لا أحد يطلق على قتلى دارفور وصف "شهداء دارفور"، رغم أنهم بالفعل شهداء. ما علينا.. شاهدت الفيديوهات التي أبيدت فيها تلك القرى، وذلك قبل سنوات. كانت هناك جثة شاب قد طار نصف جمجمته الأعلى ولا زال جسده المسجى في دمائه يرتجف، فقام رجل وغطى وجهه وهو يتشهد. ودارت الكاميرا إلى اليسار حيث جثة رجل متفحمة في سرير متفحم قرب قطية احترق قشها. المشاهد وحشية، لكنهم لم يُعتبروا شهداء حتى الآن، فإذا كان هؤلاء ليسوا شهداء فلمن تكون الشهادة. من العيب أن يدافع البعض عن من قام باقتراف تلك الجرائم من باب الأخلاق والضمير قبل الدين، مهما كانت حميته القبلية. فإن كان من اقترف تلك الجرائمن من قبيلته فعليه أن يقدم الاعتذار عن سفك الدماء لا أن يدافع عن القاتل. البشير مسؤول مسؤولية مباشرة عن تلك الجرائم كما أن البرهان مسؤول مسؤولية مباشرة عن شهداء الاعتصام، هو وباقي الزمرة التي تقبع الآن في السجون أو في القصور. إن قولة الحق والشهادة بالحق هما رفيقا المؤمن، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قول الزور، ومن باب قول الزور الدفاع عن بقاء البشير دون محاكمة. فالدفاع ينطوي على انكار لتلك الجرائم والإنكار قول زورٍ بالسلب. إن النعرة الإثنية يجب ألا تقتات على روح العدالة. بالرغم من أن ترحيل القتلة إلى لاهاي فيه خير كبير لهم، إذ سيفلتوا من حكم الإعدام قصاصاً لو حوكموا في السودان، وقد يحصلوا على افراج مشروط بعد بضع سنوات. ناهيك عن أن السجن هناك أقرب إلى الفندق السبعة نجوم. وغالباً ما سيكون التشكيك في التهم أكثر قوة في لاهاي منه لو تم في محاكم سودانية، ولذلك فليس من المستبعد تبرئة البشير، وهذا سيخل بحقوق شهداء دارفور. لذلك يجب الانتباه جيداً، ويجب دراسة المسألة بدقة، فنحن نعرف أن القضاء السوداني لا زال يعاني من المشاكل، مما يفقده الضوابط المعتبرة في العدالة الجنائية فهو قد يتأثر بصراخ الكيزان أو بصراخ القحاطة وهم بعضهم أولياء بعض. وإذا كنا ننشد العدالة الحقة والقصاص العادل لشهداء دارفور فيجب محاكمة البشير هنا في السودان، وبالقانون الجنائي السوداني، لكن القضاء هنا محل شك كبير. وكما يقول المثل (المال تلتو ولا كتلتو). في الواقع؛ مسألة ترحيل البشير إلى لاهاي مسألة معنوية أكثر منها قانونية، إذ تعني إشارة وعلامة وتحذير من عدم الاستمرار في اقتراف جرائم حرب الآن ولا مستقبلاً وتأكيد بأنه لا حق يضيع، مهما طال الزمن، وأن القاتل سيعاقب مهما تخفى وراء السلطة. وهذا في حد ذاته تخويف للعسكر، والبرهان تحديداً، لأن له تاريخ طويل مع الدفاع الشعبي. ولو كان في الجنوب قانونيون فصحاء اللسان أقوياء البصر، لما ترددوا في رفع دعاوى جنائية بجرم الإبادات الجماعية التي تمت في جنوب السودان قبل الإنفصال. فقد تعرض جنوب السودان لإبادات شنعاء، حتى أن بعض المناطق سميت بأسماء تقشعر لها الأبدان، مثل منطقة (قلعنا) حيث كان الجنود يدخلون ويقتلون الرجال ويطلبون من النسوة قلع ملابسهن قبل اغتصابهن، ولما تكررت تلك الواقعات اسموا المنطقة قلعنا، أي قلعنا ملابسنا. ومن هذا كثير. لقد مورست الفظائع في الجنوب وفي الشرق والغرب، وآن لمن يظنون أنهم سيفلتون من العقاب أن يرعووا، فليس كل من يحمل سلاحاً يملك الحق في فعل كل شيء. ترحيل البشير ضربة قاصمة للظلم، وراية ترتفع للعدل. ومن قال بغير ذلك فمشكوك في عدالته وذمته وضميره.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة