أعترف ولأول مرة انني لم أشعر بالاحباط كما أشعر به هذه الأيام . فحتى في أيام العهد البائد كانا نتفاءل أملا في غد أفضل ، فالانقاذ كانت مرحلة تحملنا مرارتها لأنا كنا نتطلع إلى ما بعدها ، وكان لابد أن نبث في الناس الأمل وأن نبشر بالمستقبل بعد زوال الغمة . وكتبنا وقلنا " الثورة قادمة لا شك فيها " وقلناها للمخلوع في آخر انتخابات " علام ننتخبك ؟ " ، واجتهدنا لنبين زيف الكيزان وتدميرهم للبلد . ولم نكن وحدنا ، كثيرون كانوا مثلنا يحدوهم الأمل وتذهب بهم الأماني مذاهب شتى ملؤها الغد السعيد . كتب لي صديق متسائلا " هل هذه هي الثورة التي بشرتمونا بها ؟ هل هذا هو الغد الذي جعلتمونا نحلم به ؟ هل كل ما كنا نرجوه هو ما نراه اليوم ؟" والسؤال الأهم " هل ضحى شهداؤنا لأجل هذا الواقع المر ؟ هل سجن من سجن وشرد من شرد لأجل ما نلمسه اليوم ؟ " لست كالآخرين الذين اختاروا الوقوف والتعايش مع هذا الواقع وشعارهم " ليس في الامكان افضل مما كان " . فليس حقيقة هذا الشعار ، ولا يشبه الثورة ، التي لا تعرف الاستكانة ، ولا الخنوع . من يدافع عن " ليس في الامكان افضل مما كان " ليته وقف عند شعاره ولكن كما قال غيري " الواحد أصبح يخاف من انتقاد الواقع ، حتى لا يشيطن ، ولا يخون ويكوزن " . أعرف ان أناسا كانوا يقاتلون الانقاذ من خندق واحد ، ولكنهم سرعان ما اختلفوا وراح كل فريق يقدح في الآخر ويكيل له الاتهامات زورا وبهتانا واثما . لا لسبب إلا أن الصالحين لم يرضوا بالواقع المر وأنهم لازالوا يحلمون بغد أفضل . الغريب أن المدافعين عن هذا الواقع أكثرهم ضجيجا وأعلاهم صوتا ، لم نعرف عنهم هذه المواقف في زمن القهر والظلم الانقاذي ، وأكثرهم آثر السلامة ولزم الصمت غير المقدس . وتصدروا المشهد بلا رصيد ولا مجهود . وهم يصريخون ادعاءا بأن الثورة في خطر وليتهم يعلمون أن الخطر منهم هم لمناصرتهم للباطل وتخوف الناس وتخييرهم بين عودة الكيزان أو الرضى بالحال المائل . معادلات يظنونها ناصرة لهم : إما عودة الكيزان أو الجوع إما عودة الكيزان أو تحمل صفوف الغاز والبترول والرغيف . إما عودة الكيزان أو تحمل الانفلات الأمني – قبلي في الشرق والغرب إما عودة الكيزان أو تردي الخدمات الصحية . ويبشرون الناس أن الفرج آت على حصان أمريكي . إذا سألتهم ما خططتكم للمستقبل وما مشاريع الحكومة للشباب وللنهوض بالاقتصاد حدثوك عن دعم أصدقاء السودان ، ورفع اسم السودان من قائمة امريكا السوداء ، وعن القبض على تجار العملة ، وعن لجنة تفكيك نظام الإنقاذ والملايين التي ستدخل للبنك المركزي . كلها أماني وكلام في كلام . تكلمهم عن شركات الجيش واستعادتها للمالية ، وعن صادرات الذهب والشركات المهيمنة عليه ، وعن الأراضي التي يتملكها الجيش المصري والخليجيون والنهب المقنن لثروات البلاد ، فيظهر عجزهم وقلة حيلتهم ! لا أحد اشد فرحا بالحكومة الانتقالية من هؤلاء والكيزان ، هما فقط من بين جموع الشعب كله هم الأكثر سعادة بأداء الحكومة البائس . لا نشكك في وطنية أحد ولا نخون أحد ، لكن ما بال أعمالكم تأبي إلا أن تقول خذونا ؟؟؟؟؟ يبقى أن نقول لهؤلاء أن الأمل مهما صغر فهو باق ، مادامت ثقتنا في الله كبيرة ثم في الشعب ؟ لن يستسلم لكم أحد ولن يخلو لكم الميدان كما تتصورون ، ولن يستبدل الشعب تمكينا بتمكين ، ولا طاغية لآخر . كان الكيزان اكثر قوة وأشد بطشا ، ولم يستسلم الشعب ، وصبر عليهم وقدم ما قدم من تضحيات حتى ذهبوا . وموعدكم قريب مع حساب الشعب ، وما تأبوا عمله اليوم وهوممكن سيأتي غيركم ليعدل الحال المائل . وكان الأولى أن تتعلموا الدرس من الذين كانوا قبلكم .. ولكن هل قدر هذا الشعب أن يكرر الدروس عل الإغبياء يفهمون .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة