في خضم زحمة الأحداث وتواترها على الواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي بالبلاد تبدو العديد من التداعيات التي تتبع ذلك الحراك ، ومما رصدتهُ بنفسي من خلال الوقائع و(ونسات المدينة) عودة التكالُب المسعور لأعداد مقدرة من أبناء هذا الشعب الأبي للإغتراب والرحيل عن أرضه الطيبه ، فاتحين من جديد ملف الرحيل والهجرة الذي كان قد توارت أبوابه في غضون سنوات مضت كان قد حدث فيها نوعٌ من الإنتعاش الإقتصادي ولو نسبي ، وذلك إبان بدايات إنتاج البترول وإقتسام موارده بين الجنوب الشمال ، في فترةٍ كان فيها الوطن عُصبة واحده وكذلك كانت العين لا تخطيء حينها إرتفاع معدل الإستثمارات الداخليه والخارجيه الصابه في ماعون الإقتصاد القومي ، رغم أن ما تم نهبهُ بواسطة قراصنة الإنقاذ البائدة قد مثَّل 90 % من تلك الموارِّد ، إلا أن أرضنا اليابسة حينها كان قد مسها بعضاً من رشاش ذلك الخير ، ثم حدث ما نعيشه الآن من حالة الإنقباض أو الإنهيار الإقتصادي الذي في إعتقادي أنه كان بلا سابق إنذار بالرغم من أن كثيراً من مؤشرات الواقع السياسي والتنموي حينذاك كانت تشيرُ إلى وجود معضله إقتصاديه تلوحُ في الأفق ، إلا أن القائمين على أمر تسيير إقتصاد ومالية الدولة في ذلك الزمان البغيض قلَّلوا من أهمية ما يمكن أن يحدث من تداعيات تضير بالحالة الإقتصاديه العامه ، كما أن ذلك لم يكن في حُسبان المتأثرين بتلك الطامة وأولهم المواطن البسيط ، فظهرت من جديد ظاهرة الهجرة من أجل كسب لقمة العيش ليس لأن الموارد الداخليه قد نضبت بالحد الذي رفع مساحة رقعة البطاله بقدر ماكان ذلك بسبب أن سوق العمل في البلاد أصبحت مداخيله لا تفي بحاجيات المعيشه ، والدارس للحالة الإجتماعيه والإقتصاديه سيتأكد لديه أن الطبقه الوسطى في السودان قد تلاشت وإندحرت أمام الضغوطات الإقتصاديه والإرتفاع الفاحش في أسعار السلع الأساسية والخدمات الضرورية للبقاء على قيد الحياة ، وإنتسبت في خضوع صامت إلى طبقة الفقر المدقع ، وإن سلَّمنا بأن هذا ما يجب أن يكون عليه الحال إفتراضاً بأن إنفصال الجنوب لا بد له بالضرورة من رسم مؤشرات جديده وأساسيه سيتسم بها الإقتصاد السوداني ، إنطلاقاً من مبدأ التكوُّن والتخلُّق الجديد ، فالذي حدث ليس بالأمر الهيِّن ومن موجباته أن يبدأ الإقتصاد السوداني في بناء نفسه بصيغ جديده ترمي بكل إرث الماضي في سلة المهملات ليسفر عن وجهه الجديد الذي تميِّزهُ التوجهات الأساسيه والإعتمادات الإنتاجيه المتصله بإمكانياته وقدراته وثرواته لما بعد الإنفصال وفقدان النفط كمورِّد إستراتيجي ، وعندما يأتي مقام الحديث عن ثروات هذا الوطن المجيد يجب أن نكتب بالخط العريض أن الموارد البشريه ذات الخبرات الوافيه والمرتبطه بالتخصصات النادرة والتي يؤثر شحها في بناء الإقتصاد وتدوير عجلة التنمية المستدامة ، لهي أسمى مايجب الحفاظ عليه من ثروات ، ألاف من الأطباء والمهندسين والمعلمين والعمال المهرة في شتى المجالات يتوسَّدون ثرى خلف أبواب السفارات في إنتظار الرحيل ، ومَن سيحقق التنميه سادتي ومن سيعيد للإقتصاد المتداعي عافيته ونحن نقف متفرجين وكأن الأمر لا يعني أحداً ؟ ، إلى من يتحدثون ليلاً ونهاراً عن العمل على توفير مدخلات الإنتاج من آلات وعلوم وخبرات وخطط لماذا لا تنتبهون مبكراً إلى أن من سيشِّغل الآلة في طريقه للرحيل ؟ ، فلتنتبهوا منذ الآن أن هناك شُحاً في المورد البشري لا يقل خطورة عن شح العملة الصعبه والكهرباء والغاز ودقيق الخبز سيواجه عملية دفع التنميه والحراك الإقتصادي للأمام إن لم نلتفت لهؤلاء الراحلين ونتدارس قضاياهم والتي من أهمها الحصول على لقمة العيش الكريمه ،إسعوا لقضاء حاجاتهم وإيجاد الحلول لمشاكلهم لتجدوهم يوم الزرع والحصاد . <هيثم الفضل.jpg> <الراحلون.docx>
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة