|
في وداع محمد الأزهرى..ليس لنهر ابيك ان يجف/ د. جلال الدقير
|
في وداع محمد الأزهرى ليس لنهر أبيك أن يجف بقلم : د. جلال يوسف الدقير غادرت الخرطوم مساء الأحد الماضي في مهمةٍ رسمية خارج الوطن، ولم أكن أدري أن في رحم الغيب كانت تتخلق في أطوارها الأخيرة فاجعة .. وإذا الحزن ينتشر في أرض الوطن ويغطي بجناحيه الكتيمين السماء. هكذا أنشبت المنية أظفارها واختطفت محمد إسماعيل الأزهري (وإذا المنية أنشبت أظفارها... ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ).. هكذا عبر محمد الأزهري جسر الموت ومضى إلي حيث لا وجه إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام.. قضي الله * ولا راد لقضائه * أن يرحل محمد الأزهري في ريعان الشباب.. رحل ولمّا يذق هناءة الزفاف.. لم تخضب يديه وقدميه الحناء ولم تغن له "حوا الطقطاقة" العديل والزين. من صلب الأزهري أبي الوطنية أتى محمد.. من رحم تاريخنا وصميم طينتنا أتى محمد.. مع الحلم الجميل أتى محمد.. أتى يلتحف إرث المجد والعز.. يظلله علم الإستقلال الذي رفعه أبوه.. في عينه بريق الحرية التي أشعل جذوتها أبوه، وعلي جبينه غبار النضال الذي خاضه أبوه.. وبين جنبيه هموم المجد.. مجد السودان الذي سعي إليه أبوه عبر مسيرٍ صعبٍ جميل. نشأ محمد الأزهري وترعرع ونما وعيه في حضن البيت الإتحادي الكبير المفتوح علي الحرية والتعددية والحوار والتسامح واحترام الرأي الآخر والتواصل الإنساني وكل القيم الأصيلة والمعاني النبيلة.. نشأ محمد وهو طفل في كنف روادٍ لمعوا كواكباً في سماء الوطن ... الأزهري ويحيى ومبارك والمرضي وأشقاؤهم .. رضع لبانهم وتخلق بأخلاقهم، فكان كما كانوا مجموعة من القيم النبيلة والمضامين الناصعة، كان سمحاً طيب المعشر نقي السيرة والسريرة. تشرب محمدٌ تلك القيم والمعاني منذ طفولته وحملها وجداناً والتزاماً.. ثم خرج إلى المعترك السياسي مهموماً بسؤال الوطن، هجر الوظيفة والعمل الخاص وقضى حياته القصيرة علي صهوة جواد دائم الإسراج يعدو حثيثاً نحو الهدف الأسمى.. "وطن حدادي مدادي" تسوده قيم الحرية والعدالة والسلام .. صاغ لنفسه شخصية مستقلة.. بوصلته فطرةٌ سليمة وقلبٌ مؤمن وسريرةٌ نقية.. متألق في حضوره متوقد في ذكائه.. عفّ اللسان، لا تجري علي لسانه لغة الشتائم، ولا يعرف قلبه الكراهية.. يظل حبل الود والوصل ممدوداً بينه وبين من يخالفونه الرأي.. دخل قلوب الناس فاحترموه وأحبوه. إن محمد الأزهري يدرك أن قدره أن يكون امتداداً للرعيل الأول من الآباء اللذين قامت علي أكتافهم الحركة الوطنية.. حداة الحرية وصناع الإستقلال.. كان يدرك أن أولئك الآباء الكرام قد أورثوه * وكل الإتحاديين * شرف الإنتماء إلي خيارٍ نظيف.. الإنتماء إلي الحزب الاتحادي الديموقراطي.. حزب الحركة الوطنية، الذي حوي بين ضلوعه الوطن العزيز.. الحزب صاحب الموقف المحمول علي تاريخ لا يسطره الا من وهبوا حياتهم للوطن وتجردوا لخدمة قضايا اهله.. كان محمد يدرك أن مسؤوليته أن يظل هذا الحزب متحداً قوياً متماسكاً، يواصل مسيره في درب الإستقلال والتقدم والتنمية.. ويكون مكاناً جاذباً لجماهير المشروع الوطني الديمقراطي خاصة من الجيل الجديد.. وبالفعل انتدب محمد نفسه ليكون واحداً من أولئك الذين ينهضون بتلك المسؤولية، وكان في ذلك ريادياً، وظل طوال السنوات القليلة الماضية يقدم مساهماته بصدقٍ وشجاعة فى الحوار الدائر داخل البيت الإتحادي من أجل تحقيق وحدة الحزب.. اتفقنا معه واختلفنا معه.. وفي الحالين ظل حبل الوصل بيننا ممدوداً ورباط الأخوة والمحبة قائماً. أخي محمد إسماعيل الأزهري أيها النازل بجوار أبيك الزعيم العظيم.. سيسألك أبوك عن حالنا.. قل له تأخرنا، نعترف.. لكننا سنظل على العهد ونمضى على ذات الطريق التي رسمها لنا.. سيعود حزب الحركة الوطنية كما أراد له * من أجل الوطن الكبير * حزباً واحداً متماسكاً يصنع لحمتنا ونسيج الوشيجة بيننا، سيعود حزباًً تحكمه المؤسسية ويضج بحيوية المنهج.. سيعود وعاء للإستنارة ومكاناً للحوار الحر والسجال الذكي، لا أحد يحتكر الحقيقة ولا فضل فيه لفردٍ علي فردٍ إلاّ بالكفاءة والبذل والعطاء والتجرد.. قل له تأخرنا، نعترف.. لكن دائماً يوجد من يقبض علي الجمر وينحت الصخر من أجل الوطن، فليس لنهر الوطنية * نهر أبيك * أن يجف.. وليس لنبع التضحيات * نبع أبيك * أن ينضب. قلبي عليك أم محمد، يا والدة يا مريم، أيتها الصابرة الصامدة المحتسبة .. ليس لكلماتي قوة ألمك ولا شدة حزنك .. كنتِ تعدين له "الحريره" و"الضريره"، فوسدوه الثرى وواروه التراب بعد أن بلغ الله أمره الذي ليس له دافع .. قلبي على بواكٍ أخريات.. جلاء وأخواتها اللائي عاش محمدٌ بينهن لحمةً من المحبة والحنان. اللهم إنا نؤمن أن رحيل محمد الأزهري هو مشيئتك المثبتة في أم الكتاب، وليس لنا إلا الرضا والتسليم.. اللهم إن كان محمد الأزهري قد جاءك بكثير الزاد أو قليله، فإن الزاد إلي بيت الكريم لا يحمل.. نسألك اللهم أن تغفر له وترحمه وتنيله تمام رضاك عنه وكمال الرضوان، وتحشرنا معه في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. جلال يوسف الدقير
|
|
|
|
|
|