من الطب الوقائي في السُنَّة النبوية....

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-30-2024, 10:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-31-2020, 12:33 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من الطب الوقائي في السُنَّة النبوية....

    11:33 AM January, 31 2020

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    الطب الوقائي في هدي النبي صلى الله عليه وسلم يتناول ما جاءت به السُنة من أمْر المسلم بعنايته بسلامة جسده، ومحافظته على البيئة التي يعيش فيها، والوقاية من انتشار الأمراض والأوبئة المُعْدِية، حرصًا منه صلوات الله وسلامه عليه، ليس على سلامة صحة المسلم والمجتمع الإسلامي فحسب، ولكن على عموم البشرية كلها، فإن الأمراض المعدية إذا انتشرت في مجتمع فإنها لا تخصُّ أتباع دين دون دين، ولا تختار إنساناً دون إنسان، ولكنها تؤثر على حياة الناس في المجتمعات كلها، والله عز وجل قال عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107).

    والطب الوقائي في المنهج النبوي يقوم على الوقاية من الأمراض قبل وقوعها، والعلاج منها بعد وقوعها، أما قبل وقوعها، فيكون بالطهارة والنظافة، والمحافظة على البيئة، والطعام والشراب الصحي.. وأما بعد وقوعها فيكون بالتداوي عامة، والحَجْر الصحي مع الأمراض المُعْدية خاصة.

    الوقاية قبل وقوع المرض: طهارة ونظافة البدن والفم، وسنن الفطرة:
    بُعِث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة بعيدًا عن حياة المدن والحضارات، ومع ذلك أخذ يُرشد الناس إلى أهمية النظافة والغسل، ومن أبرز مجالات الطب الوقائي في السنة النبوية الطهارة والنظافة للجسد كله، وخاصة نظافة بعض أماكن في الجسد يكثر فيها العرق والميكروبات، بل وجعل ذلك من سنن الفطرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من الفطرة (من سنن الأنبياء): الختان، والاِسْتِحْدَادُ (حَلْقِ العَانَة)، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وقص الشارب) رواه البخاري. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى المحافظة على نظافة وطهارة الفم، فقال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) رواه أحمد، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: " لقد كنا نؤمر بالسواك، حتى ظننا أن سينزل به قرآن".

    وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمان) رواه مسلم. قال ابن الجوزي: "الطهور هاهنا يراد به التطهر". وقال ابن عثيمين: "فهو يشمل الطهارة الحسية والمعنوية". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) البخاري.

    والغسل ما بين واجب ومستحب، فالغسل واجب عند الجنابة وعند الحيض وغير ذلك، ومستحب في العيدين والإحرام وغيرهما، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حدد للمسلم فترة زمنية قصوى للفارق بين الغسلين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حقٌّ على كل مسلم، أن يغتسلَ في كل سبعةِ أيامٍ يوما، يغسل فيه رأسَه وجسَدَه) رواه البخاري.

    الطعام والشراب:
    يظهر الطب النبوي الوقائي في الطعام والشراب من خلال مظاهر كثيرة منها:
    تحريم أكل بعض الحيوانات وشرب ألبانها مثل ذي الناب والمخلب، وأسلوب ذبح الحيوانات الجائز أكلها من خلال التسمية عليها، ونظافة الطعام والشراب كتغطيتهما، وآداب الطعام والشراب كالنهي عن الأكل متكئاً والشرب مِن فيّ السقاء، والحض على تناول بعض أنواع من الطعام والشراب كالتمر وزيت الزيتون، وعدم ملء البطن بالطعام والشراب، فعن المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنِه، بحسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلات يُقِمْنَ صُلبَه، فإن كان لا محالة، فثُلُثٌ لطعامِه، وثُلُثٌ لشرابه، وثُلُثٌ لنفَسِه) رواه الترمذي وصححه الألباني. قال ابن رجب: "هذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت دكاكين الصيادلة ".

    نظافة البيئة من الطب الوقائي النبوي:
    نظافة البيئة أحد أسباب المحافظة على الصحة وهي تدخل ضمن المنهج الوقائي في الطب النبوي، فلم يهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر المسلم بنظافة جسده وثيابه فقط، بل اهتم كذلك بأمره بنظافة البيئة التي حوله، والمحافظة عليها، حتى يعيش الناس في بيئة صحية خالية من الأوبئة والأمراض، ومن ثم فكل أمر يلوث البيئة من حولنا سواء كان يتعلق بالماء، أو الهواء، أو الطريق، فهو مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) رواه البخاري. وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عُرِضت عليَّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت من محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت من مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تُدْفَن) رواه البخاري.

    أما بالنسبة لتلويث الهواء ـ وتلويث البيئة بوجه عام ـ فذلك غير جائز ومنهي عنه، ويدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر، ولا ضرار) رواه البيهقي وغيره.

    التداوي بعد وقوع المرض:
    إذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم تعاليم وتوجيهات فيما يخص الوقاية من الأمراض قبل وقوعها، فإن المنهج النبوي له تعاليمه أيضًا مع الأمراض إذا وقعت، فيأمر بالتداوي والعلاج مع الأمراض عامة، وبالحجر الصحي مع الأمراض المعدية خاصة، فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: كنت عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله؛ أنتداوى؟ قال: (نعم، يا عباد الله، تداووا، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لم يضع داء إلّا وضع له دواء ـ شفاء ـ، غير داء واحد، قالوا: وما هو؟، قال: الهرم) (شدة الكبر في السن) رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.

    الحَجْر الصحي:
    أوضح مجال للطب الوقائي في الصحة العامة هو ما يُعْرَف الآن بالحَجْر الصحي عند وقوع الأوبئة، وهو أهم الوسائل للحَدِّ من انتشار الأمراض الوبائية في العصر الحاضر، وبموجبه يُمنع أي شخص من دخول المناطق التي انتشر فيها نوع من الوباء، والاختلاط بأهلها، وكذلك يمنع أهل تلك المناطق من الخروج منها.

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في عدد من الأحاديث مبادئ الحجر الصحي بأوضح بيان، فمنع الناس من الدخول إلى البلدة المصابة بالطاعون، ومنع كذلك أهل تلك البلدة من الخروج منها، بل جعل ذلك كالفرار من الزحف الذي هو من كبائر الذنوب، وجعل للصابر فيها أجر الشهيد. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ تُورِدُوا المُمْرِضَ عَلَى المُصِحِّ) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: (فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَد) رواه البخاري، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه) رواه البخاري. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف) رواه أحمد، وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال: (أَنَّه كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ) رواه البخاري .

    فائدة: المسلم يعلم أن الأخذ بالأسباب الشرعية لا ينافي التوكل على الله، فلا يترك الأسباب الشرعية فيقع في التواكل والتفريط، وكذلك لا يعتقد في الأسباب فيقع في الشرك، والأحاديث السابقة وغيرها يؤخذ منها إثبات العدوى والحجر الصحي، والأخذ بأسباب الوقاية من الأمراض، ومن المعلوم أنه قد ثبتت أحاديث في نفي العدوى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) رواه البخاري. وقد أزال العلماء هذا التعارض وجمعوا بين النصوص.

    قال النووي بعد أن نقل وجوب الجمع بين الأحاديث التي في ظاهرها تعارض: "ثم المختلف قسمان: أحدهما يمكن الجمع بينهما فيتعين ويجب العمل بالحديثين جميعا، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه، ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع، لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به .. ومثال الجمع حديث (لا عدوى) مع حديث (لا يورد ممرض على مصح)، ووجه الجمع أن الأمراض لا تعدى بطبعها، ولكن جعل الله سبحانه وتعالى مخالطتها سببا للإعداء، فنفى في الحديث الأول ما يعتقده الجاهلية من العدوى بطبعها، وأرشد في الثاني إلى مجانبة ما يحصل عنده الضرر عادة بقضاء الله وقدره وفعله". وقال الشيخ الألباني: "واعلم أنه لا تعارض بين الحديث وبين أحاديث العدوى، لأن المقصود منها إثبات العدوى، وأنها تنتقل بإذن الله تعالى من المريض إلى السليم".

    الصحة من نعم الله عز وجل العظيمة على الناس، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري. وقد احتوت كتب السُنة على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تتعلق بالأمراض وعلاجها، وكتب بعض العلماء كتباً خاصة في ذلك، فلنحرص على صحتنا البدنية والروحية بتطبيق هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حياتنا، فهديه أكمل الهدي صلوات الله وسلامه عليه.
    ------------------------------------------------------------------
    "إن كان قال فقد صدق"، كلمة قالها أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبر كفار قريش عن رحلة الإسراء والمعراج فكذبوه، وهي تعبر بصورة واضحة عن منهج الصحابة رضوان الله عليهم مع كلام وأوامر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه صلوات الله وسلامه عليه عندهم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}(النَّجم 4:3). ولم يتوقف الصحابة رضوان الله عليهم عند حدود تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وفقط، بل كانوا يتبعون التصديق بسرعة الاستجابة والعمل بما أمرهم به.
    وقد أمرنا الله عز وجل بالاستجابة لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، والانتهاء عما نهى عنه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال:24)، قال السعدي: "يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو الاستجابة لله وللرسول، أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه والنهي عنه". وقال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر:7). قال ابن كثير: "أي: مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر".

    والسيرة النبوية زاخرة بالكثير من الصور والأمثلة الدالة على سرعة استجابة الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم في أمره بالامتثال والطاعة، وفي نهيه بالاجتناب والبعد، ومن ذلك:

    ـ لا تسأل أحداً شيئا :

    عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال صلى الله عليه وسلم: ألا تبايعون رسول الله؟ وكنا حديث عهدٍ ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فعلام نبايعك؟ قال صلى الله عليه وسلم: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا، وأسرَّ كلمة خفية، ولا تسألوا الناس شيئا. قال عوف: فلقد رأيتُ بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إياه) رواه مسلم. قال القرطبي: "وأخْذه صلى الله عليه وسلم على أصحابه في البيعة أن لا يسألوا أحداً شيئا، حمْلٌ لهم على مكارم الأخلاق، والترفع عن تحمل مِنَن الخَلق، وتعليم الصبر على مضض الحاجات، والاستغناء عن الناس، وعزة النفوس، ولما أخذهم بذلك التزموه في جميع الأشياء، وفي كل الأحوال حتى فيما لا تلحق فيه مِنَّة، طردًا للباب وحسْماً للذرائع".

    ـ فما زالت طعمتي بعد :

    فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: (كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، فما زالت طعمتي بعد) رواه البخاري. قال ابن حجر: "أي لزمت ذلك وصار عادة لي .. وفيه منقبة لعمر بن أبي سلمة لامتثاله الأمر، ومواظبته على مقتضاه".

    ـ لا أَضرِب مملوكاً بعده أبدا :

    عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: (كنتُ أَضرِب غلامًا لي بالسوط، فسمعتُ صوتًا مِن خلفي: اعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصوت مِن الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، قال: فألقيتُ السَّوط من يدي، فقال: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، قال: فقلت: لا أَضرِب مملوكًا بعده أبدا) رواه مسلم. أي: بعد هذا القول الذي سمعه وذلك امتثالا وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم.

    ـ فما سَببتُ بعدَهُ حُرّاً ولا عَبْدا :

    عن أبى جُرَيّ جابر بن سليم الهجيمى رضي الله عنه قال: (رأيتُ رجلًا يَصدرُ النَّاسُ عن رأيه (يقبلون قوله ورأيه)، لا يقول شيئًا إلَّا صدروا عنه (أخذوا منه كل ما حكم به)، قلتُ: مَن هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلتُ: عليك السَّلام يا رسول اللَّه، مرَّتين، قال: لا تَقُلْ: عليكَ السّلام، فإنَّ عليك السلام تحيَّة الميِّت، قل: السَّلام عليك، قال: قلتُ: أنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا رسولُ اللَّه الَّذي (وهو الله عز وجل) إذا أصابك ضرٌّ فدَعوتَه كشفَه عنك، وإن أصابك عامُ سَنةٍ (جدب وقحط) فدعوتَه، أنبتها لك، وإذا كنتَ بأرضٍ قَفراءَ أو فلاةٍ فضلَّت راحلتُك فدعوتَه، ردَّها عليك، قلتُ: اعهَد إليَّ (أوصني)، قال: لا تَسبَّنَّ أحداً، قال: فما سَببتُ بعدَه حُرًّا ولا عبدًا، ولا بعيرًا ولا شاة) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال المباركفوري: "قال الخطابي: هذا يُوهِم أن السُنة في تحية الميت أن يقال له عليك السلام كما يفعله كثير من العامة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل المقبرة فقال السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، فقدَّم الدعاء على اسم المدعو له، كهو في تحية الأحياء، وإنما كان ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الأموات، إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم.. والسُنَّة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات". وفي دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين: (فما سببْتُ بعده حرّاً ولا عبداً، ولا بعيراً ولا شاة): أشار به إلى كمال الامتثال (لأمر النبي صلى الله عليه وسلم)، وعدم المشاحنة في شيء من ذلك".

