شاهدت فيديو للدباب الأسبق الناجي عبدالله مدافعاً عن 'المشروع الإسلامي' وإستعدادهم للموت دونه تتبعه تكبيرات الأسلاميين المعهودة مع الاصبع الممتد للسماء، عادت بي الذاكرة إلى ربع قرن من الزمان حيث الإنقاذ في شدة بأسها وقوتها، كانت تحاصر أبناء جيلنا ونحن طلاب في الجامعات هتافاتهم العدمية بإراقة كل الدماء وتوعد أمريكا وروسيا بالعذاب في وقت واحد! كان صوت الناجي هو الأعلى والأكثر حماسة وسط الإسلاميين في جامعة الخرطوم، كان الناجي ورفقائه واثقين من نجاح مشروعهم العظيم بإعادة الخلافة الإسلامية المفترى عليها، أذكر حينها إن النشاط السياسي كان محظوراً في حرم جامعة الخرطوم لذا كانت التنظيمات السياسية تعقد أركان نقاشها في داخليات الطلاب، في مساء أغبر جاءنا الناجي في داخلية كلية الطب مرتدياً الكاكي ليحدثنا عن الفتح الموعود، كان ذلك في عام ٩٤ وقبل إنعقاد كأس العالم في امريكا بشهور قليلة، قال الناجي حينها إن قواتهم، أيام صيف العبور، لن تتوقف في نمولي بل ستواصل جنوباً حتى رأس الرجاء الصالح وغرباً حتى واشنطون، حينها إنبرى أحد الطلاب الساخرين من إحدى شرف الداخلية صائحاً ' يا الناجي خلينا نحضر كاس العالم بعد كدا خشوا امريكا' ضاع موضوع نقاش الناجي حينها وسط ضحكات الطلاب، تمر الأيام والسنين وإذا الناجي لا زال واقفاً في نفس المحطة حالماً بمشروعه الإسلامي، لا ضير في ذلك فمن حقه أن يكون 'منطقياً في لا منطقيته'، أستعير هذا الوصف من دكتور منصور خالد في مقام آخر، داء التحنط التاريخي لم يصاب به الناجي وحده فالتاريخ مليئ بقصص أشخاص قضوا حياتهم مدافعين عن أفكار بالية تخطاها الزمن وأثبت فشلها، جسّد هذه الحالة بشكل طريف الفيلم الألماني 'وداعاً لينين' حيث يحكي قصة إمرأة من ألمانيا الشرقية قضت جزءاً كبيراً من حياتها ناشطة في الحزب الإشتراكي لتصاب بحالة أغماء لم تفق منها إلا بعد إنهيار جدار برلين، حذّر الأطباء إبنها بأن تعرضها لأي صدمة قد يفقدها حياتها فإضطر الإبن بإيهامها بإن النظام الإشتراكي لازال موجوداً وحاول خلق عالم خيالي في محيط منزلها حتى لا تعرف بإنهيار النظام بطريقة كوميدية رائعة، لن نجادل الناجي في نجاح المشروع او فشله فالشعب السوداني صوت ضده بالملايين أمام أعين الناجي ورفاقه، نقول لهم هذا البلد يسعنا جميعاً وفي سودان بعد الثورة يحق لكم أن تحلموا كما شئتم ما دام الفيصل هو صندوق الإقتراع وما ترتضيه غالبية الشعب، أما حديثك عن لبس الميري والعودة إلى الكاكي فهذا زمن قد ولّى يجب عليك أن تتراجع عنه إن كنت ترغب في مشاركة أي كانت بعد هذه الثورة المباركة، أما إن أصررت على إعادة صياغة الإنسان السوداني رغماً عنه وإدخاله الجنة شاء أم أبى عندها سنضطر في حبسك في غرفة على نهج نفس الفيلم محاطاً بتسجيلات ساحات الفداء وزمراً في الجنة زمراً ونزودك بصور فوتوشوب للدبابين في البيت الأبيض وميدان الطرف الأغر حتى يهدأ بالك سامي أحمد عمر لندن-أونتاريو
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة