|
م.الازهري هل يلعب دور الموحد حياً وميتاً؟/ع.ابراهيم حمد
|
هل يلعب دور الموحد حياً وميتاً؟÷ لما قتل الملك فيصل قال ابنه الأمير الشاعر عبد الله الفيصل، وهو يفسر تأخره في رثاء والده الملك، إن وقع الخبر كان كقطع النصال الحاد لا يدمي إلا بعد حين... تذكرت ذلك لما بلغني خبر وفاة الشقيق الأكبر محمد الأزهري، فتزاحمت في نفسي المشاعر حتى حبستها شدة الزحام، ولما انطلقت أربكني سيل الشعور الجارف. فلم أعرف من أين أكتب عن الشقيق الذي فاجأنا برحيله والذي كنا نحلم يوماً ان نحمله على أكتافنا من منزل الزعيم؛ دار الحرية والأحرار، إلى مقر الحكومة رئيساً للوزراء، بعد ان يحقق الاتحادي الديموقراطي الأغلبية البرلمانية ويحكم (والناس راضين) كالعهد به على الدوام... ولكن حملناه على أكتافنا من دار الزعيم مشيعين شقيقنا إلى مقابر البكري، ولا اعتراض على حكم الله الذي خلقه وسواه وعدله وبلّغه أشده وقواه أمام إغراء المناصب والمال، وأسعدنا برفقته، وأبكانا بفراقه... فلا فاعل إلا الله.
امتلك محمد الأزهري قدرات سياسية واضحة، بيد ان مواهبه الاجتماعية كانت لافتة لدرجة الإدهاش، حتى عرف بأنه رجل (مجامل). فأعقبت رحيله دفقة عاطفية هائلة أسالت بغزارة دموع الرجال الغالية.. فهل يكون موت محمد المفجع دافعاً عاطفياً يدفع الاتحاديين لإهداء روح محمد وحدة سعى إليها حتى آخر لحظات حياته؟!.
لا أظن أن مسيرة محمد الأزهري سوف تنتهي ببكائية في سرادق العزاء، بل إن السرادق قد انتقل قبل اكتمال أيام المأتم من حالة البكائية إلى محاولات جادة للتعبير العملي عن الوفاء للفقيد وخطه الذي لم يكمله، فأعلنت وحدة اندماجية بين ثلاثة فصائل كان الفقيد يقود احدها؛ المؤتمر الاستثنائي، الذي جعل شعاره وبرنامجه الوحدة الاتحادية.. وألقيت الكلمات التي ترفع من قيمة أنموذج محمد في القيادة. وكأني بجعفر عثمان، أحد القيادات الشبابية، قد صوب كلمته تجاه القيادة السياسية التي يريدها الشباب فذكر مناكفاتهم، بل ومخاشناتهم مع محمد الأزهري.
وأعادني حديثه إلى مواجهات حدثت مع الأزهري الابن في حياته، أشهرها حين طالبه بحدة الدكتور الطاهر عوض الله أن يستقيل من رئاسة لجنة الوحدة.. فأنّى لنا بعد محمد بقائد يناقش ويطالب بالاستقالة؟!.
محمد الأزهري، شخصية عامة مهمة يجدر الوقوف بالتمعن عند تجربتها. محمد ابن الزعيم الأزهري كان في بدايات حياته السياسية مكتفياً بهذه البنوة الخاصة، ومال كثيراً لتقليد الزعيم فحرص على أن يمهر خطاباته ومذكراته بـ(المخلص) محمد الأزهري، مثلما كان يفعل المخلص إسماعيل الأزهري حين يوجه مذكراته للحاكم العام. وكان شديد التأني، ترسماً لشعار الأزهري „SLOW BUT SURE.
ولكن مع نضج تجربته اختط محمد الأزهري خطاً أصيلاً وبرزت شخصيته الخاصة المستقلة، فأحب الموسيقى كما الزعيم، ولكنه لم يكتف بمعلومات عامة عنها أو بالإشراف على جمعية للموسيقى، بل برع في هذا الفن الراقي. وأظهر قوة في الشخصية وثقة عالية بالنفس حين تجاهل أصوات ضاغطة كثيرة ترى التعارض بين الموسيقى ووقار الزعامة، واتبع أسلوباً خطابياً خاصاً به حتى بز والده. وكان محمد اتحادياً ذا نزعة استقلالية أقوى من نزعة الأب.
خرج من جلباب والده، فإن شابهه أحياناً فليس من باب التقليد، كالتشابه غير المقلد بين الوالد وابنه في النفور من الشيوعية. وأعانت أصالة شخصية محمد السياسية أنصاره على أن يدفعوا عنه دعوى الصعود على سلم التوريث. وعلى غير ما عرف به الزعيم كان محمد مدخناً يلبس الزي السوداني، فلم أره يرتدى البنطلون إلا أيام كان طالباً، وتمنى كثيرون أن لو رأوا الزعيم الأزهري بـ(جلابية).
كان محمد اتحادياً (يلاوي) مصر، واتحادياً لا يتعب حزب الأمة كالأزهري، واتحادياً لا يرفض الطائفية، و(يسر) للبعض أنه متجه للسيد لا محالة ولكن لن يصله إلا قوياً، لأن السيد يبتلع الضعفاء، ولأن مصلحة الحزب أن يديره الأقوياء، ولأن نفسية الاتحاديين ترفض الانقسام.
|
|
|
|
|
|