    ـ الاستجابة حتى في الجلوس ، وفي عدم الالتفات :

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، قال: اجلِسوا، فسَمِع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعالَ يا عبد الله بنَ مسعود) رواه أبو داود وصححه الألباني، قال ابن حجر: "(فجلس على باب المسجد) مبادرة إلى الامتثال (الطاعة)". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأُعطينَّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يَفتح الله على يديه، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أحببتُ الإمارة إلا يومئذٍ، قال: فتساوَرتُ لها، رجاء أن أُدعَى لها، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال: امشِ ولا تَلتفِت حتى يَفتح الله عليك، فسار عليٌّ شيئًا ثم وقَف ولم يَلتفِت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس؟ فقال:قاتِلهم حتى يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك، فقد منَعوا منكَ دِماءهم وأموالهم إلا بحقِّها وحِسابُهم على الله) رواه مسلم. قال القاضي عياض: "(وقف ولم يلتفت) فيه: التزام أوامره صلى الله عليه وسلم، والأخذ بظاهرها ما أمكن ولم يصرفها عنه صارف".

    ـ لا آخذه أبدا ، وقد طرحه رسول الله :

    عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده، فقيل للرّجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبدا، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم. قال النووي: "فيه المبالغة في امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتناب نهيه، وعدم الترخص فيه بالتأويلات الضعيفة".

    المسلم يعرف حقيقة الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بالتسليم لأمره، وطاعته في كل ما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه، دون ريْبٍ أو تردد أو حرج، ولو كان أمره أو نهيه مخالفاً للنفس والعقل، والطبْع والعادة، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (الأحزاب:36)، قال السعدي في تفسيره: "أي: لا ينبغي ولا يليق، ممن اتصف بالإيمان، إلا الإسراع في مرضاة الله ورسوله، والهرب من سخط الله ورسوله، وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة {إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} من الأمور، وحتَّما به وألزما به {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} أي: الخيار، هل يفعلونه أم لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمنة، أن الرسول أولى به من نفسه، فلا يجعل بعض أهواء نفسه حجاباً بينه وبين أمر الله ورسوله". وقال ابن القيم في كتابه مدارج السالكين: "رأس الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم كمال التسليم له والانقياد لأمره".
    ---------------------------------------------------------
    كان العرب قبل الإسلام في تناحر دائم، وحروب طاحنة لأتفه الأسباب، تحكمهم العصبية القبلية، والنعرات الجاهلية، كما كان بين الأوس والخزرج، إلى أن جاء الإسلام، فأطفأ تلك النار، فألف بينهم على أساس الدين والإيمان ، قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) (آل عمران:103).


    فالعصبية: هي مناصرة من يهمك أمره في حق أو باطل، وقد نهى الإسلام عن التعصب لأي رابطة غير رابطة الدين والعقيدة، واعتبر الحمية والتعصب لغير رابطة الدين دعوة جاهلية، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( قد أذهب الله عنكم ُعبِّيَّةَ الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي والناس بنو آدم وآدم من تراب ) الترمذي ، وقوله أيضا : ( من قُتِل تحت راية ُعمِّيَّةٍ يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلة جاهلية ) رواه مسلم عبية : أي الكِبر

    فالإسلام قَّرر حقيقة واحدة يتعامل الناس بها، هي رابطة الدين والأخوة، وأن التفاضل بينهم يكون بالتقوى، لا بالعرق، ولا بالجنس، قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) (الحجرات:10)، فهذه الآية وأمثالها في القرآن تدل على أن النداء برابطة أخرى غير الإسلام، كالعصبية المعروفة بالقومية، وغيرها من الروابط لا يجوز.

    ولقَدْ آخَى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصارأُخوةً، قامَتْ ولأوَّل مَرَّةِ في تاريخ العرب مقام أُخوَّة الدمِ والنسبِ، فقام الحبُّ والإيثارُ مقام العصبيَّة القبليَّة والحَمِيَّة الجاهِليَّة، فذابت كل العصبيَّاتُ وسقطت فوارِق اللون والدم والوطن، ولمْ يبق إلا حميَّة الإسلامِ، قال تعالى: ( لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) (الأنفال:63).

    وللعصبية القبلية، والنُّعرات الجاهلية، مظاهر كثيرة من أبرزها :
    الفخر بالأحساب والأنساب.
    - الفخر بالانتماء إلى الأرض والعرق .
    - الفخر بالانتماء إلى الأحزاب والقبائل
    ـ التقسيم الطبقي للمجتمع.
    ـ تعيير الآخرين في خَلْقهم وأشكالهم.
    ـ نصرة أفراد القبيلة في الحق والباطل، كقول قائلهم :
    وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد.

    وكما أن للعصبية مظاهر، فكذلك لها آثار سيئة، على الفرد والمجتمع، من أهمها:
    - الوقوع في الحقد، والغل، والكراهية، والتباغض، والقطيعة بسبب التعصب للقبيلة، أو الجنس، أو النسب أو اللغة أو غير ذلك .
    - إيقاع الوهن والتفكك في جسد الأمة الإسلامية.
    - طمع الأمم في أمة الإسلام، لأنها أصبحت أمة ضعيفة الجسد بسبب هذا التمزق والتشرذم .

    وفي الختام فكلُّ دعوى بغير الإسلام والإيمان، فهي دعوى جاهلية، وكل رابطة تقوم على غير أساس الدين والإيمان، سواء كانت باسم الآباء، أو الأجداد، أو الجنس، أو الأرض أو النسب على ضوئها يكون الولاء والبرآء، والتعاون والتنافر، فهي دعوى جاهلية يمقتها الإسلام، ويصفها بالمنتنة.
    ---------------------------------------------
    هناك قوة أو قوى حقيقية يستلزم توفرها في الفاعل ليتمكن بواسطتها من القيام بالفعل، فالفعل يستلزم فاعلاً، والفاعل يستلزم أن يكتسب قوة، ومقدار قوة الفاعل يجب أن يساوي حجم الفعل ويزيد عن قوة المفعول به، حتى يتمكن الفاعل من القيام بالفعل.
    وبما أن الجباية تتعلق بأخذ المال، والمال - كما يقال - شقيق الروح، والناس في إيمانهم متفاوتين، وكثير منهم أصابهم البخل والشح، وبما أن جباية الزكاة فريضة واجبة لا تخضع لأهواء الأغنياء، وإنما يجب أن تؤخذ منهم ولو جبراً، فإن فعل جباية الزكاة يتطلب فاعلاً ذا قوة عظيمة، لأنه يواجه أقوياء المجتمع وعليّة القوم، لينتزع منهم جزءاً من أموالهم التي هي مصدر قوتهم، لهذا كلِّه لم يكلف الله سبحانه وتعالى مستحقي الزكاة من الفقراء والمساكين بأن يأخذوا ما فرضه الله لهم من الأغنياء بأنفسهم، لأنهم غير قادرين على فعل الأخذ، وذلك لأنه لا يتوفر لديهم مستلزم الفعل وهو القوة، فهم ضعفاء، والأغنياء أقوياء، وفعل الأخذ يستلزم أن تكون قوة الآخذ أكبر من قوة المأخوذ منه، وكذلك يجب أن يستلزم الفاعل عزة، لأن الفعل في عملية أخذ المال يتطلب قوة قد تستخدم لانتزاعه، واستخدام القوة يتطلب عزة تولد شجاعة دافعة للإقدام واستخدام القوة، ومانعة من الجبن والخضوع والمسكنة.
    لذلك نجد أن القوة نوعان: قوة مادية وقوة معنوية، رغم أن كل نوع يقوي الآخر، ويمكن تصور مفعول هذه القوة في المجتمع بمصطلح يستوعب القوة بجميع أشكالها المادية والمعنوية، ألا وهو الجاه، لهذا سوف أفرد لهذا المصطلح ما يعطي صورة واضحة عنه، وعن دوره في جباية الزكاة، فسأذكر ماهية الجاه وحكمه وأهميته، من خلال هذا المطلب.

    ماهية جاه السلطان وما يترتب عليه من أحكام تجاه فريضة الزكاة:
    أولاً: ماهية جاه السلطان:
    الجاه لغة: هو المنزلة والقدر [المعجم الوسيط].
    وفي الاصطلاح: هو سمو المنزلة والقدر الذي يتمتع بهما السلطان بحكم وظيفته الرسمية كحاكم أعلى للدولة.
    فالجاه هو من المقومات المتطلب وجودها لتمكين المأمور شرعاً بإقامة الزكاة، وهو الحاكم؛ ابتداء بجباية الزكاة، وانتهاء بردها إلى أهلها.

    ثانياَ: ما يترتب على جاه السلطان من أحكام تجاه فريضة الزكاة:
    لقد ترتب على جاه السلطان تجاه فريضة الزكاة حكمان واجبان:
    الأول: جباية أموال الزكاة من الأغنياء، والثاني: رد أموال الزكاة إلى أصحابها (الأصناف الثمانية)، فحكم قيام السلطان بجباية الزكاة هو الوجوب، فقد فرض الله جبايتها في القرآن الكريم على ولي أمر المسلمين، ومن الأدلة على مسؤولية السلطان عن جباية الزكاة ما يلي:
    1. قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة:103]، قال أبو حيان رحمه الله: «في قوله: {خُذْ} دليل على أن الإمام هو الذي يتولى أخذ الصدقات وينظر فيها» [التفسير الكبير المسمى البحر المحيط].
    وقال الفقيه الحنفي كمال الدين بن الهمام: "إن ظاهر قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة:103]، توجب حق أخذ الزكاة مطلقاً للإمام، وعلى هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتان بعده، فلما ولي عثمان وظهر تغير الناس كره أن يفتش على الناس مستور أموالهم ففوض الدفع إلى الملاك نيابة عنه، ولم تختلف الصحابة عليه في ذلك. وهذا لا يسقط طلب الإمام أصلاً، ولذا لو علم أن أهل بلدة لا يؤدون زكاتهم طالبهم بها" [شرح فتح القدير].
    وما ورد من نصوص في تفسير هذه الآية يؤيد ما نذهب إليه من وجوب قيام الدولة المسلمة (ولي الأمر) بما كلفت به شرعاً، وهو القيام بوظيفة جباية زكاة المسلمين، وذلك لما لها من قوة وجاه وسلطان لا يتوفر لأي مؤسسة أو أي جهة أخرى.
    2. قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [سورة التوبة:60].
    يقول العلامة القرضاوي: «إن أبرز دليل على مسؤولية الدولة عن شؤون الزكاة، أن الله تعالى ذكر القائمين على أمر الزكاة جمعاً وتفريقاً، وسماهم {العاملين عليها} ... وجعل لهم سهماً في أموال الزكاة نفسها، ولم يحوجهم إلى أخذ رواتبهم من باب آخر، تأميناً لمعاشهم، وضماناً لحسن قيامهم بعملهم» [فقه الزكاة].
    فالله تعالى جعل الزكاة فريضة توجب حقاً لفئات ضعيفة في المجتمع، ولا يعقل أن يترك الفقراء وهم يطرقون أبواب الأغنياء بذلة وصغار، لأن ذلك يتناقض مع تكريم الله لبني آدم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [سورة الإسراء:70]، لذلك لم يكلف الإسلام الفقير بطلب الزكاة من الغني، بل أمر ولي الأمر أن يأخذ الزكاة من الغني ويردها إلى الفقير، ليحافظ على كرامة المسلم فلا يطأطئ رأسه إلا ساجداً وراكعاً لله تعالى.

    3. حديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل - حين بعثه إلى اليمن– ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب. فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله...، فإن هم أطاعوك لذلك، فأخبرهم: أن الله قد فرض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم...)).
    قال ابن حجر في الفتح: "فيقوله: (تؤخذ من أغنيائهم) استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه، فمن امتنع منها أخذت منه قهراً،[فتح الباري شرح صحيح البخاري].
    4. قوله صلى الله عليه وسلم في الزكاة: ((من أعطاها مؤتجراً فله أجره، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شيء))، أخرجه الإمام أحمد، وحسنه لألباني، وصححه الحاكم. ونستدل من هذا الحديث على وجوب قيام الجابي برفع أمر من امتنع عن دفع الزكاة لولي الأمر، وهذا يدل على حق الدولة بأن تجبر الممتنعين عنها على دفعها.

    وما جاءت به السنة القولية، أكدته السنة العلمية والواقع التاريخي الذي جرى عليه العمل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين من بعده.
    قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" عند تخريج ما ذكره الإمام الرافعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يبعثون السعاة لأخذ الزكاة: هذا مشهور، ففي الصحيحين عن أبي هريرة: بعث عمر على الصدقة. وفيهما عن أبي حميد: استعمل رجلاً من الأزد يقال له "ابن اللتبية". وفيهما عن عمر: أنه استعمل ابن السعدي.
    وقال ابن إسحاق: وبعث المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء فخرج عليه العنسي وهو بها، وبعث زياد بن لبيد إلى حضرموت، وبعث عدي بن حاتم إلى طيئ وبني أسد، وبعث مالك بن نويرة على صدقات بني حنظلة، وفرق صدقات بني سعد على رجلين، فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية، وقيس بن عاصم على ناحية، وبعث العلاء بن الحضرمي على البحرين، وبعث علياً - رضوان الله عليه - إلى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم، [زاد المعاد].
    وما أخرجه البيهقي في سننه عن الإمام مالك عن عمر بن حسين عن عائشة بنت قدامة عن أبيها أنه قال: «كنت إذا جئت عثمان بن عفان أقبض منه عطائي يسألني هل عندك من مال وجبت فيه الزكاة؟ فإن قلت: نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال وإن قلت لا دفع إلي عطائي».
    ويتضح من خلال فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه -وبصفته أمير المؤمنين وولي أمرهم- باقتطاع حق الله تعالى (الزكاة) من حق العبد (العطاء)، ولولا أن جباية الزكاة واجبة على ولي الأمر، وأنها مقدمة على حق مستحق العطاء بعطائه ما كان فعل ذلك رضي الله عنه.
    ولهذا قال العلماء: «يجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة؛ ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يبخل، فوجب أن يبعث من يأخذ...» [المجموع شرح المهذب].

