هل يجوز قتل المرتد ؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-27-2024, 04:52 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-01-2006, 08:47 AM

بابكر حامد احمد

تاريخ التسجيل: 10-06-2005
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل يجوز قتل المرتد ؟ (Re: بابكر حامد احمد)

    أ جمال البنا .. لا عقوبة للردة .. وحرية الاعتقاد عماد الاسلام

    والذكر المأثور للردة في التاريخ الإسلامي هو ردة القبائل العربية بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد كانت ردة هذه القبائل في حقيقة الحال رفض دفع الزكاة. ومن هنا كانت قولة أبي بكر المشهورة: "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه للنبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه". وأكثر منها صراحة قولته في حربه لمن يفرق بين الصلاة والزكاة. فردة هذه القبائل كانت سياسية أكثر مما كانت دينية بالمعنى الذي نفهمه. ولهذا لا نجد استشهادًا بها في الكتب الفقهية تأييدًا لدعوى قتل المرتد.

    أما فكرة الارتداد كنوع من ممارسة حرية العقيدة فقد كانت مستبعدة وقتئذ، ومن هنا فحتى الفقهاء أنفسهم لاحظوا هذه النقطة، وفرقوا بين القبض على المرتد قبل أن يجاهر بالمحاربة أو بعدها.

    وكان يجب على الذين يعالجون هذه النقطة في العصر الحديث أن يفطنوا لها، فإذا أرادوا عقوبة فعلى ما يقترفه المرتد من حرب أو خيانة للبلاد، ومن هنا فإن الجريمة تكون (الخيانة العظمى) وليست الردة.

    وكان يجب أن تقف أقوال الفقهاء عند هذا الحد من آيات القرآن، وتجاوز الفقهاء لروح الإسلام في هذا الصدد لم يكن له مبرر.

    وهناك حالة تطبيقية في الآونة المعاصرة؛ حيث كانت صحيفة "الأهرام" المصرية قد وافتنا في 6–7-19977 بنبأ عن موافقة مجلس الدولة على مشروع قانون بإقامة حد الردة، ويقضي هذا القانون بإعدام المرتد عن الإسلام عمدًا بقول صريح أو بفعل قطعي، والسجن عشر سنوات لمن ارتد أكثر من مرة، وعقوبات رادعة إذا وقعت الردة من قاصر.

    وفي هذا القانون تثبُت الردة بالإقرار مرة واحدة أو بشهادة رجلين. ومن الآثار المترتبة على هذا الحكم منع المرتد من التصرف في أمواله، وهذه هي عناوين الخبر، وقد تضمنت التفاصيل أنه إذا كان "الجاني" -على حد تعبير صحيفة الأهرام- قد أتم السابعة، ولم يتم العاشرة؛ فللقاضي أن يوبخه في الجلسة أو يأمر بتسليمه إلى أحد والديه أو إلى ولي نفسه أو بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية الخاصة بالأحداث، وإذا كان قد أتم العاشرة ولم يتم الخامسة عشرة فإنه يعاقب بضربه بعصا رفيعة من عشر إلى خمسين ضربة... إلخ.

    وينص مشروع القانون بأن كل من حرض غيره على ارتكاب ما يكون جريمة الردة، يعاقب بالعقوبة المقررة للشريك إذا لم يترتب على هذا التحريض أي أثر، ويعاقب بنفس العقوبة على التحريض المبين بالقانون.

    ولا تسري على الجريمة الحدّية الأحكام المقررة في قانون الإجراءات الجنائية في شأن سقوط العقوبة بانقضاء المدة، ولا يجوز إبدال العقوبة الحدية ولا العفو عنها. كما يحظر على المتهم بالردة التصرف في أموال أو إدارتها، وكل تصرف أو التزام يصدر منه خلال فترة اتهامه يكون معلقًا على البتّ في أمره.

    إن هذا الاقتراح بقانون مثَّل آنذاك ردة تشريعية حقيقية لعلاج مشكلة إسلامية وهمية. ولو أنه كان قد صدر فما كان صدوره إلا لحساب المغفلين والجهلة وأعداء الإسلام؛ المغفلين الذي يظنون أنه يحقق خيرًا في حين أنه شر ماحق، والجهلة الذين لم يعلموا تجربة التاريخ في الحديث والقديم، وكيف أن كل حجْر على الفكر يؤخر البشرية، ويؤخر الفكرة المطلوب حمايتها. وأن أي قانون يوضع لذلك إنما تستفيد منه السلطة القائمة، والأوضاع المقررة في هذا العصر الذي تصل فيه شهوة الحكم بحيث يتجسس الحاكم على صديق عمره، ويحتفظ بأسرار وصور ما يحدث في غرفات النوم. يقدم هذا القانون سلاحًا للاتهام والتحقيق والتشهير بكل معارض، ويُمكن أن يُستخدم لسلب الأموال، أو انتزاع الأبناء الأبرياء، الذي حماهم القانون بما لم يَحمِهم به أي تشريع آخر في العالم، ويزج بهم إلى معاهد تخريج المجرمين التي تسمى "مؤسسات الرعاية الاجتماعية".

    وأما أعداء الإسلام فكانوا سيقولون: إن المسلمين إنما يقرون لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة تطبيقًا لقانون العقوبات.. ليس إلا.

    وبعد كل هذا، أفلم يخطر للذين وضعوا هذا المشروع أنه قد يأتي بعكس ما أريد منه؟

    إن الاتهام يكسب المتهم تعاطف الجماهير، فإذا رفض هذا المتهم "الاستتابة" المزعومة، وفضَّل أن يُقتل في سبيل رأيه –كائنًا ما كان– فإن هذا الوقوف سيجعله شهيدًا من شهداء حرية الرأي، وسيطرز حواشي الإلحاد بالبطولة؛ الأمر الذي حدث بالفعل بالنسبة لضحايا المحاكمات البابوية في المسيحية.

    ولا يمكن للاستتابة أن تصل إلى أبعد من هذين، ما دامت صادرة من السلطة. إن الاستتابة للرجال هي كبيت الطاعة للنساء، وفي الوقت الذي يتمرد فيه النساء -ولهن الحق- على بيت الطاعة، يريد المشرِّع أن يُوجد بيت طاعة للرجال.

    حرية الفكر غاية شرعية

    رأينا أن تمحور الفكر الإسلامي حول "الله" جعل المبدأ الأعظم في المجتمع الإسلامي هو "الحق"، وأن الحرية تنطلق من الحق وتعد ممارسة له، وهو أمر صحيح، ولكنه في الوقت نفسه اقتضى استثناء حرية واحدة من هذا النطاق، وهذا الاستثناء ليس على سبيل التعارض والافتيات، ولكن على أساس أن هذه الحرية وحدها هي التي تكفل التفهم السليم لمبدأ الحق، تلك الحرية هي حرية الفكر والاعتقاد.

    والحد الوحيد الذي تنتهي عنده هذه الحرية هو ذات الله تعالى وكنهه؛ لأن التفكير الإنساني ليس مهيّأ لمعالجته، ولم يستطع كل الفلاسفة والمفكرين الذين حاولوا هذا من أربعة أركـان الأرض، ومن سقراط حتى الآن التوصل إلى طائل من جراء الخوض فيه، ومن هنا فإن الخطر الوحيد على التفكير الذي جاء في أثر إسلامي هو التفكير في ذات الله، وباستثناء هذه النقطة فإن الإسلام يطلق حرية الفكر دون قيد أو شرط.

    والقضية التي كان على الفكر الإسلامي أن يجابهها هي أنه إذا كان الحق هو المبدأ الأعظم، فكيف يمكن تفهم هذا الحق والاقتناع به -أو بالتعبير الديني الإيمان به-؟ فإذا كان الإيمان بالحق لا يُفرض فرضًا، ولا بد فيه من الاقتناع والاطمئنان والطواعية، فلا مناص إذن من تهيئة مناخ من حرية الفكر ليمكن أولا تفهم "الحق" ومعالمه وأصوله وما يقتضيه أو ينبني عليه... إلخ، وثانيًا الاقتناع بصحة ذلك وسلامته إلى درجة الإيمان.

    وهكذا نجد أن حرية الفكر هي الطريق إلى الحق، ومن هنا فلا يمكن بداءة تقييدها بالحق؛ لأن هذا مصادرة لها، ومناقضة لطبيعتها. كما أن فكرة حماية التفكير من أن يضل وأن ينتهي إلى نتائج خاطئة أو إلى متاهات هي مما لا يمكن التمحك بها؛ لأن أي سماح بفرض قيود أو حدود بتعلة حماية الفكر لن يقف عند هذه الدرجة المزعومة؛ لأن حدود الحماية تتوقف على فهم من يفرض هذه القيود لمضمون الفكر. ويغلب أن يؤدي ضيق الأفق وسيطرة المصلحة إلى فرض أسوأ صور القيود في كل حالة يُسمح بها، كما يؤكد ذلك تاريخ حرية الفكر.

