أن أي عملية بناء مجتمعي و تطوير الاقتصاد و مشروع لنهضة الإنسان تفتقد لدراسة علمية صحيحة و متابعة جيدة محكوم عليها بالفشل، و كان المتوقع أن القوى السياسية بمختلف تياراتها و مدارسها الفكرية و بتحالفتها المختلفة تكون قد أعدت مشاريعها السياسية و الاقتصادية لكي تنهض بالبلاد، و تستفيد من الحراك الشبابي الواسع الذي فجرته الثورة، و كان الشباب لديهم استعدادا كاملا، لكي يقدموا كل ما عندهم من أجل رفعة البلاد و حل أزماتها. كانت الفكرة لديهم متقدمة عن الأفكار لدى القوى السياسية، و دلالة علي ذلك أن الإبداعات التي ظهرت في ساحة الاعتصام، كانت من تخلقات هؤلاء الشباب، و اتساع خيالهم الموار. لكن في ذات الوقت؛ و رغم استعداد هؤلاء الشباب للمساهمة في بناء الوطن عبر مؤسسات أهلية عديدة، كانت تنقصهم الخبرة، و قلة المعرفة الذي تسببت فيه حالة الضمور المعرفي و الثقافي للإنقاذ. تعد الثورة حالة انفصال كامل بين عهدين ما قبل الثورة و ما بعدها، أولها وجوب تغيير طريقة التفكير التقليدية التي كانت سائدة في المجتمع، و التعامل مع القضايا بالإعداد الجيد لها و أخضاعها للدراسة، و الطريقة التقليدية ظاهرة سالبة لم تكن مرتبطة فقط بعناصر النظام السابق، بل مرتبطة بأغلبية النخبة السياسية في البلاد، التي تعتقد أن السياسة هي فقط وصول بعضهم للسلطة، و التي يعتبرها البعض فرصة لتوزيع الغنائم، و جعل الحراك الشبابي هو الذي يواجه تحديات النظام السابق، و التصدي له لأنه يشكل تحديا لشعارات الثورة، و إن كان الحراك الشبابي يعتبر نفسه تيارا عريضا لمواجهة الفهم التقليدي للعمل السياسي في البلاد، إلي جانب أن يشكل بداية لتحرير القوى السياسية من إرثها الماضوي، و الذي لم يستطيع أن يتخلص من العقليات التي أورثت الفشل، حيث أصبحت السياسية مجالا للإرتزاق، أو بمعني أصح؛ وظيفة الذي لا يملك مؤهلات تؤهله لوظيفة أخرى، الأمر الذي انعكس سلبا علي مجرى العمل السياسي، حيث أصبحت جميع الأحزاب دون تمييز خالية من الإنتاج الفكري و المعرفي، فكيف لمؤسسات فقيرة أن تسهم في بناء وطن. و كان علي لجان المقاومة أن يطرحوا الأسئلة الصعبة، لماذا المكتبة الحزبية فقيرة من الإنتاج المعرفي و الفكري؟ لماذا فشلت الأحزاب أن تقدم مشروعاتها السياسية لكي تطلع عليها الأجيال الجديدة؟ كيف لؤسسات تضيق مواعينها الديمقراطية تستطيع أن تسهم في عملية التحول الديمقراطي؟ و هناك الأسئلة العديدة التي تحتاج إلي إجابات. أن غياب العناصر التي تشتغل بالعقل و الإنتاج الفكري و المعرفي، جعل المؤسسات السياسية عاجزة أن تستثمر الطاقات الشبابية بالصورة التي تنهض بالمؤسسات الحزبية، و تساعد علي زيادة الوعي المجتمعي. لذلك حاولت القوى السياسية أن يختصر عمل الشباب في مراقبة المخابز و محطات بيع المحروقات الحفورية، و هي وظيفة تنفيذية لا تستطيع أن تسهم في البناء السياسي و المعرفي للشباب و أكسابهم الخبرات المطلوبة. لكن أمام الشباب بفضل وحدتهم و تماسكهم أن يسهموا لوحدهم في تغيير الواقع السياسي في البلاد. و الاستفادة من الأندية و المراكز الشبابية في أعداد نشاط ثقافية و سياسية، يتم فيها دعوة كل قيادات الأحزاب و الحركات المسلحة، و حتى القيادات في السلطة التنفيذية، و بشكل مبرمج للإجابة علي تساؤلات الشباب، و لا يستثنوا حزبا سياسيا ما عدا المؤتمر الوطني المحظور، و الحوار يجب أن يدور حول معرفة؛ إذا كانت لهذه الأحزاب برامج سياسية و اقتصادية و ثقافية، لكي تكون عونا للشباب في برامجهم للتثقيف الذاتي، و بالتالي يكون الشباب استطاعوا أن يديروا فعالياتهم و نشاطاتهم التي تسهم في زيادة المعرفة و الوعي بعيدا عن التأثيرات الحزبية المباشرة، و مثل هذه الحوارات المفتوحة هي التي توسع المواعين الديمقراطية، و إنتاج الثقافة الديمقراطية، و تجعل الجميع يحترمون أراء بعضهم البعض، و الحوار هو الأداة الفاعلة التي تقلل بروز العنف في المجتمع و انتشاره، حيث يتيح للجميع أن يخرجوا كل النفس الساخن من الصدور. هناك بعض الشباب يعبرون عن عدم رضاهم عن الأحزاب، لكن يجب ألتأكيد ليس هناك ديمقراطية دون أحزاب، باعتبارها المؤسسات التي تتنافس سلميا للوصول السلطة من خلال صناديق الاقتراع، في أجال معروفة حسب نصوص الدستور، و مادامت الأحزاب هي أدوات الديمقراطية الأساسية، إذاً لابد من تطويرها و تحديثها و توسيع مواعينها الديمقراطية، و هذه لا تتم إلا استطاع الشباب أن يكونوا أعضاء فيها، و يحاولوا أن يقودوا من داخلها ثورة التصحيح و البناء، و هذه تتم من خلال تقديم رؤى جديدة متكئة علي قواعد معرفية، حتى يستطيعوا أن يكونوا مؤثرين بشكل فاعل في عملية التغيير السياسي في البلاد. نسأل الله حسن البصيرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة