|
هل يمكن إنقاذ الوزير عوض الجاز إذا ما أصيب بنوبة قلبية؟
|
هل يمكن إنقاذ الوزير عوض الجاز إذا ما أصيب بنوبة قلبية؟ أمجد إبراهيم سلمان [email protected] في نوفمبر الماضي توجه إلينا في الجمعية العلمية السودانية بهولندا احد المحامين بكتابة تقرير عن الأحوال و الضمانات الصحية لمرضى القلب ومقارنتها بالأوضاع والبروتوكولات الصحية للدولة الهولندية، الطلب جاء لإيقاف ترحيل طالب لجوء سوداني أصيب بجلطة قلبية أثناء فترة بقاءه في هذه البلاد. الواقع إن الأمر صعب جدا لكون المقارنة بين دولة أوروبية متطورة و السودان أمر بديهي و صعب في نفس الوقت، و لان الأمر فيه خطورة حقيقية على حياة الرجل فيجب الاستناد إلى معلومات دقيقة و حيادية، أيضا وجدت نفسي مضطرا لأعقد المقارنة ليس بالسودان ككل بل بالعاصمة بوصفها مكان إقامة الشخص المعني.
البروتكولات الهولندية الصحية في هذا الصدد تلزم الدولة بوصول إسعاف إلى المواطن في فترة لا تتعدى الـ 15 دقيقة من الإبلاغ بالخطر الصحي المعين تلفونيا، وفي الأعوام الثلاثة الماضية ثار لغط كبير في البرلمان نسبة لان الفترة الزمنية لوصول الإسعاف في بعض الأقاليم الهولندية قد بلغ 25 دقيقة واعتبر ذلك تجاوزا كبيرا للبروتوكولات المتفق عليها.
في شهادتي أمام المحكمة التي عقدت للبت في هذا الموضوع ذكرت أن المواطن المعني بهذا الأمر من عامة الشعب، و في غياب التأمين الصحي المتكامل للسكان في السودان، و في غياب التأهيل اللازم للكوادر الطبية المساعدة فان مسألة وصول إسعاف إليه في حالة تعرضه لنوبة قلبية في خلال نصف ساعة أمرا بعيد المنال، حتى و إن وصل هذا الإسعاف فإنه سيكون في الغالب خاليا من الأجهزة اللازمة لإنقاذ مريض مصاب بنوبة قلبية، ناهيك عن وجود الكادر الصحي المؤهل للقيام بهذه المهمة حتى إيصال المريض إلى المستشفي المناسب الذي سيتابع إجراءات و تفاصيل علاجه لاحقا، و هذا مسألة أخرى لم أود الخوض في تفاصيلها المعقدة.
تلك القضية ساقتني إلى الاسترسال في هذه المسألة، و تتبعت حتى إبان زيارتي الأخيرة في ديسمبر الماضي إمكانية إنقاذ حياة حتى مسئول حكومي مقتدر مثل د.عوض الجاز أو علي عثمان محمد طه، أو حتى الرئيس نفسه إذا أصيب بنوبة قلبية، و قد أوردت نموذج وزير الطاقة لأنه الأكبر سنا، و إحصائيا فإنه الأكثر تعرضا لهذا الخطر. و حتى لا نفوّل على الرجل فسأعقد بقية مقارنتي هذه بشخص الرئيس الاعتباري بوصفه أهم شخصية في الدولة السودانية .
فإذا أصيب الرئيس السوداني بجلطة قلبية مثلا في منزله في كوبر و لنقل الساعة الثامنة صباحا مثلا فانه من العسير جدا إيصاله إلى مستشفى القوات المسلحة في أمدرمان خاصة عبر الكباري المزدحمة، و إذا حالفه الحظ و تجاوز بسيارات الأمن كل الحواجز و العوائق فان مسألة الربع ساعة التي وضعت من أخصائيي القلب كفترة حاسمة تصبح بعيدة المنال.
لقد تركزت سياسات الإنقاذ على التسليح و تمويل الأمن و تكديس الأموال بافتراض انه في حالة الحوجة الصحية فان الأردن و بلاد أخرى للعلاج قريبة و لكن هناك أمور قد لا تتيح للشخص المعين مهما بلغ ماله مجرد استقلال طائرة، لان حالته الصحية لا تسمح بذلك و منها السكتات الدماغية و إشكالات النزيف الداخلي... الخ فهل فكر هؤلاء و غيرهم من الحكام في ذلك.
في حوار سابق مع البروفسر عبد الرحمن التوم النقيب السابق لأطباء السودان نشر في منتصف مارس الجاري بجريدة سودانايل الالكترونية، ذكر أن هجرة الأطباء و العقول المهنية السودانية السبب الأساسي وراء تدهور المهنة فإلى متى هذا التعامل السطحي مع بديهيات الأشياء من قبل الدولة و إلى متى عدم النظر إلى هذه المسالة بعين الاعتبار و دراسة ظاهرة الهجرة هذه بصورة جيدة، إن عدم تطوير الصحة في السودان و عدم إعطائها الأولوية اللازمة يؤدي إلى عدم توفر الآليات اللازمة الأمر الذي يؤدي بالتالي على عدم القدرة على تدريب الكوادر على التعامل مع الحالات الطارئة لانعدام الوسائل اللازمة لذلك. و يؤدي إلى نزوح الأطباء إلى العاصمة لانعدام المعدات الطبية في الأقاليم، و بعد ذلك و لحدة المنافسة في العاصمة و لضعف طاقتها الاستيعابية إلى الفرار من الوطن إلى إي مكان.
في فبراير الماضي توفى إلى رحمة الله والد زميل دراسة لنا، بعيد نوبة قلبية لان مستشفى النيل الأزرق الخاص لم تكن عنده أماكن شاغرة لاستقباله، و لم ينصحه الطبيب المختص بالنصائح اللازمة للتعامل مع المرض حيث حوله إلى مستشفى أمدرمان التعليمي سائرا على قدميه و هو المصاب بنوبة قلبية... أيضا توفى العام الماضي احد أقربائي بعيد نوبة قلبية و المؤلم انه حينها كان نزيل في مستشفى حكومي وفي قسم القلب حيث تنعدم حتى ابسط الأجهزة لإنذار الأطباء و العاملين بتدهور حالته حينئذ.
إن التعامل السطحي و السياسي مع أمور مهنية متخصصة مثل الصحة أمر خطير نرى بأم أعيننا نتائجه يوميا، الأوبئة و الجراثيم لا تفرق بين الأغنياء و الفقراء، و إذا انعدمت الخدمات الصحية حتى بالنسبة لسكان العاصمة القومية فإن الحال في الأقاليم يمكن تصوره قياسا على ذلك، و سنكون موعودين بالمزيد من الهجرات من الأقاليم في الفترة القادمة لانعدام الخدمات الأساسية مثل العلاج و التعليم و العمل. مما سيفاقم تعقيدات العلاج حتى في العاصمة نفسها لوجود ضغط رهيب على مستشفياتها المتهالكة و التي تعاني من مخططات تهدف إلى تصفيتها لحساب القطاع الخاص و تعاني من ضعف مؤسس و مقصود في التمويل و الإدارة.
F
|
|
|
|
|
|
|
|
|