدة قريب من مستوى يحافظ على استمرارية البرامج بدلا عن جذب ربح مغر للمستثمرين . القضية الاساسية بالنسبة لجرامين هى المحافظة على سعر فائدة أقرب بقدر الامكان الى السعر السائد فى سوق الاقراض ، بدون فقدان الاستمرارية . الهدف النهائى غير القابل للجدل ، هو الوصول الى الفقير حتى يصل مستواه الى الاستدامة باسرع ما يمكن .
أعطاء الاولوية لبناء رأس المال الاجتماعى ، الذى يتم تطويره من خلال تكوين الجماعات والمراكز وتطوير ميزة القيادة من خلال الانتخابات السنوية لقيادات المجموعات والمراكز وانتخاب اعضاء المجالس عندما تكون المؤسات مملوكة للمقترضين . ولتطوير أجندة اجتماعية يمتلكها المقترضون ، يتطلب الامر مناقشة مكثفة بين المقترضين وتشجيعهم لأخذ القرارات بجدية وتنفيذها . انها تعطى تركيزا جامعا على تكوين راس المال البشرى والاهتمام بحماية البيئة . انها تشرف على تعليم الاطفال وتقدم بعثات وقروض طلابية للتعليم العالى. ولتكوين رأس المال البشرى ، تبذل مجهودات لجلب التكنولوجيا مثل التلفونات المحمولة والطاقة الشمسية واحلال القوى الميكانيكية مكان القوى البدنية .
ان قرض بنك الفقراء مؤسس على افتراض ان للفقراء مهارات تظل غير مستخدمة أو مستخدمة فى الحد الادنى ، فمن المؤكد انه ليس عدم المهارات هو الذى يجعل الفقراء فقراء . الفقر هو نتيجة للمؤسسات والسياسات التى تحيط بهم . من اجل ازالة الفقر ، كل مانحتاج ان نفعله ، ان نقوم بتعديلات مناسبة فى المؤسسات والسياسات أو ان ننشئ مؤسسات جديدة . تعتقد جرامين ان المنظمات الخيرية ليست الاجابة الصحيحة على الفقر ، انها فقط تساعد الفقر على الاستمرار، وذلك بخلق الاعتماد على الآخرين وتقضى على روح المبادرة لاختراق حاجز الفقر . ان أطلاق الروح الخلاقة فى كل البشر هو الاجابة القاطعة على الفقر .
لاتقف مراكز جرامين عند تمويل الفقراء وانما تدفعهم لتقرير مبادئ عامة وجعل الالتزام بها واجب على كل اعضائه . وهناك الستة عشر قرار الملزمة التالية :
سنتبع ونطور المبادئ الاربعىة لبنك جرامين : النظام والوحدة والشجاعة والعمل الجاد .
سنجلب الرفاه لاسرنا .
لن نسكن فى منازل مهدمة . سنصلح منازلنا ونعمل غلى بناء منازل جديدة باسرع ما يمكن .
سنزرع الخضروات طوال السنة وسناكل كثيرا منها ونبيع الفائض .
خلال مواسم الزراعة سنزرع اكبر كمية من البذور .
سنخطط لجعل اسرنا صغيرة . سنخفض انفاقنا ونحافظ على صحتنا .
سنعلم أطفالنا ونتأكد من انهم يستطيعون كسب مايمكنهم من دفع نفقات تعليمهم .
سنحافظ دائما على نظافة اطفالنا والبيئة .
سنبنى ونستخدم حمامات نظيفة .
سنشرب مياه نظيفة أو نغليها ونستخدم الكلور .
لن نأخذ مهرا فى زواج ابنائنا ولن ندفع مهرا فى زواج بناتنا.
سنعمل جماعيا على استثمارات اكبر لدخل أعلى .
لن نظلم أحدا ولن نسمح لاحد ان يفعل .
سنكون دائما مستعدين لمساعدة بعضنا البعض ، واذا وجد أحد فى ضائقة سنساعده جميعا .
اذا ورد الى علمنا خرق لأى من هذه القرارات فى أحد المراكز. فسنذهب جميعا اليه ونساعد فى اعادة النظام .
سنساهم جميعا فى كل الانشطة الاجتماعية .
نتائج باهرة للبنك :
نشأ البنك رسميا فى العام 1983 ، وفى العام 2006 نال عنه صاحب الفكرة الدكتور محمد يونس جائزة نوبل . ذلك ان البنك استطاع خلال تلك المدة ان يرتفع بجملة القروض التى قدمها الى أكثر من 18 بليون دولار وبعضويته من المقترضين الفقراء الى حوالى 9 مليون شخص ، يمتلكون أكثر من 95 % من رأسماله . ذلك بالرغم من ان سعر الفائده لديه ظل أقل من السائد فى المصارف الاخرى حتى بالنسبة للقروض الاستثمارية ، بينما ظلت القروض الاخرى الموجهة للفقراء فى حدود 5% لقروض التعليم و8% للمساكن وصفر % للشحاتين ! الغريب فى الامر انه على الرغم من ان البنك لايطلب اى ضمانات للاقراض ، الا ان نسبة السداد له فاقت ال98 % !
بنك جرامين والمساعدات الخارجية :
لم يتوقف نشاط جماعة جرامين على بنقلاديش بل تعداه الى كثير من بلاد العالم ، بما فى ذلك البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة . فقد نشأت خلال السنوات الماضية مؤسسة جرامين ، ثم اصبح لها نظائر فى كثير من البلاد . تقدم مؤسسة جرامين العون المالى والفنى للمؤسسات المماثلة التى تنشا فى الداخل والخارج ، هذه بالاضافة الى انشاء أكثر من عشرين شركة فى مختلف مجالات النشاط الاقتصادى . من أمثلة المؤسسات الخارجية :
Of Dallas The Plan Fund وهى مؤسسة مشتركة مع جرامين فاونديشن لاربحية لانشاء وتطوير منازل لذوى الدخول المنخفضة . وقد ساعدت جرامين على انشائها وتطويرها من خلال التمويل والمساعدة الفنية .
ايضا تقدم جرامين فاونديشن برامج مثل : Peer Lending Program للذين لايتمتعون بخبرة سابقة فى مجال الاعمال فتقدم لهم التدريب ، ثم التمويل والاشراف وFast Track Program لاصحاب الخبرة السابقة ويحصلون على التدريب بالاضافة الى المزيد من التمويل .
الخطوات المطلوبة لانشاء البنك بالسودان :
العمل مع البرلمان ، وخصوصا اللجنة الاقتصادية ، للعمل على استصدار قانون يسمح بانشاء البنك على الاسس المذكورة .
الاتصال بجرامين فاونديشن للمشاركة فى مؤتمراتها الخاصة بالتجربة فى مختلف بلاد العالم لتبادل الرأى والاستفادة بالخبرات والاعانات .
الاتصال بالجهات ذات الصلة مثل وزارة التضامن الاجتماعى والبنك المركزى والبنوك الاخرى والمؤسسات الخيرية الكبرى ورجال الاعمال .. الخ للحصول على مساندنهم المعنوية والمادية لانشاء البنك .
الاتصال بالمنظمات والمؤسسات الاهلية ذات النشاط المماثل .
وضع خطة مفصلة لمتابعة الامر حتى مرحلة التنفيذ .
ايجاد التمويل اللازم لتحرك المنظمة فى اتجاه تنفيذ الخطة .
بما ان المناخ بصورة عامة والأستثمارى بوجه أخص قد اصبح ملائما بعد ثورة ديسمبر ، فاننا نقدم هذه الفكرة المجربة فى بنقلاديش بالنتائج البائنة اعلاه وفى بقية انحاء العالم ، بما فى ذلك الولايات المتحدة ونتوجه الى الجهات المختصة فى حكومة الثورة للتعاون على انشاء البنك .

القاهرة 12\10 \2019 عبدالمنعم عثمان