    ولذلك فإن الإسلام استبعد أي صورة من صور القيود، ولم يوقفه عن ذلك خوف الضلال والإلحاد؛ لأن البديل عن هذا أسوأ منه؛ فعندما نفتح الباب على مصراعيه لحرية الفكر، ويضل البعض نتيجة لذلك، فإن من يؤمن فسيؤمن عن بينة واقتناع. أما إذا سمحنا بالقيود والتحكم فسيكون الإيمان على دخل، ولا قيمة لهذا الإيمان، حتى وإن كثر عدد المؤمنين به.

    والنصوص التي توجب حرية الفكر والاعتقاد عديدة، ولكن قد يكون أهم من ذلك أن التصور الإسلامي للمجتمع يفترض وجود الحرية كجزء لا يتجزأ من بنية هذا المجتمع، ليس فحسب لما قدمناه من أن الإيمان بالعقيدة لا يمكن أن يتم إلا في بيئة حرة، وبعد اقتناع كامل، ولكن أيضًا لأن الإسلام يبني الحياة الإنسانية بصفة عامة على أساس أنها اختبار واختيار بين الخير والشر، وهذا بدوره يفترض ويتطلب وجود قوى الشر والغواية، وحرية الإنسان في الانسياق أو المقاومة، وليس هناك ما هو أكثر صراحة من النصوص القرآنية في هذا، فإن إبليس ما كان يستطيع أن يفتن الناس لولا أن الله تعالى سمح له بذلك، بل ومنحه القوى والوسائل اللازمة. فقد ذكر القرآن الكريم على لسان إبليس: "قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآَتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ" (الأعراف: 14 - 17)، كما قال في آية أخرى: "قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً" (الإسراء: 62 - 65)، وهو معنى تكرر بنصه تقريبًا في سورتي "الحجر" و"ص". فافتراض عدم وجود هذه القوى وحريتها في العمل وحرية الإنسان تجاهها في الاختيار يخالف تصور الإسلام للمجتمع واستخدامه للثواب والعقاب.. الجنة والنار، بل إنه يقضي على مبرر وجود هذه الحياة الدنيا الذي يعود إلى الإغواء من ناحية، والضعف البشري من ناحية أخرى، وسمح الله تعالى لها أن تكون مسرحًا لعمل الشيطان وإغوائه حتى يوم القيامة. فإذا وجدت القيود والحمايات التي تستبعد آثار هذا الإغراء والإغواء، وإذا أقيمت "خيمة" من سد الذرائع وإغلاق الطريق أمام وسائل الإغراء والإغواء، فلن يكون هناك اختبار، ولن يكون هناك اختيار، ولا يكون هناك ثواب أو عقاب، وهذا يختلف اختلافًا جذريًا بل هو يناقض مناقضة تامة التصور الإسلامي للمجتمع الإنساني، هذا المجتمع الذي بدأه وتسبب فيه اختيار آدم، ثم جعله الله تعالى مسرحًا للاختيار الحر طوال المدة التي أُنظِر فيها الشيطان حتى يوم القيامة، وسُمِح له فيها بالعمل، وتم تسليح المؤمنين في مواجهة هذا الإغواء بالإيمان والعقيدة، وكان يمكن لله تعالى ألا يسمح له أصلاً، وأن يهدي الناس جميعًا... إلخ.

    وكما أن هذا التصور واضح في تقبل القرآن لوجود الكثرة الغافلة، والباطل المستشري؛ حيث يقول تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا" (يونس: 99). والقرآن يوجه الرسول في شيء من الصراحة حول هذه المسألة فيقول: "لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ" (آل عمران: 12، كما قال تعالى: "وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ" (الأنعام: 35)، كما قال تعالى: "إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ" (النحل: 37)، وكذا قوله تعالى: "إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ" (القصص: 56).

    أما الآيات التي تؤيد حرية الاعتقاد فهي أكثر من أن يستشهد بها في هذا المقام الموجز، لكن يُستفاد منها عدة أمور على النحو التالي:

    ( أ ) أن يكون اكتساب الإيمان بالدعوة والحوار دون ضغط أو قسر أو استخدام سلطة أو جاه أو طلب معجزة أو تحقيق مطالب دنيوية.

