|
السّلام فى السّودان ما بين التّصوُّر و الواقع بقلم عبدالرحمن صالح احمد( ابو عفيف)
|
04:16 AM February, 27 2020 سودانيز اون لاين عبدالرحمن صالح احمد( ابو عفيف)-السودان مكتبتى رابط مختصر
شهد السودان منذ ميلاده كدولة حديثة صراعاً حول نظام الحكم و كيفية إستيعاب بنيه فى مؤسساته المختلفة, لحسم هذه القضايا جرت العديد من المفاوضات و العديد من إتفاقيات السلام منذ الإستقلال لكنها كانت فاشلة , منها مفاوضات الدائرة المستديرة 1965 , و أكبر المساعى لإحلال السلام كانت عبر إتفاقية إديس أبابا 1972 و إتفاقية السلام الشامل 2005 , الإتفاقية الأولى فشلت بأكملها , أمّا اتقافية نيقاشا حققت إحدى مضامينها فى النصف الأوّل من كُتَيّب الإتفاقية و بينما فشل النصف الثانى الذى أحتوى على البرتوكولات الملحقة . هناك قصة تُحْكَى " أنّ عدداً من الأشخاص المكفوفين أرادو معرفة الفيل و تحديد هويته , وفى نهاية الأمر قرروا الذهاب إلى حديقة الحيوانات للوقوف على الحقيقة بأنفسهم, بعد وصولهم كانت الطريقة الوحيدة للتحقق عن الفيل هى اللمس بالأيدى طالما أنّهم لا يبصرون , و أخيراً كل واحد منهم وضع يده على جزء مختلف من الفيل , فمنهم من لمس الأذن , آخر الذيل , و ثالث وقف على الخرطوم و هكذا , بالتالى أكتسب كل واحد منهم تصور معيّن عن جزء محدد من الفيل , بعد هذه الزيارة أصبح موضوع الفيل من أكثر المواضيع جدلاً و إختلافاً لأنّ كل شخص له تصور يختلف عن الأخر , فتعسر عليهم تعريف الفيل تعريفاً يتوافق مع الحقيقة المشاهدة , هذا أشبه شىء بالصراع فى السودان. السلام ( بمعنى التعايش السلمى ) يتولّد فى العقول أولاً , فلذلك لا بدّ لهذه العقول أن يكون لديها تصوّر مُوحّد عن حياتهم الجمعية , و السلام كحقيقة عالمية لا يقبل التّشّييُّء ( لا يمكن إعتباره شيئاً معيناً أو تحقيقه إجرائياً) , بالتالى لا يمكن إنجازه جملة واحدة , و من ناحية أخرى الصراع لا يُعتبر نقيضاً موضوعياً للسلام , لكن حسمه وتسويته أيضاً يحتاج لتوحيد الرؤية كضرورة منهجية لإحلال السلام إذا جاز التعبير. بالتالى السلام كان و مازال قيمة نادرة فى السودان و عسير التحقق لأسباب ترجع لطبيعة هيكل الصراع فى السودان . و هذا الصراع ( السودانى -السودانى) فى الأصل قام على تصدع البنية الإجتماعية والمعرفية للكُتل البشرية ( المجموعات المختلفة فى تصورها لذاتها و الآخرين). مناقشة قضايا السلام تحتاج لكل قطاعات المجتمع لعكس تصوراتهم حتى يتم تحديد خطوط التصدع, لم يكن الساسيون وحدهم ينظّرون ( تنظير) للسلام , إذن ليس هناك برتوكولات من نوع خاص لإحلال السلام وإرسائه, البرت إنشتاين العالم الفيزيائى القُح نظّر للسلام حين قال " لم يكن السلام مسلّمة أخلاقية فحسب كما كان فى الماضى, إنّما السلام , مع هذا التقدم التقنى الهائل, صار مسألة موت أوْ حياة, بالتالى إحلال السلام أصبح واجباً أخلاقياً على الكل " كان إنشتاين قد واكب الحرب العالمية الثانية, لعلّ فظائعها قد علّت دواخله . وفى مقابلة مع إمراءة أُميّة (لا تقرأ و لا تكتب ) من جنوب السودان فى إستبيان عن إتفاقية أديس أبابا قالت بلهجتها المحلية : " الفرق ما بين الإنسان الجنوبى و الشمالى هو فرق له قُدسية إلهية لأنّه من صنيعة ربنا, و الشماليون يجب أن يقتنعوا بشراكتنا معهم فى الوطن , و كل هذا يستوجب إلتزام أخلاقى" . المقارنة ما بين مقولة إنشتاين و هذه المراءة تستوقف المرء للبحث عن دوائر المفاضلة و التمييز بين تفكير " الإنسان الأُمّى و العالم" فى قضايا السلام , إذ تتلاشى الفروقات فى مفاهيم السلام عندما يهتف الناس طلباً له , هذا هو السلام الذى يجعل من كل الناس شركاء معرفة , فقط لأنّه ضرورة حيوية و وجودية . إتفاقيتا أديس أبابا 1972 و نيفاشا 2005 تُعتبران من أكبر المحاولات لتحقيق السلام فى السودان, و كلتاهما واجهتا إنهياراً لنفس الأسباب: فشلت إتفاقية أديس أبابا لطغيان الأبعاد الإنطباعية على الموضوعية , أما إتفاقية السلام الشامل نجح فيها الجزء الذى حُسمت فيه العوامل الوجدانية عن طريق إنفصال الجنوب بالتالى لم تُعد هناك حرب ما بين الجنوب و الشمال ( هذا هو السر فى الإلفة ما بين الجنوب و الشمال بعد الإنفصال رغم وجود عناصر نزاع فى منطقة أبيى ) , أما الجانب الأخر من الإتفاقية الخاص ببرتوكولى جنوب كردفان و النيل الأزرق, فشل هذا الجزء من الإتفاقية لعدم مقدرة الأطراف على حسم الأبعاد الوجدانية ( و هذا هو السر فى تعسر المفاوضات مع عبدالعزيز الحلو حالياً) لأنه يمتلك تجارب فى هذا المجال تجعله حذراً أكثر من غيره, و يُحتمل أن يكون ذلك سبباً فى إنهيار أى إتفاق مستقبلاً ما لم يوضع له إعتبارات موضوعية. رُزقنا كسودانيين نعماً لا تُحصى و لا تُعد , فلا تجعلوا لعنة الموارد تصيبنا , و من مقولاتنا المأثورة " لو النفوس أّتّطايبت العنقريب يشيل عشرة" لكننا لم نجد لهذه المقولة واقعاً يستوعبها , من حظوظ السودانيين أن كل 20 مواطن سودانى( 4 أسرة فقط) تقابلهم (1,000,000) متر مربع من الأراضى المتاحة , و لكنّ لمّا لمْ تطب نفوسنا ضاقت بنا الأرض بما رحبت . فى حين إنّه فى سنغافورة كل 8,883.5 نسمة يتزاحمون فى 1 كيلو متر مربع من الأراضى ( كل فرد نصيبه فقط 112 متر مربع).و لكن طابت نفوسهم فأتّسعت بهم الحياة. علينا بالإستفادة من تجارب الشعوب التى سبقتنا , و يجب تصفية العوامل الإنطباعية التى ظلت تعمل كمحرّك أساسى للصراع الأهلى فى السودان , و من أميّزها تعدد الإنتماءات و أوّلها الإنتماء الإثنى و القبلى, و بالتالى يصعب إحلال سلام حقيقى ما لم تتوفر بعض الشروط منها :- تحقيق التوافق ما بين مكونات الحكومة الإنتقالية على كل المستويات و هذا شرط قاعدى لا يمكن تجاوزه. التمهل فى إجراءات التفاوض والشروع الفورى فى التطبيق البنود المتفق عليها ما أمكن , هذا من شأنه تطبيع العلاقات المتنافرة . تبنى نظام الحكم الفدرالى لإدارة التنوع الثقافى السودانى وهذا سيفتح سُبلاً للخيارات المتعددة لإدارة الدولة بأطيافها الإجتماعية و الإثنية و الدينية التى يستحيل أن تدار بواسطة نظام ذى توجه أيديولوجى. و على المدى الطويل, سودنة الهوية على معطيات الواقع وتحويل العلاقات الإثنية و ترشيدها ثم تصفيتها بواسطة قادة القبائل إذ هم أكثر الناس تأهيلا لتنفيذ هذه المهمة. إنشاء جسم متخصص للتطبيق الفورى لعميات الدمج الإجتماعى. إنشاء جسم تخصصى للإشراف على مشاريع التنمية لتقييمها و تقويمها قبل التنفيذ , و ذلك للتعامل مع حساسية الصراع( conflict sensitivity) ( لأنّ بعض المشاريع التى تُطرح لحل مشكلة التنمية تتحول إلى عناصر صراع جديدة فى ظروف معينة ) ( ما يمكن التوصل إليه فى مفاوضات جوبا هو بمثابة إكتشاف شفرة الدخول فقط , و الجلوس بزوايا مختلفة لإعادة توجيه النظر, يا تُرى هل هذا سيُغيّر من تصوراتنا؟؟؟؟ ) عبدالرحمن صالح احمد( ابو عفيف) رسائل الثورة (26) 28/2/2020
[email protected] facebook:Abdurrahman Salihمجموعة رسائل الثورة
|
|
|
|
|
|