|
Re: مشكلة تهميش دارفور أم طموحات أبناء الزغاوة ؟ (Re: BousH)
|
الأخ محمد عبد القادر سبيل .. تحياتي لك .. المقال أدناه ( موقع السجدة ) في كتابات المثقفين .. العرب منهم و المستعربين .. أهديك مع خالص تقديري .. 4 سبتمبر 2004 شفــــاف الشــــرق الأوســــط
على هامش نكبة دارفور
في فقه المؤامرة والاستهداف
سعد الدين إبراهيم
لابد أن كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، مثل كثير من عقلاء هذه الأمة، قد فاض بهم الكيل من غوغائية بعض الساسة والمثقفين العرب، الذين لا يكفون عن اتهام الخارج بتدبير المؤامرات، الواحدة تلو الأخرى، للتدخل في شئوننا، واختلاق لذرائع لاحتلال أوطاننا، والهيمنة على مصائرنا، ونهب ثرواتنا، لذلك يواصل نجيب محفوظ، للأسبوع الثاني على التوالي، في حديثه الأسبوعي للزميل محمد سلماوي في الأهرام في الإلحاح على مسئوليتنا الذاتية عن المصائب والنكبات التي تقع لنا. والتي قد تستغلها بعض الأطراف الخارجية، فعلا، للتدخل في شئوننا.
يقول الشيخ نجيب محفوظ:" إن ما يحدث الآن في دارفور بالسودان إنما يثبت أننا كعرب لم نستوعب بعد حقائق العصر الذي نعيشه، ففي عالمنا هذا لم يعد هناك ما يمكن أن يعتبر شانا داخليا، فقد صغر العالم وتقاربت أطرافه التي كانت تبدو في عصر أخر نائية. وصار ما يحدث في أقصى الأقاليم السودانية يحظى باهتمام جميع دول العالم، كما يثبت قرار الأمم المتحدة الأخير في هذا الشأن. ومن ثم فان ذلك يعطي بعض القوى التي تسعى للتدخل في المنطقة والسيطرة عليها فرصة لتحقيق أهدافها. إن علينا أن نعرف انه في عصر العولمة الذي نعيشه فإن أي شيء يحدث في أقاصي إقليمنا يسمع صداه في جميع عواصم العالم وثبت صوره جميع قنوات التليفزيون".
ورغم أن هذا هو الإدراك الواعي لكاتب في التسعين من عمره، إلا أن جيلا اصغر بحوالي خمسين سنة مازال يردد نفس حديث المؤامرة والاستهداف من الخارج، دون أي نقد ذاتي، أو مراجعة حقيقة ما تردده الأنظمة العربية الحاكمة، التي عهدناها جميعا مستبدة كذوبة.
من ذلك ما أفردت له مجلة أسبوعية تصدر عن مؤسسة الأهرام، وهي " الأهرام العربي"، التي خصصت ملفا كاملا في عددها بتاريخ 31/7/2004 لموضوع دارفور، بعنوان رئيسي بارز على الغلاف:"المؤامرة عنوانها النفط"، وعنوان فرعي هو:"مفتاح صندوق انتخابات بوش في دارفور". بل ويبدأ الملف بافتتاحية لرئيس تحرير المجلة، الزميل أسامة سرايا، عنوانها:"من دارفور إلى المسجد الأقصى". وهكذا في عدة كلمات وعناوين أوحى أسامة سرايا بمفردات التنويعة المعتادة لنظرية "المؤامرة" التي أدمنها العقل العربي في العقود الخمسة الأخيرة ففيها كل عناصر الوجبة الدسمة للمؤامرة وهي أمريكا والغرب وإسرائيل كمتآمرين، طامعين، أشرار، وفيها نفط ومياه وانهار ومعادن، كمطمع لهؤلاء الأشرار. وفيها" عرب" و" مسلمين" كضحايا مستهدفين. والتنويعة الإضافية هذه المرة هي صندوق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة فقد ادعت كاتبة اسمها الدكتور أماني الطويل في نفس عدد الأهرام العربي أن:"قطار التدخل الدولي السريع بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أوشك أن يدخل محطة دارفور السودانية التي اختلط فيها الحابل بالنابل. فلم تعد هناك خطوط فاصلة بين الشأن السياسي والشأن الإنساني، حيث يتلاعب بمصير أكثر من مليون سوداني نازح ومشرد في الصحراء المحترفون في واشنطون ولندن والخرطوم، بينما الهواة من السياسيين الجدد، من أبناء دارفور، ينتقلون بين العواصم العالمية حيث أسكرتهم خمرة النجومية السياسية والإعلامية، فافتقدوا القدرة على طرح أجندة سياسية متماسكة".