    وقد أوجب الإمام الشافعي على الولاة جمع الزكاة، وأنه لا يجوز لهم ترك هذا الواجب قال: «فرض الله عز وجل على أهل دينه المسلمين في أموالهم حقاً لغيرهم من أهل دينه المسلمين المحتاجين إليه، لا يسع أهل الأموال حبسه عمن أمروا بدفعه إليه من أهله، أو ولاته، ولا يسع الولاة تركه لأهل الأموال; لأنهم أمناء على أخذه لأهله منهم، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [سورة التوبة: 103]، ففي هذه الآية دلالة على ما وصفت من أن ليس لأهل الأموال منع ما جعل الله عز وجل عليهم ولا لمن وليهم ترك ذلك لهم»، [الشافعي: الأم، كتاب الزكاة].
    أما الحكم الثاني المترتب على جاه وهيبة السلطان فهو القيام برد أموال الزكاة إلى أصحابها (الأصناف الثمانية)، وذلك لأن مصطلح (الرد) هو المصطلح الصحيح الذي يبقي حق ملكية أموال الزكاة لأصحابها ولا تنتقل الملكية لأحد أثناء انتقال تلك الأموال ابتداء بوجودها في أوعية الأغنياء، ومرورا بيد الحاكم بعدما أخذها من الأغنياء، أي أن أيدي كل من الأغنياء والسلطان هي أيدي أمانة فقط، لذلك فمصطلح الرد هو من الإعجاز التشريعي كما سبق أن ذكرنا في مقال سابق بعنوان: (الإعجاز المقاصدي في مصطلحات تشريعات الزكاة وأثره في حفظ كرامة الفقراء)، ورد الأمانات إلى أهلها هو من واجبات السلطان للأدلة التالية:

    1. قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [سورة النساء:58].
    فرد الأمانات من واجبات الإمارة في الإسلام، فأموال الزكاة بعد جبايتها، هي من الأمانات التي أمر الحاكم بردها إلى أهلها وهم الأصناف الثمانية المذكورين في {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة:60].

    2. قوله صلى الله عليه وسلم: ((تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) [متفق عليه].
    فأموال الزكاة العائدة ملكيتها إلى الأصناف الثمانية هي أمانة عند الأغنياء ابتداء؛ بمجرد أن أصبحوا أغنياء، وانتهاء بيد السلطان (الحاكم) بمجرد إيتاء الأغنياء بأموال زكاتهم إليه، أو عندما يأخذها بالقوة عنوة من الأغنياء؛ والدليل على ذلك ثبوت ملكية أموال الزكاة لمستحقيها كحق معلوم فرض، قد بنص القرآن الكريم، لذلك فأن تشريعات إقامة الزكاة ما هي إلا آلية لإيصال تلك الأموال إلى مستحقيها مع الحفاظ على بقاء ثبات الملكية لهم أثناء عملية تطبيق الزكاة، أي عدم انتقالها إلى ذمة أي جهة أخرى حتى الدولة نفسها.
    ومما سبق من أدلة من الكتاب والسنة وعمل الصحابة الكرام وفتاويهم، يتبين لنا أن القيام بفريضة الزكاة (جباية ورد) هي من وظائف السلطان الأساسية لما له من هيبة وجاه تمكناه من القيام بفريضة الزكاة، بصفته رأس الدولة، وصاحب الجاه الأكبر فيها.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    المصدر: اليافعي، محمد بن سالم، رسالة دكتوراه" الصندوق العالمي للزكاة، أسسه العقدية وآثاره الاقتصادية" جامعة محمد الخامس الرباط 2018م.
    ------------------------------------------------------
    سمه إن شئت التزاما أجوفا، أو ضعف إيمان، أو قسوة قلب، أو غفلة، أو هداية ناقصة.. فكلها في الحقيقة تعود إلى أعراض واحدة، وعلاماتها متوافقة، ومظاهرها متشابهة. فترى الشخص ظاهره الالتزام ولكنه في أفعاله وواقعه كثيرا ما يخالف هذا الظاهر الطيب.

    مظاهر هذا المرض:
    وقد ذكر الدعاة والمشايخ والعلماء بعض هذه المظاهر لصاحب هذا المرض فكان مما أجملوه:
    ـ "عدم الخشوع في الصلاة، وعدم التبكير إليها، وأحيانا النوم عن الصلاة المكتوبة، خصوصاً صلاة الفجر والعصر. وكثرة التفريط في أداء النوافل من الصيام والقيام والسنن والرواتب.

    ـ عدم الاهتمام بقراءة القرآن وحفظه، مع ترك الأوراد اليومية والأذكار وعدم التألم لفواتها.

    - سوء الأخلاق والمعاملة، وعدم قبول النصيحة من الآخرين، وحب التسيب وعدم الانضباط. والولع بالخصام وكثرة المجاملة، وهذا سبب لنسيان العلم وقسوة القلب.

    - إضاعة الوقت فيما لا فائدة منه، والانشغال بالملهيات، وكثرة الضحك والمزاح، وعدم الجد في أمور الدين والدنيا أحيانا، والسهر إلى ساعات متأخرة من الليل في غير منفعة، وعدم التأسف على ضياع الوقت والعمر.

    ـ التعلق بغير الله سبحانه وتعالى. والاهتمام بالمظهر اهتماماً فوق المعتاد.

    ـ ضعف في أمور الديانة وأخلاق أهل الهدى كإخلاف الوعد، والمزاح بالكذب، وعدم إنكار المنكر. وعدم الورع في الفتوى، والتساهل في الوقوع في الشبهات، وعدم التخلص من رواسب الجاهلية". (ملخص من محاضرة الالتزام الأجوف: للعايد).

    إنه التزام أجوف، أو هداية ناقصة لم يأخذ صاحبها بمجامعها ولا تمسَّك بأهدابها، كما يقول الشيخ علي القرني حفظه الله في أحدى محاضراته:
    "من لم يهتد على الحقيقة ويأخذ بأسباب الهداية، ولم تنهض همته لها، لا يزال قلبه في حضيض طبعه محبوسا منكوسا، راعٍ مع الهمَل، سائمة مع الأنعام، استطاب لقيمات الراحة والبطالة، واستلان فراش العجز والكسل والبلادة".

    ليس مهتديا على الحقيقة:
    "الهداية على الحقيقة" تسر صاحبها وترقيه، وتبشره وتهديه، تنفعه وترفعه، فلا يزال يحلق في سماء المعالي حتى لا ينتهي تحليقه دون عليين برحمة أرحم الراحمين، فمن سار مهتديا على الحقيقة، رجونا له الوصول وإن طال الدجى.
    ولكن كثيرا من الناس مهتد هداية الحيارى، اسم ولا رسم، ومنظر ولا مخبر، وخيال ولا حقيقة..

    فهل يكون مهتديا حقا من يوالي أعداء الله ويتخذهم بطانة من دون المؤمنين، ولو صلى وصام وحج وزكى؟ يكرم من أهانه الله، ويعز من أذله الله، ويدني من أبعده الله، ثم يدعي هداية الله!!

    هل يكون مهتديا حقا من ظاهره الاستقامة، ثم في انهزامية مقيتة وبحجة ضغط الواقع يتراجع عن ثوابت الدين ومسلماته؟
    أما إن الحق لا ينقلب باطلا، ولا الباطل يصير حقا مهما كانت التبعات.

    هل يكون مهتديا على الحقيقة من يهمل حقوق الخلق ويسيء في المعاملات، لا يتقبل النصح ويرى ذلك اتهامات؟! يعيش الفوضى وعدم الانضباط، مضيعا وقته، غير منتظم في درس، أو محاضرة، أو عمل نافع، أو حلقات، ومع هذا فهو منشغل بالملهيات، مغرق في سماع الأناشيد والتمثيليات، سيارته ومكتبه مستودع للأناشيد والطرائف والاحتفالات؛ يحفظها حفظا يفوق حفظ الأحاديث والآيات، حتى إن بعضهم ليذهب مع اللحن يترنم ويطرب، ثم يبكي ما لا يبكيه عند سماع قوارع الآيات، ولربما صاحبها الدف، وترخص في ذلك، فلم يشعر إلا وهو من أهل الأغنيات؟ فالهبوط سهل والارتقاء صعب التبعات.

    عفوا إخوتي: من كتم داءه، قتله، آن لنا أن نتعرف على دائنا ونعلنه لعلنا نتعاون فنصلحه.
    عظم بيننا الاهتمام بالتحسيني والكمالي، وترك الحاجي والضروري، صارت الكماليات عندنا ضروريات، "فنأكل الحلوى ونحن في بلوى" كما قيل، وبعضنا مهتم بمظهره اهتماما يفوق اهتمام البنيات، ألف السطحية والمظهرية، فهو تمثال خشب لا يخيف ولا يرهب، يمني نفسه ويسوف، وقد أمن الهرم كما أمن الصيدَ حمامُ الحرم.
    يد فارغة، ويد لا شيء فيها، فضول بلا فضل، وسن بلا سنة، متساهل في الأمر الخطير، متشدد في الأمر السهل اليسير.

    وبعضنا ـ بل الكثير ـ لم يتخلص من رواسب الجاهلية من صور وقنوات ومجلات، لا يتورع عن المشتبهات، يتهاون بالسنن والمندوبات، ويفرط في الواجبات، جلساؤه قبل أن يهتدي هداية الخيال هم جلساؤه بعدها، مع أنهم أخطر شيء عليه؛ إذ هم أعرف الناس بنقاط ضعفه، ...
    عاداته، أفكاره، اهتماماته هي هي لم تتبدل، لم يزل مُصِّرًا على بعض المال المشتبه، حتى إذا ما تورع عن بعض مال حرام، لم يزل لسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات؛ يشتم ذا ويجرح ذاك ويعدل ذلك.
    أمانيه، حبه، بغضه، عطاؤه، منعه، هي هي، ولاؤه لمصلحته، عداؤه لكل ما يقف في طريقها، نفعي ذاتي، مستصعب مخالفةَ الناس والتحيزَ إلى الله ورسوله.
    أيكون من هذا حاله مهتديا على الحقيقة؟
    كلا إنما هو عش حمامة .. .. عود من غرب وعود من ثمامة، بل غيمٌ حمَى الشمسَ ولم يمطر ولم يكف.

    حقيقة الهداية والمهتدي
    الهداية على الحقيقة.. تحول جذري؛ مظهري ومخبري، والله ما يجدر بحامل الهداية أن يظهر بمظهر يرده الشرع، فلو خالف حامل الهداية، لكان كل مخالف أشرفَ منه، فلطخة في الثوب الأبيض ليست كلطخة في الثوب الأسود كما قيل.

    أنت للهداية لا للتلبيس، إنما التلبيس خلق إبليس. أنت للنور لا للظلمة، ربما زلة أهلكت، وعثرة قتلت، وفائت لا يستدرك، لا يبنى على الصلاح إلا صالح، وكل ما بني على الفساد فهو فاسد، ولن يأتي يوم فيقول مهتد على الحقيقة لإبليس: "رضي الله عنه"! بل نعوذ بالله منه.
    إذا ما الجرح رُمَّ على فساد .. .. تبين فيه تفريط الطبيب

    الهداية ليست كلمةً تقال، بل هي حقيقة ذاتُ تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال، وما حقيقة كخيال.

    الهداية على الحقيقة عبودية مطلقة لله رب العالمين، والعبد المطلق ـ كما يقول ابن القيم في كلام قيم مضمونه في تصرف: لا تملكه رسوم، ولا تقيده قيود، عمله على مراد ربه، ولو كانت راحة نفسه في سواه، ملبسه ما تهيأ، مأكله ما تيسر، شغله ما أمر به في وقته، مجلسه حيث انتهى وخاليا وجد، لا تملكه إشارة، ولا يتعبده قيد، ولا يستولي عليه رسم، حر متجرد، دائر مع الأمر المأمور به حيث دار، يأنس به كل محب، ويستوحش منه كل مبطل؛ كالغيث حيثما وقع نفع، وكالنخلة لا يسقط ورقها، وكلها منفعة حتى شوكها، حزم مع المخالفين لأمر الله، غضب إذا انتهكت محارم الله، فهو لله وبالله، ومع الله، واها له ما أغربه بين الناس! وما أشد وحشته! وما أعظم أنسه بالله وفرحه وطمأنينته وسكونه، والله المستعان، وعليه التكلان!.

