مصر يا أخت بلادي,, بقلم إسماعيل عبد الله

مصر يا أخت بلادي,, بقلم إسماعيل عبد الله


03-20-2020, 03:27 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1584714467&rn=1


Post: #1
Title: مصر يا أخت بلادي,, بقلم إسماعيل عبد الله
Author: اسماعيل عبد الله
Date: 03-20-2020, 03:27 PM
Parent: #0

03:27 PM March, 20 2020

سودانيز اون لاين
اسماعيل عبد الله-الامارات
مكتبتى
رابط مختصر




ما زال التصعيد الإعلامي قائماً بين المصريين والسودانيين من تراشقات كلامية وكتابية, على خلفية تفشي وباء كورونا في مصر وموقف الحكومة الانتقالية السودانية من ملف سد النهضة, ما أدى إلى اعلان الجهات المصرية المختصة عزمها البت في اجراءات قانونية, بحق صحفية سودانية شهيرة كتبت مقالاً وصفت فيه أم الدنيا بأم المصائب, فيبدو أن هنالك جيلاً جديداً من السودانيين أراد أن ينزع عباءة الاستلاب الحضاري ويخلع جلباب الاستتباع الثقافي لمصر, الجارة الحميمة التي شدا باسمها المطرب المخضرم عبد الكريم الكابلي في حضرة الزعيم ناصر مترنماً (مصر يا أخت بلادي يا شقيقة).
إذا تتبعنا التسلسل التاريخي للعلاقة بين سودان القرنين التاسع عشر والعشرين وبين مصر الحديثة, لوجدنا أن العلاقة التي أسست لها أنظمة الحكم المركزي لدينا مع جارتنا الشقيقة هي علاقة التابع بالمتبوع, وهذه التبعية بدأت منذ ما قبل الاستقلال بغزو مصر الثقافي للسودان, حيث كان الأزهر يمثل قمة الطموح الذي يمكن أن يصل إليه طالب العلم السوداني, حتى أن لقب أول رئيس للوزراء (أزهري) بعد خروج المستعمر, نال حظاً من سمعة هذا الصرح العلمي والديني العريق, ولا ننسى أن الحزب السوداني الأكبر حينذاك كان شعاره (وحدة وادي النيل).
إن مسألة العبودية الحضارية ليست بالأمر الذي يسهل الفكاك منه, لمجرد الافلاس في القول أوالفحش في العبارة أوالشتم والسباب, فالأمر أعمق من ذلك بكثير, فالذي يسقيك من كأس خمره الثقافي لعشرات السنين لن تستطيع الافاقة من نشوى سكره في يوم وليلة, لقد ظلت دور العلم والثقافة بالسودان تنهل من معين المكتبة المصرية وتتغذى على مادتها الدرامية والروائية والفكرية والسياسية سنين عددا, فجميع السودانيين كبيرهم وصغيرهم يحفظون على ظهر قلب أسماء الروائيين المصريين, نجيب محفوظ ويوسف السباعي وطه حسين, وينحتون ذاكرتهم بألقاب الممثلين السينمائيين والمسرحيين والمطربين والمطربات المصريات, لكن وبالمقابل لن تجد هذا التشبث والاهتمام لدى الطرف المصري الذي إن سألته عن اسم مطرب افريقيا (محمد وردي) أو سلطان المسرح السوداني (الفاضل سعيد) لقال لك (ما عرفش).
ألاستلاب الثقافي يؤدي الى الانصياع التلقائي والهرولة نحو مرتكز الحبل السري الذي يرفد الشخص السمتلب (بفتح اللام) بالمحددات الثقافية والمفاهيمية للمستلب (بكسر اللام), فأول ما يخطر على بال المريض السوداني في بحثه عن محطات الاستشفاء هو القاهرة, بالرغم من أن محطة الهند أقل كلفة وأكثر جودة في تقديمها للخدمات الطبية, وأهم ما يشغل بال رجل الأعمال السوداني هو تملكه شقة سكنية فخيمة في حي المهندسين بالقاهرة, فهذه الهرولة تعني شيئاً واحداً للمُهَرول نحوه, ألا وهو الشعور بالأفضلية والاستحسان والخيرية وعلو الكعب, و من خلال هذا الانهزام النفسي تمرر الاجندة الاقتصادية و السياسية و الثقافية.
السودانيون أمامهم طريق طويل ومرهق بوعثاء السفر ليصلوا إلى التحرر الكامل من هذه التبعية وذلك الاستلاب, وأول خطوة في هذا الطريق تبدأ باعادة كتابة تاريخ السودان وإعدام كتب التاريخ التي ظللنا عبرها نلقن أطفالنا بأن غزو كتشنر للخرطوم ما هو الا فتح مبين, وأن الأستعمار هو حكم ثنائي وشراكة مصرية بريطانية في إدارة السودان الذي كان لقب حاكمه العام (سير) وليس (باشا), وثاني هذه الخطوات نفض الغبار عن تاريخ الممالك النوبية القديمة التي امتد سلطانها حتى تخوم بلاد الشام.
نهاية الحكاية وختام الرواية السودانية المصرية تجسدها عقدة علاقة الحب التي تنشأ من طرف واحد, فالوشيجة القائمة بين حكومات البلدين المتعاقبة انعدم فيها عنصر الندية منذ أن تركهما المستعمر, فاستغل أحدهما التميز النوعي لبنية مؤسساته المعرفية وموقعه الجغرافي الذي جعل منه مركزاً للاشعاع الثقافي, في حين أصبح الآخر مستهلكاً للمنتج الثقافي الذي يقدمه الأول , فاذا كانت ثمة ندبة حظ يلعن بها السودانيون مآل حالهم البائس, فهي سخرية القدر التي وضعتهم في هذا المأزق التاريخي الأليم واللئيم.

إسماعيل عبد الله
[email protected]