    (ب) حرية الدعاة في الدعوة، وأن منعهم نوع من الصد والعدوان.

    (جـ) حرية الناس في الاستجابة للدعوة أو رفضها.

    وقد أظهرت آيات عديدة أن الإيمان هداية، والاختلاف قضاء، وكله من عند الله. وقد أمر الله تعالى نبيه بأن "يُعرِض" عن المشركين والجاهلين؛ لأنه لا إكراه في الدين، فمن آمن فلنفسه، ومن ضل فعليها، وأن الله تعالى وحده هو الذي سيحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون، والآيات في هذه المعاني تجاوزت العشرات؛ وهو ما لا يدع شكًا في أنها أصل مؤكد من الأصول الإسلامية.

    منهج القرآن في التعامل مع الآخر

    وقد وضع القرآن النهج الذي يجب اتباعه إزاء الآراء المخالفة، فإنه يذكر دعاوى المشركين مهما كان فيها من إفك أو شرك أو كفر أو وقاحة، ثم يرد عليها بالحجة والمنطق؛ فهناك مثلاً قوله تعالى: "وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا" (البقرة: 116)، وقوله تعالى: "قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ" (آل عمران: 181)، وقوله تعالى: "فَقَالُوا أَرِنَا اللهِ جَهْرَةً" (النساء: 153)، وقوله تعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ" (المائدة: 64)، وقوله تعالى: "قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ" (المائدة: 73)، وقوله تعالى: "قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ" (النحل: 101)، وقوله تعالى: "وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى" (سبأ: 43)، وقوله تعالى: "قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ" (يس: 1، وقوله تعالى: "وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً" (الفرقان: 5). وأمثال هذه الآيات عديدة، ويضيق المجال عن الاستشهاد بها جميعًا. ولم يقل القرآن في حالة واحدة: اقطعوا ألسنتهم أو اسجنوهم، أو وقعوا عليهم كذا وكذا من العذاب والعقاب، كما فعل في حالة السرقة والزنا والإفك... إلخ، كما لم يتجاهل هذه الدعاوى؛ بدعوى ما يمكن أن يثيره ذكرها من شك، وإنما يذكرها ثم يفندها بالحجة والمنطق والبرهان.

    أما ما يُثار عن "الجهاد" وتلك الشبهة الضاربة أطنابها من أن الإسلام انتشر بالسيف، فليس هناك ما هو أبعد عن الحقيقة منها؛ إذ لو كان الهدف من الجهاد هو فرض الإسلام على الناس لما جاز أن تُقبل منهم الجزية، ولاعتبرت أسوأ أنواع الرشوة، ولوجب أن تُوجَّه أشد الضربات وأولاها إلى دعاة الأديان الأخرى من كهان وأحبار، وأن تُهدم هدمًا دور العبادة من كنائس أو معابد أو أديرة. ولكن الجهاد الإسلامي سلك نقيض ذلك؛ فقد أبقى من يشاء على دينه، ورفض أن يُفتن أحد عن دينه، وقدم نوعًا من الحصانة والحماية للكهان والأحبار والمعابد والكنائس، ونهى نهيًا باتًا عن المساس بهم وبها.

    وما لم يفهمه بعض الناس هو أن الإسلام بجانب أنه عقيدة دينية خالصة بين الفرد وربه، فإنه كذلك نظام اجتماعي وسياسي يقوم على العدالة والمساواة وحرية الفكر والاعتقاد، وكانت النظم القائمة موغلة في طغيانها، عريقة في طبقيتها، قائمة على الاستعلاء والظلم والتحكم، ولم تكن هذه النظم لتسمح لا بظهور الإسلام كدين وعقيدة، ولا بدعوته للعدل والمساواة والحرية. فلم يكن ثمة مناص من مجابهة هذه النظم بالقتال؛ لأن تجربة التاريخ وسابقة الإسلام نفسه وما قُوبل به من كفار قريش حتى اضطر إلى السرية حينًا، والهجرة حينًا أخر - تؤكد أن الطبقات المميزة والفئات الحاكمة لا تتنازل طواعية عن امتيازاتها. فالجهاد الإسلامي كان في حقيقة الحال حربًا في سبيل حرية الاعتقاد، سواء كان بالنسبة للمسلمين أو غيرهم، وتحريرًا للجماهير والشعوب والسواد المسترَق والمستعبَد في إسار الجهالة والفاقة والنظم الطاغية، وإحلالاً لشرعة الكتاب والميزان محل شرعة الارستقراطيات والعروش والطاغوت.

