لم نزل نحن أهل السودان من أكثر الشعوب المتشبثة بعاداتها وتقاليدها وعموم ثقافاتها المحلية ، وذلك في واقع الأمر شيئ إيجابي إذا ما أُخذ من زاوية الحفاظ على التاريخ والهوية وكذلك تأصيلاً لعاطفة الإنتماء إلى الأرض والبيئة والمجتمع الكبير ، غير أن بعض تلك العادت والتقاليد والمفاهيم ، في حقيقة الأمر غير صحيحة وسلبية ومُضره ، ويكون التخلي والتبرؤ منها معولاً إيجابياً في سبيل ضمان أمان وتطور المجتمع بالقدر الذي يجعلنا مؤيدين لكل التفاعلات الرسمية والمجتمعية الداعية إلى التخلص من مثل تلك العادات ، والتي يكون بعضها مُضراً بحياة الإنسان الجسدية والنفسية ، كعادة ختان الإناث أو الزواج المبكر للفتيات اللائي لم يتجاوزن مرحلة الطفوله ، والبعض الآخر من تلك العادت الضارة يكون له أثر على حركة التنمية الإجتماعية والنمو الإقتصادي للفرد والجماعة ، وربما إمتد أثرهُ إلى وصم الأمة بأجمعها بصفات هي في الحقيقة ليست مطلقة في كل فردٍ فيها ولكنها مؤثِّرة لدي الغير خصوصاً في الخارج ، مثال ذلك أن كماً هائلاً من الإخوة الخليجيين يعتقدون إعتقاداً جازماً بأن السوداني كسول ولا يقوى العمل المضني ، ولم يكن ذلك إلا عبر ملاحظتهم لمجموعة من العادات والتقاليد التي نتوارثها ، ثم نقوم بنقلها معنا إلى خارج البلاد لتصبح نمطاً يشتهر به السوداني ، ثم يتطوَّر ليضع الإنطباع لدى الغير من المتفحِّصين لسكناتنا وحركاتنا بأننا لا نكترث لفضيلة العطاء في العمل والمثابرة ، والعادات هي عمل متوارث وجماعي يأخذ شرعيته من إلتفاف الناس حولهُ وإقرارهم الضمني بجوازه إلى أن يصبح عُرفاً ، أقول هذا وأنا أتأمل في حال ثقافة التجارة والبيع والشراء في أسواقنا ، عندما تدخل محلاً لبيع المواد الغذائية أو لبيع الملابس ، تجد البائع ومساعديه يجلسون القرفصاء حول طبق الطعام ، وعندما تدخل ينظرون إليك نظرة المُستثقِل ، مما يجعلك وأنت المُشتري أو الزبون تشعر بالحرج وكأنك أتيت في الوقت غير المناسب أو تطَّفلت على قومٍ يأكلون ، وكنت قد عملتُ في المملكة العربية السعودية زهاء الإثني عشر عاماً ، لا أذكر فيه البته أني دخلت محلاً أو مكتباً يقدم سلعة أو خدمة لأجد من يبيع أو من يستقبل العملاء فيه يتناول وجبه ، ولم أجد (لعادة) الفطور أو عموم الأكل في مكان العمل شبيهاً في أيي مكان زرته خارج السودان كما يحدث هنا ، بقالات وصيدليات ومحال تعمل طوال اليوم في بلدانٍ شتى ولا أدري متى يتناول القائمين عليها وجباتهم ، وللحقيقة من المؤكد أنهم يأكلون ولكن بنظام وتناوُب وسرعة ودون أواني وصواني وأباريق ومفارش على أبواب المحلات ، متى تنتهي في بلادنا عادة الأكل (الموهَّط) أثناء ساعات العمل فيما يسمى بوجبة الفطور ، وها أنا وغيري نعاني من وجبتي الغداء والعشاء في كثير من مراكز الخدمات التجاريه والمحلات الصغيرة والكبيرة ، نحن أناس لا نفقه في أمر التجارة شيئاً من زاوية إحترام العميل أو الزبون وإكتساب وُدهِ ليعود مرةً أخرى للشراء ، أهل حضرموت أساطين التجارة في العالم لديهم مثل يقول (التاجر مطية الزبون) .. ترى هل نرعوي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة