|
Re: كونسرتو البلد (Re: ابو جهينة)
|
الميلاد الثاني ( المخاض العسير )
إختفى ( الجني ) تماماً عن ساحة البلد. عندها تأكد الجميع بأن زمن تولي الضواري دفة الحكم صار أمراً بعيد المنال. وظلَّلتْ غمامة من الحيرة مجلس القبيلة . ( الموقر ) يتكيء حزيناً على جذع شجرة وهو يستمع إلى أحداث الأيام الدامية. الأمهات الثكالى والأرامل يتحلَّقْن حول مجلس القبيلة في إنتظار أن يقول ( الموقر ) كلمته في شأن تسيير دفة الأمور وتدبير سبل كسب العيش للعجزة والمعوزين. الشهداء في مثل هذه المواقف يصبحون مادة دسمة على موائد الشعراء .. ( فحولهم ) والهواة والغاوون الذين يتبعونهم.. أهازيج النصر جرحتْ الحناجر ... ثم قال ( الموقر ) كلمته ... فكان إقتسام سدة الحكم بين ( الرمَّاح ) وغريمه التقليدي ( أبو مصباح ) ... فتنفس الخلق الصعداء ... فالفريقين يؤكدان حرصهما الأكيد والراسخ على المصلحة ( العامة ) وإبعاد ( المصالح الشخصية الضيقة ) ... ثم كالا اللعنات على قبيلة الضواري والتي عاثت في البلاد الفساد والتنكيل بالعباد .. وسارت الأمور بوتيرة مركبٍ تتهادى على سطح نهرٍ بقيادة ( ريِّسيْن ) .. ولكنهما نسيا أو تناسيا أن النهر غير مأمون الجانب من هبَّات الأعاصير وانجراف جذوع أشجار يدفعها الموج في صخب وجنون نحو جسم المركب أو تمزيق أشرعة المركب شر مُمَزَّق ... هذا غير أنهما تناسيا رغبة الخلق وإلى أي ضفة تكمن رغبتهم في الرسو عليها .... في عتمة الليل .. تبْرق عيون تقدح كالشرر من بين شجيرات الغابات والأدغال ... ومن خلف هذه العيون .. جاءت الأخبار تتْرى ... بأن سكان الوادي الأعلى يشنون هجمات في كر وفر ... رافعين راية الإنسلاخ من ربقة الضواري أو حكم ( الرماح ) وغريمه ( أبو مصباح ) ...
الخطوب لا تأتي من فراغ ... العقلاء هم من يتمترسون خلف حدْسهم وتجارب غيرهم، فعندما تأتي الخطوب، فعلى أقل تقدير يكون وقْعها أخف تأثيراً من هجمة الفُجاءة. ومصائر الشعوب كالحبال المفتولة ... تتلوى أليافها حسبما أرادها فاتلوها .. رفيعة أرادوها أو غليظة أو مزيج بين هذي و تلك .. والليالي التي تكون حُبْلى بالأحداث الجسام تجعل الناس ينامون وهم ينتظرون مطرا أو غيثا فتفاجؤهم عاصفة ترابية أو سيل عرمرم يندفع من تخوم جبال راسيات يحسبونها تحميهم من الغوائل... أشرقتْ شمس ذاك اليوم ... والغابة والأدغال تضج بأصوات الضواري فيرتد صداها بين الجبال والتلال القريبة .. حطّ طائر ضخم على تعريشة ( الموقر ) الذي كان في غفوة والمسبحة بين أصابعه .. وقف الطائر الضخم محاكياً ( هدهد النبي سليمان ) ... ثم أطلق صيحة وطار بعد أن نثرتْ مخالبة تراب عرش السقيفة على جبهة ( الوقور ) ... لم يفقه ( الوقور ) كُنْه وقفة هذا الطائر على سقف سقيفته وأسباب صيحته .. فقد باغتتْه الأحداث التي تَتْرى.
وأختلط الحابل بالنابل. وأقْسم البعض بأنهم رأوا ( نوعا من السحالي ) يطارد تمساحاً على أطراف شواطئ جزيرة على مرمى البصر ... بينما أسماك ( شامتة ) تتقافز لتلتقط دقائق هذا الحدث. كما أن إمرأة قالت بعد أن أقسمتْ بقبر جدها بأنها رأتْ ديكا له ( عُرف فاقع اللون أحمره ) ينتف ريش ( صقر ) قناص له مخالب ومنقار معقوف كما المنجل.... إنها الفوضى تضرب بأطنابها في جسم المكان. ثم إنطلقتْ من بين شجيرات الأدغال جحافل الضواري من كل جنس ونوع يتقدمها من فصيل السباع ( سليل السنور ) المعروف بين رفاقه بـ( جسَّاس ) .. وهو من فصيل السباع التي تنتمي إلى عهد ( الماموث ) المنقرض وله مهابة ومعروف عنه أنه لا يأبه للموت... له صولات وجولات في معارك بني جنسه. وبهدوء تام تسلم زمام الأمور .. ورغم أن الكل كانوا قد تيقنوا من إختفاء الجني مروض الوحوش .. إلا أنه ظهر أعلى الجبل وهو يقهقه ضاحكاً .. قائلاً بأعلى صوته : لا فكاك ... أنتم كالقطط .. لا بد لكم مِن خانق يكتم أنفاسكم ... تلعنونه وتحبونه ومن ثم تلفظونه لتعودوا إلى لطم الخدود وشق الجيوب.
|
|
![URL](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![Edit](https://sudaneseonline.com/db/icon_edit.gif)
|
|
|
|
|
تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook
|
|