    هذا دأب المهتدي حقيقة في السير إلى الله، كلما رفعت له منزلة سار إليها واشتغل بها، حتى تلوح له منزلة أخرى، ولم يزل هذا دأبه حتى ينتهي سيره، فإن رأيت العلماء رأيته بذاته معهم، وفي سمتهم وعلمهم وزيهم، وإن رأيت العباد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين والمحسنين رأيته معهم، وإن رأيت العاكفين الخاشعين المخبتين رأيته معهم:
    كالليث يسرف في الفعا .. .. ل وليس يسرف في الزئير

    الهداية الحقيقية تمثيل للدين في تصريف شئون الحياة، واستخلاف للمهتدين في الأرض، وتبديل للخوف بالأمن، وعد واقع ماله من دافع، إنه وعد الله، ووعد الله حق، ولن يخلف الله وعده، قال الله: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} [النور:55]
    وعد من الله للعصبة المهتدية في كل عصر، وسنة من الله: {ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الفتح:23].
    --------------------------------------------
    "الدنيا ليست بدار قرار، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها فيها الظعن، فكم من عامر عما قليل يخرب، وكم من مقيم عما قليل يظعن". (عمر بن عبد العزيز).
    وإن أخوف ما يخاف على المرء فيها، اتباع الهوى وطول الأمل، فإن اتباع الهوى يصد عن الحق وإن طول الأمل ينسي الآخرة.(علي بن أبي طالب).

    والشباب هم أكثر فئة يمكن أن تتعرض للوقوع في طول الأمل، ومحبة البقاء، وتوقع طول العمر؛ إذ هم ما زالوا في بداية حياتهم، ومقتبل أعمارهم، كما يقال، فيدب إليهم داء طول الأمل، ويسرع فيهم عمله، وتصيبهم آفاته وعلله.

    إن الإنسان إذا طال أمله في هذه الحياة، زاد تعلق قلبه بها، وذهل عقله عن إدراك حقائقها؛ فتشغله الظواهر، وتخدعه المظاهر، وتلهيه السفاسف عن إدراك الحقائق، ويشغله طلب الدنيا والعمل لها والتذذ بمتاعها عن مهمته الأساسية ووظيفته الحقيقية، فيبقى في هذه الغفلة ـ ما لم يتداركه الله برحمته ـ فلا يفيق منها إلا مع فجأة الموت "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا".. فإذا رأى عاقبة طول أمله وتسويف عمله نادى بأعلى صوته: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت} ولكن للأسف الإجابة {كلا}.

    أيها الشباب
    إن طول الأمل داء علاجه في دواءين عظيمين:
    الأول دوام محاسبة النفس. والثاني: لزوم ذكر الموت.

    فأما العلاج الأول "وهو دوام محاسبة النفس" فمعناه:
    أن يتصفح الإنسان عمله، وينظر في أقواله وأفعاله وجميع ما يصدر منه أولا بأول.. فإن وجد خيرا محمودا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن وجده شرا مذموما استدركه إن أمكن، وتاب منه واستغفر، وانتهى عن مثله في المستقبل.

    والأصل في هذه المحاسبة في كتاب الله في قوله تعالى:
    . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر:18].
    . وقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:47].
    . وقوله: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}[الكهف:49].
    . وقوله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6].
    . وقوله: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[الزلزلة:6 - 8].
    . وقوله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه}[آل عمران:30].
    . وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}[البقرة:235].
    . وقوله: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}[البقرة:281].

    فبهذه الآيات وأشباهها استدل أرباب البصائر على أن الله تعالى لعملهم بالمرصاد، قد أحصاه عليهم كله وعده عليهم عدا، وأنهم موقوفون بين يديه يناقشون الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات واللفظات، فتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة، ومؤاخذة النفس في أنفاسها وحركاتها ومحاسبتها على خطراتها ولحظاتها وخطواتها ولفظاتها وكل أعمالها.

    وهذا فعل الأكياس أهل الفطنة وأصحاب العقول كما أخبر بذلك أفضل رسول عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات: [الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني](رواه الترمذي وحسنه).

    وقد أخبرنا صلوات الله عليه وسلامه أننا محاسبون على كل شيء "كل شيء"، فقال: [لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه].

    فكان لزاما أن يعلم الواحد منا أنه موقوف بين يدي الله ومسؤول، وحق لمن علم أنه موقوف ومسؤول أن يعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا.
    كما قال الفضيل بن عياض لرجل: "كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذًا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله تُوشِك أن تَصِل، فقال الرجل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيل: يا أخي، هل عرفتَ معناه، قال الرجل: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع، فقال الفضيل: يا أخي، مَن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه، ومَن عرف أنه موقوف عرف أنه مسؤول، ومَن عرف أنه مسؤول فليُعدَّ للسؤال جوابًا،... "(حلية الأولياء).

    ولا يمكن أن يكون هذا إلا بالمحاسبة، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا".

    وقال رضي الله عنه: "حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن شغلته حياته، وألهته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة".

    وقد أقسم الله بالنفس اللوامة، أي التي تكثر لوم صاحبها على التفريط في فعل الخير، وتعاتبه على الوقوع في الشر.
    قال الحسن: "لا تلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه، لماذا فعلت كذا؟ ماذا تريد من كذا؟"

    قال مالك بن دينار: "رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا، ألست صاحبة كذا؟ ثم زمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائدا.

    يقول ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقياً حتى يحاسب نفسه كما يحاسب الشريك الشحيح شريكه: من أين مطعمه وملبسه؟".

    صور من المحاسبة:
    قال أنس رضي الله عنه: دخل عمر حائطا "حديقة نخيل" فسمعته يحاسب نفسه ويقول: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين!! بخ بخ!! والله لتتقين الله يابن الخطاب أو ليعذبنك.

    كان يزيد الرقاشي يحاسب نفسه كل يوم ثم يبكي ويقول: ويحك يا يزيد.. من يصوم عنك بعد الموت؟. ويحك يا يزيد.. من يصلي عنك بعد الموت؟. ويحك يا يزيد.. من يتصدق عنك بعد الموت؟.

    وأما الأحنف بن قيس فكان يأتي بالمصباح فيضع أصبعه فيه ويقول: حَس "وهي كلمة تقال عند شدة الألم".. ثم يقول لنفسه: يا حنيف ما حملك أن صنعت كذا يوم كذا؟ وكذا يوم كذا؟.

    وكان الربيع بن خثيم قد حفر لنفسه قبرا في بيته فكان ينزل فيه أحيانا ثم ينادي: "رب ارجعون رب ارجعون".. ثم إذا قام يقول لنفسه: ها قد رجعت فجدي واعملي.

    ثمرات المحاسبة:
    إن للمحاسبة ثمرات كثيرة، وفوائد دنيوية وأخروية، فمن ذلك:
    . الوقوف على نعم الله ومعرفة حق الله على عباده.
    . الانتباه إلى تقصير النفس في أداء شكر الله على نعمه.
    . معرفة علل النفس وعيوبها، والسعي في معالجتها.
    . قطع طريق الغفلة الناتجة عن طول الأمل.
    . صيانة النفس عن الوقوع في الزلل، وسرعة التوبة عند الخطأ.
    . دوام الاستعداد للقاء الله تعالى.
    . تيسير الحساب يوم المعاد.

    فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن ترك لنفسه هواها، وسعى لها في تحقيق مناها، وتركها من غير مؤاخذة ولا محاسبة، دامت حسراته، وطالت في ############ات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته.

    فمن أراد أن يخف حسابه غدا بين يدي ربه فليحاسب نفسه الآن. قال صلى الله عليه وسلم: [الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني](رواه الترمذي وحسنه).
    -------------------------------------------------------------
    فقد اتفقت كلمة أهل الإسلام على أن القلوب تمرض كما تمرض الأبدان، غير أن أمراض القلوب أشد ضررا، وأعظم خطرا، وأكبر أثرا من أمراض البدن؛ فغاية مرض البدن أن يمنع صاحبه عن الحياة الدنيا، وأما مرض القلب فيقطعه عن الله وعن الفوز في الدار الآخرة.

    وإن من أعظم أمراض القلوب ذاك الداء العضال، والمرض الفتاك، والوباء المنتشر الذي أصاب أكثر الناس مع أنهم عنه غافلون وإليه لا يلتفتون.. إنه طول الأمل:
    قال بعضهم: هو الحرص على الدنيا، والانكباب عليها مع كثرة الانصراف عن الآخرة.
    وقال آخرون: هو تعلق القلب بالحياة، وانشغاله بأمرها وزخارفها ووظائفها عن وظائف العبودية وأعمال الآخرة.
    وقال بعضهم: دوام الغفلة، وكثرة التسويف في التوبة.

    وهذا في الحق ليس طول الأمل، وإنما هو نتائج وعواقب طول الأمل..
    أما طول الأمل فيمكن أن نقول عنه: توقع امتداد العمر، والطمع في البقاء، والتغافل عن إمكانية قرب الموت.
    فتمنيه نفسه بطول العمر وامتداد الحياة وطول البقاء، وبعد الانتقال.

    فإذا أصاب الإنسان هذا الوباء ودخل القلب ألهاه عن الله وعن الدار الآخرة.
    كما قال تعالى : {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}(الأنبياء:1ـ3)، وقال عن الكافرين: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ}(الحجر:3). قال القرطبي : يلههم الأمل: يشغلهم عن الطاعة.
    والمعنى أنه ليس كل أمل مذموم، فلولا الأمل لمات الناس، ولما تهنى أحد بعيش، ولما طابت نفس أن تعمل بشيء من عمل الدنيا أبدا. وإنما المذموم الاسترسال فيه، وتمنية النفس بطول العمر وامتداده حتى يحمله ذلك على عدم الاستعداد للآخرة.

    إن الإنسان إذا ابتلي بهذا البلاء، ودخل قلبه هذا الوباء، تعلق قلبه بالدنيا، وتمسكت نفسه بها، فلا يطيق عنها ارتحالا ولا منها انتقالا، ونظر إليها على أنها دار بقاء لا دار فناء، وأنها منزل حبور لا دار غرور، وموطن اطمئنان لا دار ابتلاء وامتحان.. فهو مخدوع بمظاهرها، مشغول بظواهرها، مفتون بشهواتها وملذاتها وزخارفها، ملهي بسفاسفها، مصروف عن إدراك حقائقها، وأنها سراب خادع، وبريق لامع، ولكنها سيف قاطع، وصارم ساطع. هي والله كالصديق الخؤون الذي لا يبقى على صديق.. وكالغانية اللعوب التي لا تفي لمحبوب.

    كم أحبها أناس وتعلق بها أناس، وعشقها أناس، وتفانى في حبها أناس، وبذل من أجلها أناس، حتى ظنوا أنهم ملكوها، وأنهم صاروا لها وصارت لهم، فلما رأتهم قد اطمأنوا إليها وهاموا بها، عركتهم بثفالها وطحنتهم برحاها، وجرعتهم الكأس الذي أذاقته كل الذين كانوا من قبلهم؛ فنقلتهم من الحبور والسرور وسعة القصور إلى ضيق اللحود والقبور، ومن لين الفراش والمهاد إلى الجنادل والتراب، ومن مجاورة الزوجة والأولاد والخلان، إلى مجاورة العراء والحشرات والديدان. فما وجدوا من الموت حصناً ولا منعة ولا عزاً.. فأصبحوا ـ في لحظة ـ أسرى أعمالهم، ورهن تقصيرهم، لم ينفعهم ما جمعوا، ولا أغنى عنهم ما كسبوا.. بل أوبقهم حب الدنيا وطول الأمل.

    فسائل نفسك: أين الأولون والآخرون؟ أين الذين ملؤوا ما بين الخافقين فخراً وعزاً؟ أين الذين فرشوا القصور حريراً وخزاً؟ أين الذين تضعضعت لهم الأرض هيبة وعزا؟ هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً؟

    لا تغتروا بالدنيا
    أيها الشباب أيها الأحبة أيها الناس: إن الدنيا أيام محدودة، وأنفاس معدودة، وآجال مضروبة، وأعمال محسوبة، هي والله قصيرة، وإن طالت في عين المخدوعين بزخرفها، وحقيرة وإن جلت في قلوب المفتونين بشهواتها.
    وإنما مثلنا فيها كمثل نملة كانت تجمع حبة لتأكلها في قادم الأيام، فجاء عصفور فأخذ النملة والحبة، فلا ما جمعت أكلت ولا ما أملت نالت.. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ولا يغرنكم بالله الغرور}[فاطر:5]، {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}[غافر:39].

    إن الدنيا إلى زوال وانتهاء، كتب الله عليها الفناء وكتب على كل من فيها الانتقال عنها، وإنما نحن فيها على جناح سفر يوشك أن نبلغ.
    قال علي رضي الله عنه: "إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل".

    وخطب عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد.. فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذّاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً لا يدرك مقرها. ووالله لتملأن".

    وخطب عمر بن عبد العزيز الناس فقال: "أيها الناس، إن الدنيا ليست بدار قرار، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها فيها الظعن، فكم من عامر عما قليل يخرب، وكم من مقيم عما قليل يظعن".

    وروي عن عيسى عليه السلام أنه قال لأصحابه: "الدنيا قنطرة، اعبروها ولا تعمروها". وقال: "من ذا الذي يبني على موج البحر داراً، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً".

    وقال الإمام النووي:
    إن لله عـــباداً فطـناً .. .. طلقوا الدنيا وخافوا الفـتنا
    نظروا فيها فلما علموا.. .. أنها ليست لحـيٍ وطــنا
    جعلوها لجة واتخذوا .. ..صالح الأعمال فيها سفنا
    islamweb








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de