    ولو لم تكن الفتوح الإسلامية تحريرًا للجماهير وإقامة للعدالة لما حارب المسلمون حرب الاستشهاد؛ فإن الإنسان لا يضحي بنفسه في سبيل الدنيا أو المغانم، ولما استطاع الفتح الإسلامي أن يمضي قدمًا وأن يشق طريقه ويرسخ أقدامه. وكان من أسهل الأمور أن تثور الجماهير على الجيوش الإسلامية التي كانت قليلة العدد رثة العدة والعتاد، مُنبتَّة عن قواعدها، وقد كان المسلمون الذين دخلوا الأندلس بضعة عشر ألفًا، وكان من المستحيل أن يظلوا ثمانية قرون لولا ما جاءوا به من قوتهم، والإضافة التي تُبقي عليهم.

    ومع أن كلمة "جزية" تصطحب لدى بعض الكتاب، أو تثير في النفوس تداعيات لمعانٍ سيئة، فإنها في حقيقة الأمر بعيدة عن ذلك، فقد اشتُقت من "جزى" يجزي جزاء، مثل قضى يقضي قضاء. وفي التنزيل نجد قوله تعالى: "لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا" (البقرة: 4، وفي الحديث المشهور: "تجزي عنك ولن تجزي عن أحد بعدك" (رواه البخاري). فمفهوم الجزية هو "المقابل"، وتلك هي حقيقتها. فهي مقابل ما يقدمه المجتمع الإسلامي من حماية لغير المسلمين، مع إعفائهم من الاشتراك في عبء الدفاع أو الانخراط في الجيش. ومن أجل هذا فإنها لا تُفرض على النساء والولدان، ولا على من يعجز عن الكسب من أهل الذمة، بل قد يُفرض لهم من بيت مال المسلمين عطايا ورواتب لما ألمّ بهم من عجز، فليس فيها ما يثير أي معنى سيئ. وهي بعد وسيلة للجمع بين الحرية والعدالة. وللجزية مثيلات في المجتمع الأوروبي والأمريكي الحديث.

    ومن ناحية أخرى فمن الثابت أن مشروعية القتال في الإسلام إنما نشأت أول ما نشأت للدفاع عن حرية العقيدة؛ فالجهاد هنا في صف الحرية ولحماية الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، وليس ضد الحرية أو كبتها، وهو واضح من أول آية أذنت بالقتال؛ حيث قال تعالى: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" (الحج: 39 - 42).

    وبقية الآيات التي تأذن بالقتال لا تختلف عن هذا الموضوع؛ فكلها حماية للعقيدة وصدّ للفتنة. وقد تضمنت أشد الآيات -وهي التي يطلق عليها بعض المفسرين آية السيف- نصًا تاليًا يثير الإعجاب، حيث يقول تعالى: "وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ" (التوبة: 6). ومن النادر أن نجد مثل هذا النص وسط آية للقتال إلا إذا كان هذا القتال حماية لحرية العقيدة، وأن السيف فيها لا يوجه للإرغام على الاعتقاد. كما أن من النادر أن نجد توجيهات للداعية في مثل صراحة ووضوح الآيات "لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ" (الغاشية: 22)، وقوله تعالى: "وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ" (الأنعام: 107). إن النبي -عليه الصلاة والسلام- مبلغ وشهيد، ولكنه ليس مسيطرًا ولا حتى وكيلاً.
                  

العنوان الكاتب Date
هل يجوز قتل المرتد ؟ Faisal Al Zubeir05-01-06, 05:04 AM
  Re: هل يجوز قتل المرتد ؟ محمد ميرغني عبد الحميد05-01-06, 05:37 AM
    Re: هل يجوز قتل المرتد ؟ بابكر حامد احمد05-01-06, 08:17 AM
      Re: هل يجوز قتل المرتد ؟ بابكر حامد احمد05-01-06, 08:19 AM
        Re: هل يجوز قتل المرتد ؟ بابكر حامد احمد05-01-06, 08:36 AM
          Re: هل يجوز قتل المرتد ؟ بابكر حامد احمد05-01-06, 08:47 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de