وهكذا تعزو الدكتور أماني الطويل النكبة الإنسانية في دارفور إما لمحترفي السياسة في واشنطون ولندن أو الخرطوم.
وبهذا الترتيب، أي واشنطن ولندن أولا وثانيا، ثم الخرطوم في المقام الأخير. أما الفريق الثاني المسئول عن نكبة دار فور فهو في رأي الدكتور أماني الطويل، فريق من هواة السياسة الجدد من أبناء دارفور، الذين لعبت خمر النجومية بعقولهم، فقدموا أكثر من مليون من ذويهم قرابين على مذبح هذه النجومية المبتغاة! وهي تنتقد هؤلاء الهواة الجدد؛ لأنهم لا يمتلكون أجندة سياسية متماسكة!!.
إن مثل هذا التحليل الذي يتراوح بين السذاجة، مع أحسن الظنون، والتضليل، مع أسوا الظنون، قد أصبح نمطا شائعا في الصحافة المصرية والعربية. وسيقتصر تفسيرنا هنا على فرضية أحسن الظنون، حيث لا توجد مصلحة ذاتية للأهرام العربي- سواء من خلال رئيس التحرير أسامة سرايا، أو الدكتور أماني الطويل التي أعدت ملف العدد.
نبدأ نقدنا لهذه المدرسة في الإعلام العربي عموما والمصري خصوصا، بنزعتها لوضع"اللوم على الضجة". فالقيادات السياسية في دارفور هي المسئولة، في نظر هذه المدرسة عما حدث ويحدث لأهاليهم، من تشريد ونزوح وجوع وموت. فهذه القيادات هي أولا "هاوية" وليست " محترفة". وهي، ثانيا، تبحث عن النجومية خارج الحدود. وهي، ثالثا، تركت النزعة للنجومية تستبد برؤوسها حتى أسكرتها تماما. ولذلك افتقدت، رابعا، إلى صياغة أجندة سياسية متماسكة، أي أنها لو كانت تملك مثل هذه الأجندة، ولم تنزع إلى النجومية، فربما كانت نكبة دارفور لم تقع أصلا، أو كان يمكن احتوائها بسرعة.
لقد كانت عناصر نكبة دارفور ضاربة بجذورها إلى عدة عقود مضت. ولكنها تفجرت فقط منذ عامين، وبدا العالم ينتبه إليها منذ عام واحد، ثم تعالت صيحات المجتمع الدولي منذ ستة شهور فقط، ثم منذ شهر واحد، قرار مجلس الأمن الذي يعطي الحكومة السودانية ثلاثين يوما لوقف العنف، بنزع سلاح الميليشيات الحكومية العربية المعروفة باسم" الجانجويد".
وعلى حد علمي وبناء على مصادر سودانية ودولية، فان " حركة تحرير السودان"، و" حركة العدل والمساواة" وغيرهما من تكوينات وتنظيمات سياسية في دار فور، هي جميعا حديثة النشأة، ولا يتجاوز عمر أقدمها خمس سنوات. أي أن قياداتها هي فعلا من" الهواة"، على تعبير الدكتور أماني الطويل، ولكن السؤال للدكتورة أماني وغيرها هو " ماذا عمن يحكمون السودان من الخرطوم منذ الانقلاب العسكري- الديني، الذي سمى نفسه بنظام جبهة الإنقاذ، والذي استولى على السلطة منذ عام 1989 – أي منذ 16 عاما؟" ألا تكفي هذه السنوات الطويلة في السلطة لكي يكونوا محترفين؟ أظن أن الدكتورة أماني تقر بأنهم كذلك، فلماذا لم تتوقع منهم أو تطالبهم بأي يكون لديهم" أجندة سياسية متماسكة"؟. حقيقة الأمر انه كانت لدى جبهة الإنقاذ أجندة سياسية متماسكة في سنواتها العشر الأولى ( 1989-1999)، حيث صاغ دكتور حسن الترابي برنامجا إسلاميا عربيا شرعيا لحكم السودان، بمسلميه ومسيحييه ومشركيه، بعربه وزنوجه واعاجمه.
وتبنى اللواء حسن البشير-( الذي أصبح فريقا، ثم مشيرا)- بعد الانقلاب، برنامج الترابي، وتحمس له، وقاتل من اجل تطبيقه. وفي معمعة هذا الحماس لتطبيق هذا البرنامج الشرعي الإسلامي- العربي، المتماسك، تسببت جبهة الإنقاذ في تفكيك السودان وسفك دماء مليونين من أبناءه، معظمهم في الجنوب، وتشريد ثلاثة ملايين آخرين، منهم مليون في غرب السودان، وفي دارفور.
المسألة، إذن، ليست وجود برنامج سياسي متماسك من عدمه. فمثل هذه البرامج الإيديولوجية المتماسكة أدت إلى الاستبداد، وأدى الاستبداد بدوره إلى الفساد، وأدى هذا الأخير إلى الخراب. إن ثلاثية" الاستبداد- الفساد- الخراب"، كانت تحدث في السودان منذ استيلاء الفاشية العسكرية- الدينية على مقاليد السلطة في السودان ( 1989) تحت المسمى الخداع" جبهة الإنقاذ". ولكن نفس هذه الثلاثية البغيضة تجلت بشكل درامي في دارفور خلال السنة الأخيرة، لذلك جذبت اهتمام العالمين- في الداخل والخارج. إن أنظمة الحكم العربية تتضامن – من خلال جامعتهم العربية- في التستر على ثلاثية الاستبداد والفساد والخراب، لان ذلك يخدم مصالحها. ولكن لماذا يساهم بعض المثقفين والصحفيين العرب في مثل هذا التستر؟.
لماذا يظل أمثال نجيب محفوظ صوتا وحيدا في البرية العربية الموحشة؟. لقد ارتكبت الأنظمة العربية نفس جريمة الصمت هذه بالنسبة لنظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد عندما دك مدينة حماة بطائرات سلاح الجو السوري، في أوائل الثمانينات، وقتل ما يزيد عن عشرين ألفا من أبناء المدينة، للتخلص من عدة مئات من معارضيه من الإخوان المسلمين.
ولم يرتفع وقتها صوت حكومة عربية واحدة أو مثقف أو صحفي عربي واحد للاحتجاج- بدعوى أن سوريا كان وقتها تقود جبهة" الصمود والتحدي" في مواجهة إسرائيل والغرب. واستمر هذا التواطئ المتبادل بين الأنظمة العربية الحاكمة في عدة حالات نكل فيها النظام الليبي بمعارضيه داخل ليبيا، أو بالعرب المعارضين من خارجها.ولعلنا نذكر اختفاء الزعيم الشيعي اللبناني موسى الصدر أثناء زيارته ليبيا في الثمانينيات، ثم اختفاء المعارض الليبي منصور الكنحيا، الذي كان وزيرا لخارجية ليبيا، بعد اختطافه من فندق سفير بالدقي في القاهرة في أوائل التسعينيات. ومرة أخرى برر المثقفون صمتهم بان" الأخ معمر" هو أيضا احد أركان جبهة الصمود والتصدي.
واخذ التواطؤ طابعا عنصريا طائفيا في حالتي استخدام النظام العراقي لصدام أبشع أساليب الابادة والتنكيل بداية ضد جيرانه الإيرانيين( 1980- 198 بدعوى أنهم فرس مجوس. وان نظام صدام يحرس البداية الشرقية للأمة ضد حجافلهم. ومرة ثانية عندما استخدم الغازات السامة ضد مواطنيه الأكراد بدعوى أنهم غير عرب، ولديهم نزعات انفصالية. ومرة ثالثة ضد جيرانه العرب الكويتيين. وكان صمت معظم المثقفين العرب هذه المرة، هي لان الكويتيين أثرياء، وأنهم استغاثوا بالغرب الاستعماري لإنقاذهم.
وهكذا يتكرر مسلسل الاستبداد وحماقاته في الداخل ومع الجيران. ويستمر التواطئ المتبادل للأنظمة لمصالح معروفة، كما ذكرنا آنفا. ولكن المدهش والمزعج والمخزن، أن يتحول بعض المثقفين والإعلاميين إلى شركاء في جريمة الصمت، ويبررون لهذه الجريمة بشتى الأعذار. ومن أخر هذه المبررات، وضع اللوم على الضحية- كما في حالة دارفور.
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
|
|
|
|
|
|
|
|
|