|
Re: (دون جوان):أسطورة العشق العالمي: يعيده هان� (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
وتساءل جريس: هل بقي بعد كل هذه المعالجات جديد يقدمه بيتر هاندكه في روايته الأخيرة؟ ومن أي زاوية اقترب من "دون جوان"؟ وقال إن هاندكه يستهل روايته القصيرة بجملة وردت على لسان "دون جوفاني" في أوبرا موتسارت: "لن تعرف مَن أنا". هل روايته إذن محاولة للإمساك بملامح هوية العاشق المغامر؟ من الصفحة الأولى يتضح للقارئ أن دون جوان هاندكه ليس عاشقا مهووسا بالجنس، ولا شخصا متمحورا حول ذاته الذكورية. إنه بالأحرى #################### شريد، دائم التنقل، يهجر بلدا ليحط في آخر. "دون جوان" هنا دائم البحث عن الوصال والتواصل. وفي أحد أيام الربيع الجميلة يهبط المغامر في حديقة الراوي، وهو طباخ يدير مطعما بالقرب من أطلال دير "بور رويال" الفرنسي الشهير. قلّ رواد المطعم حتى كاد الطباخ الفرنسي لا يجد ما يفعله، فأخذ يزجي أيامه بالقراءة. لكنه سئم ما يقرأ، بل سئم القراءة عموما، لذا كان سروره عظيما عندما تعرف إلى دون جوان الذي راح يقص عليه حكاياته ومغامراته. منحه دون جوان ما كان يبحث عنه في قراءاته: "الرحابة الداخلية والاتساع العابر للحدود "، ومنح هو دون جوان آذانا صاغية. منذ الوهلة الأولى نشأت بين الطباخ وضيفه الرحالة ألفة تنمو إلى حد الصداقة. يتنزهان معا، ويتسامران. ثم يحكي دون جوان لمضيفه ما عايشه في الأيام السبعة الأخيرة من رحلته. سبع حكايات يرويها دون جوان في سبع أمسيات عن سبع نساء، كل واحدة ذات "جمال لا يوصف". ولا يخفى هنا بالطبع رمزية الرقم سبعة الذي يشير إلى الكمال، فكأن دون جوان طاف العالم كله، وتعرف إلى حسناواته جميعهن. وأوضح "بدأ المغامر العاشق رحلته في تبليسي بالقوقاز حيث قابل عروسا تهرب من حفل زفافها لتتبعه. وفي اليوم التالي يحكي عن المرأة الدمشقية التي تفرجت معه على الدراويش الراقصين، ثم عن المرأتين اللتين قابلهما في بلدة سبته المغربية التابعة لإسبانيا، والمعتوهة النرويجية التي تنصرف من الكنيسة لتلقاه، والفتاة "السهلة" التي يجامعها في هولندا، ثم المرأة التي يقابلها في بلد لا اسم له، ثم في بور رويال. النساء كلهن يرغبن في دون جوان،
ويشبعن رغبتهن معه، ثم يفقدنه. دون جوان لا يحكي للراوي تفاصيل ما يحدث في لحظات الوصال، على العكس من الخادم الذي يفيض في وصف أوقات اللهو الماجنة التي قضاها مع امرأة وصُفت بالدمامة.
لم تكن الشهوة هي محرك دون جوان، ولا المجون. إنه يسدد نظرة إلى امرأة، وتعرف المرأة على الفور أن هذا هو فارسها. لم يكن دون جوان في يوم مغويا، إنه لم يغو امرأة، كما لم تفتنه حسناء، هكذا يقول الراوي.
كل امرأة انجذبت إلى دون جوان لأنها رأت فيه "سيد ذاته". هذا ما تدركه مع مرور الوقت. وفي لحظات الوصال تعتبره "سيدها". إنه الفارس الذي سينقذها". ورأى جريس أن دون جوان لم يخطط أبدا للإيقاع بامرأة. إنه يستمد سلطته من نظرات عينيه. نظرة دون جوان فاعلة؛ ليست نظرات شهوانية، إنها تطلق شهوة المرأة من إسارها، من غير أن تثير الشهوة.
المرأة تدرك عندئذ كم هي وحيدة، وكم هي جميلة، تشعر بأنها أصبحت أجمل، ليس هناك أجمل منها. يستمد دون جوان سطوته من الحزن أيضا؛ من الحزن على طفل ميت، هكذا يخمن الراوي،
من تماهي اللحظة المُعاشة مع الأبدية، ومن حتمية الهروب الدائم. لم تكن المشكلة التي تشغل بال دون جوان هي العاطفة أو الشهوة، بل الزمن. إنه يريد أن يكون سيد وقته، ولهذا تنظر النساء إليه باعتباره "سيد الزمن".
وأكد أن هاندكه لا يقدم حكاية بالمعنى التقليدي. إنه يثير أسئلة عديدة، ويقدم تأملات عن الزمن، عن الحب والموت، بل وأيضا عن روحانية العشق.
لن يستمتع القارئ المتعجل بهذا الكتاب، ولا القارئ الباحث عن مواضع إباحية مثيرة. "دون جوان" هاندكه تجسيد للوفاء، الوفاء للعاطفة في لحظتها.
يحطم هاندكه في روايته صور دون جوان الشائعة الواضحة المعالم، ليقدم صورة غائمة عن عاشق مسكون بقلق فاوستي يدفعه دوما إلى مواصلة الرحيل والبحث عن المشاعر الحقيقية.
وفي نهاية الرواية يقول هاندكه إن كل شخصيات دون جوان السابقة كانت مزيفة، وأن "دون جوانه" هو الحقيقي والصادق. أم أنه يؤكد صحة الجملة التي تستهل الرواية، والتي وردت في أوبرا "دون جوفاني": "لن تعرف أبدا مَن أنا"؟
|
|
![Edit](https://sudaneseonline.com/db/icon_edit.gif)
|
|
|
|
|
تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook
|
|