♧ كَأني رأيْتُ اللهَ£

بَالَتْ حِمارةٌ ، فاستَبَالَتْ أَحْمِرَةٌ !!
(37)
● يُحكى ان هنالك ملكاً قد أرسل حرسه الخاص لاستدعاء أحد مستشاريه بساعة متاخرة من الليل و لما جاءوا بمستشاره وقد بان عليه الخوف والهلع فلما مثل بين يديه قال له الملك بصوت مرهق اسمع ايها المستشار: لقد اخترتك من بين كل هؤلاء المستشارين لمعرفتي التامة انك ارشدهم واذكاهم ؟فقال له
المستشار و هو ينحني له إجلالاً: عاجزٌ عن شكرك يا مولاي ، إن شاء الله سأكون عند حسن ظنك بي؟ قال له الملك بعد أن اتكأ على عرشه: أتعلم أنني لم أنم ليلتي هذه لأن هنالك مسألةً عرضتْ لي لِتُؤرقني و تقض مضجعي وأريد منك جوابها لأنك ملزم أن تُجيبني لتريحنا منها و لكن شريطةَ أن يتأتي ذلك بالدليل القاطع قال الوزير : أبشر يا صحب الجلالة سل سؤالك و سيأتيك الجواب شافياً!

◇ قال الملك : قل لي أيهما أولى ، الحظ أم القداسة؟
قال له و بدون أية مقدمات القداسة بطبيعة الحال يا مولاي!
ضحك الملك ، ثم قال له: سوف أدحض لك رأيك و بدليلٍ قاطعٍ
و إما أنك تثبت لي رأيك و بدليلٍ يقينيٍّ لا يأتيه الشك لا من بين
يديه و لا من خلفه!وافق المستشار و خرجا في صباح اليوم التالي
إلى حيث أقرب خان(سوق) و وقف الملك يطيل النظر بوجوه رعيته حتى وقعت عينُه على حمالٍ (عتالي) بائسٍ في ثيابٍ رثةٍ و هو يحمل للناس أثقالهم على قراريط لا تُسمن و لا تُغني من جوعٍ . فأمر الحُرَّاس بجلبه إلى القصر ؛ و هناك أمر بان يطعموه و يلبسوه الحرير ثم جعله وزيراً ثم أمر بإدخاله إلى مجلسه أمام اندهاش مستشاره الذي عندما رأى العتال قد تبدَّل حاله وصار وزيرا ً يأمر و ينهي! ثم قال الملك للمستشار : الآن قل لي: ايهما أولى و أفضل الحظ أم القداسة !؟

● رد المستشار و قال له أعطني فرصتي يا مولاي
لأثبت لك أن رايي هو الأصوب ! ثم خرج المستشار إلى
نفس السوق ووقف يتامل و إذا به يرى حماراً هزيلاً وَسِخَاً
و منهكاً من التعب فاقترب منه و راح يربت على كتِفيه و يتحسسه و يتلمسه و الناس تنظر إليه باستغراب حتى تجمهرت الجموع من حوله ثم بدأ يخطب فيهم بخطبةٍ عصماءَ ثم فيهم بصوتٍ جهوريٍّ : أيها الناس: اسمعوا و اعوا : تعلمون أن هذا الحمار لطالما حمل على ظهره الشريف هذا أحد أولياء الله العارفين ، و قد ذُكِر وصفه في الكتاب الفلاني نقلاً
عن فلان ابن فلان فهذا الحمار إذن ، لكأنه من القوم أهل السِلْسِلَّة.

♡ وماهي الا لحظات حتى أصبح ظهر ذاك الجحش الأجرب
قبلةً و مزاراً و أذناه قد ملئت بالدنانير و الدراهم بياضاً و جاءت
حشودٌ من الرجرجة و الدهماء يتمسحون بفضلات (الحومار الوطني) و يتبركون بلعابه الطاهر . فهذا يطعمه و ذاك يغسل قدميه و آمر يقبل أذنيه ، و تلك بايركس (تمعط) سبيبة من ذيله المبارك علها تظفر من الدنيا بفارس أحلام ظلوطٍ لم يكن منتظراً و أخرى تتمردغ على بمؤخرته لكي تُرزق طفلاً معجزةً ثم أسكنوه بإسطبلٍ عبارةٌ عن جناحٍ خمسَِ نجومٍ و عينوا له خَدماً
و حَشَمَاً و حرساً خاصاً قوامهُ كتبيةٌ مُدججةً عليهابلاطجةٌ الجانجويد غلاظٌ شِدادٌ لزوميات التدخل و الدعم السريع ، تتقدمهم سَرِيَّة موترجيه لمرافقة موكبه المهيب و صار الحمار يسرح و يمرح و يبرطع كيفما اتفق و تأتيه أطايب الطعام و عضات البرسيم من كل حَدَبٍ و صوب.

ثم عاد المستشار إلى الملك وقال: الآن يا مولاي أيهما أولى و أفضل!؟ طأطأ هذا الأخير رأسه و ابتسم المستشار بخبث من كسب الجولة و قال: أتعلم يا مولاي ما الفرق بين الحظ و القداسه ؟ قال الملك: لا قل لي مالفرق؟
قال له المستشار أنت يا مولاي ألبستَ هذا العتال ثوب العافية و السلطة و الجاه و المال و هذا ثوبً بالٍ و زائلٌ لا مُحالةَ لأنك تستطيع سلبه إياه متى تشِاء! أما أنا فقد البست حماري الأحرب هذا ثوب القداسة؛ و لعَمري إن هذا الثوب و إن كان زائفاً فلا يمكن لإي كائنٍ من كان أن يسلبه إياه حتى أنت بجلالة قدرك يا مولاي! و الآن قد انتهى البيان!!