تتصاعد هذه الأيام أصوات فردية و مؤسسية تدعو علناً ، أو بطرق ملتوية ، لقبول إستمرار حكم تحالف الجيش و الدعم السريع لفترة إنتقالية ، يظنونها ، رغم تجارب الماضي القريب ، ستكون قصيرة ، يتم خلالها إبعاد المدنيين ، بخاصة الأحزاب و منظمات المجتمع المدني الأخرى ، عن الحُكم ، و يتعهد العسكر بتسليم الحكم بعدها للمدنيين ، ربما عبر إنتخابات ينظمها تحالف العسكر و الميليشيا،و مَن وراءهم ، على هواهم زمانياً و شكلياً. أجد في هكذا دعاوي ، يأس مَرَضِي من المدنيين الحزبيين و المهنيين الداعين لذلك ، و قبول مجاني يصعب هضمه لإعادة تمكين مجموعة خانت العهود مراراً و تكراراً . إنه أمر أستغرب الدعوة إليه ، مهما كان قِصَر الفترة المقترحة، ومهما تعهد مَن خانوا العهد مراراً ، و مَن أضرموا نيران هذه الحرب العبثية التي أعادت البلاد قروناً للوراء بما أحدثته ، و لا تزال تحدثه ، من دمار حسي و معنوي في البنية الأساسية ، و ما أظهرته أو عمقته من شروخ في النسيج المجتمعي يصعب رتقها ، و ما خلفته من حُطَامٍ أعاد إقتصاديات البلاد إلى حضيض العدم. لقد أثبت العسكر أنهم غير جديرين بالثقة ، و لا تطمئن القلوب لنواياهم ، و لا يستحقون أي ضمانات بعفو أو عدالة إنتقالية. ففي القصاص حياة لأولي الألباب. إن ما يحدث في فضاءات بلادنا السياسية و الأمنية و المجتمعية تؤكد كل يوم أن البلد محتاجة ( جَمَّة) من الكُل، و أنها في حاجة ماسة لِفَرضٍ فَعَّالٍ للأمن ، و لإنضباطٍ مجتمعيٍ شامل يتم بالتوازي مع إعادة ترتيب دستوري و إداري و إقتصادي لفترة زمنية كافية، تحت مظلة دولية محايدة ، تتيح للأحزاب و التنظيمات المدنية الأخرى تفرغاً تُقَوِّم خلاله تجاربها، و تعيد ترتيب شؤونها، و تجتهد في إعداد برامج و سياسات مستقبلية تتناسب مع مفاهيم و طموحات جيل الثورة الذي مزقته نفسياً ثلاثينية الإنقاذ ، و أيقظته من وهدته ثورة ديسمبر المجيدة، و تكاد الحرب العبثية القائمة تفقده الإيمان بالوطن ، و بما يمثله من تراث مُشَرِّف، و بما يمتد فيه من جُذورٍ حضارية و ثقافية جديرة بأن تكون مصدر فخر و جذب و إعتزاز ، و وقود تطلع لمستقبل مُسْتَحَق لوطن جدير بالبقاء.. إن الخطورة الماثلة و الحضيض الذي يلوح أمامنا ،يحتم علينا أن نعترف قبل فوات الأوان أننا ( لن نستطيع وحدنا) إنقاذ أنفسنا ، و الإبقاء علي وطننا شامخاً و مُوَحَّدَاً ، و علي عرضنا مصوناً و آمناً. إن(الأمم المتحدة) بحياديتها ،و أجهزتها ، و إمكانياتها الفنية و المالية و اللوجستية ،كفيلة بإعادتنا إلى المسار ، دون ثمن مدفوع أو مُرتَجَى.. بل هو من حقنا عليها كأعضاء دائمين بها أن تفعل ذلك دون مَنٍ أو اذى ، و قبل فوات الأوان ، حتى لا يتحول السودان إلى مجموعة دويلات متناحرة تهدد الإقليم ، و يتحول أهل السودان إلى باحثين دائمين عن مهاجر غير مُرَحِّبة، و معسكرات نزوح مُهِيْنَة ، تأويهم ، و تتصدق عليهم بفتات خبز لا يسد الرمق، و لا يحفظ الكرامة، لا قدر الله. فلنكن واقعيين لن نستطيع وحدنا ،و لن نقبل بإستمرار حكم العسكر طوعاً، و لنا وطن نعتز بالإنتماء إليه، و يستحق أن يبقى شامخاً و موحداً، و أن يبقى أهله معززين مكرمين في أحضانه و ربوعه. و لك الله يا وطني. بروفيسور مهدي أمين التوم 8 مايو 2024 م [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة