التربية الاعلامية والالتزام بقيم المجتمع ومنهج الدولة
إن الارتقاء بالإعلام للمستويات العالمية يتطلب وضع خطة استراتيجية يعدها أبناء الوطن، ويعمل على تنفيذها المحترفون مهنياً والمؤهلون فكرياً، ويقوم أساسها على الالتزام بقيم ومبادئ المجتمع، ويضبط عملها منهج الدولة الذي تأسست عليه.. «تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة، وبأنظمة الدولة، وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة، أو الانقسام، أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة، أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وتبين الأنظمة كيفية ذلك. أعلاه عبارة عن توجيهات وسياسات عامة في الجانب الإعلامي، إلا أن التاريخ يشهد والأحداث تؤكد بأنها عبَّرت فقط عن سياسات وتوجهات وقيم ومبادئ رسمية وسياسات عامة أقرتها النظم، وعملت عليها وفرضتها واقعاً لتلتزم بها جميع وسائل الإعلام التابعة والمملوكة للدولة، والخاصة الممولة بأموال الوطن في أي مكان تواجدت فيه واتخذته مقراً لها. وبعيداً عن التساؤل حول مدى التزام وسائل الإعلام من عدمه بسياسات وتوجيهات عامة في الجانب الإعلامي، افتراضاً بوفائها بذلك؛ فإن الأكثر أهمية هو التساؤل حول مدى الإبداع الإعلامي الذي حققته وسائل الاعلام -وخاصة المرئية- لخدمة السياسات العامة للدولة، وكذلك مدى الانتشار والتأثير الإيجابي الذي يخدم سياسة وتوجهات الدولة في كل المجالات وعلى جميع المستويات، ولعل الذي يستدعي مثل هذه التساؤلات العامة هو أن جميع هذه الوسائل الإعلامية -وخاصة المرئية- تتمتع برعاية حكومية غير محدودة، وبدعم مالي غير محدود، وبصلاحيات نظامية كاملة تُمكنها من الإبداع والابتكار بما يخدم السياسات والتوجهات العامة للدولة، وكذلك بما يمكنها من التأثير في توجهات الرأي العام إيجاباً على جميع المستويات السياسية، قد تكون الإجابة عن تلك التساؤلات المتعلقة بمدى الإبداع وبمدى الانتشار تحتاج إلى دراسة علمية مستندة لمناهج البحث العلمي المعتادة؛ ولكن هذا لا يمنع أن نطرح وجهة نظر تقوم على الملاحظة العامة لحال وسائل الإعلام -وخاصة المرئية- نظير ما تتمتع به من دعم مالي غير محدود، ورعاية حكومية كاملة، وأنظمة وتشريعات تمكنها من العمل على أكمل وجه. وانطلاقاً من هذه الملحوظات العامة، نستطيع القول إن حال الإعلام -وخاصة المرئي- لم يستطع الوصول للنتائج التي من أجلها تم تأسيسه، والتي يقوم أساسها على القدرة في التأثير على توجهات وأفكار الرأي العام دولياً ليكون داعماً ومؤيداً ومُسانداً لسياسات وتوجهات الدولة البنَّاءة والإيجابية في جميع المجالات وعلى كل المستويات. نعم، لم يستطع الإعلام -وخاصة المرئي- من الإبداع والابتكار للوصول للمستويات العالمية التي يجب أن يكون فيها ويصل إليها تماشياً مع المكانة السياسية التي وصل إليها لها السودان دولياً، إن هذه الحقيقة البيَّنة والملموسة للعامة، والتي لا تحتاج إلى اختبار، تستدعي منَّا التساؤل حول الأسباب التي أدت لتواضع مستوى الإعلام -وخاصة المرئي- مقارنة بالنجاحات العظيمة التي حققتها معظم مؤسسات الدولة على الرغم من صعوبات وتعقيدات بيئة العمل التي تعمل فيها وتتواجد بها؛ علماً بأن جميع مؤسسات الدولة وأدواتها، بما فيها وسائل الإعلام، تحظى بالرعاية والدعم والثقة الكاملة من الدولة. وفي الوقت الذي يصعب فيه وضع خطة عمل تُلبي تطلعات المواطن، وتجاري نجاحات معظم مؤسسات الدولة في إبداعاتها وابتكاراتها وتقدمها في المعايير العالمية، فإنه يمكن القول إن عدم تحقيق وسائل الإعلام -وخاصة المرئية- للمستويات العالمية التي يُفترض أن تحققها إنما سببه ومصدره الاعتماد على الأفكار والطروحات الفردية، وتبني الاجتهادات والآراء الشخصية، والابتعاد عن العمل المؤسسي القائم على خطة استراتيجية معدة باحترافية عالية وعناية شديدة. ومن الضروري هنا أن نؤكد بأن هذا التواضع الإعلامي غير المتواكب مع الدعم والرعاية الحكومية، ليس سببه غياب التشريعات والتنظيمات، وإنما قد يكون، من أسبابه، عدم الاطلاع على ما تضمنته وثيقة السياسة الإعلامية في السودان، التي تضمنت خارطة طريق عامة تضمن تحقيق نجاحات إعلامية عالمية تتماشى مع سياسات وتوجهات وقيم الدولة، وتؤثر في آراء وأفكار الرأي العام بما يخدم سياسة السودان على جميع المستويات الدولية. من الأهمية القول إن الارتقاء بالإعلام للمستويات العالمية يتطلب وضع خطة استراتيجية يعدها أبناء الوطن، ويعمل على تنفيذها المحترفون مهنياً والمؤهلون فكرياً، ويقوم أساسها على الالتزام بقيم ومبادئ المجتمع، ويضبط عملها منهج الدولة الذي تأسست عليه وأصبحت من خلاله رقما في محيطه المحلي والإقليمي والعالمي، بهذه العناصر الوطنية المؤهلة والمحترفة، وبهذه الأسس والقيم الفريدة التي تميزت بها الدولة عن غيرها، يستطيع الإعلام الإبداع والابتكار للوصول للنتائج المنشودة وطنياً، ويتمكن من التأثير في الرأي العام دولياً، ويتقدم خطوات كثيرة نحو تحقيق نجاحات مماثلة لما حققته معظم المؤسسات الوطنية الأخرى.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة