ما أن تنفتح نوافذ التعبير ولو في حد (أرعى بقيدك) حتى يفاجئك ويطل عليك من شاشة تلفزيون السودان من لا تتوقع .. وتسمع إبداعاً يدهشك (ويلفت نظرك غصباً عنك) .. فبينما كنت أفكر في توزيع الثروة وهل يعني الاشتراكية في زمن التراجع والتفكير الإنكفائي .. وكل إقليم ياخد حقو .. ريثما يتم التشطير .. أو أن تصغر الدائرة ليقسم لكل فرد حقو ويذهب حيثما شاء .. طاف بذهني وانا على هذا الحال من الحلم المونق .. تراجع لغة شيوعيي السودان من إشتراكية على النسق السوداني إلى إصلاحية في ظل ديمقراطية ليبرالية لا سبيل إليهافي مثل واقعناإلا في أضغاث الأحلام .. انتقل بي الخيال إلى ضرورة إعادة كتابة تاريخ السودان .. عسى أن يساعد في لملمة العقد المنفرط .. وأن يترك لأهل كل إقليم كتابة تاريخهم ومن ثم يجتمع مؤرخين وفنانين وطنيين لصياغة وإخراج هذا العمل .. فيصبح لدينا تاريخاً يجد كل فرد فيه أن له إرثاً مدونا يرتكز إليه ويتعلمه أطفاله في المدارس .. أعتقد أن من حق الانسان أن يحلم .. أما إن تجاسر وأعلن عن أحلامه فذاك أمر آخر .. وفجأة أطل الدكتور تاج السر الحسن من شاشة التلفزيون .. هذا الهرم الثقافي الذي غيبته الأحداث والخطوب التوالي .. فأستيقظت تماماً كان ذلك في مساء 6 يناير 2005 في برنامج أسماء في حياتنا .. هذا البرنامج الذي كان سيكون شبيهاً بالتاريخ الذي حلمت به أعلاه لولا الإنتقائية التي أفسدت تاريخنا المكتوب .. وغيبت عنه صفحات بل أسفار ورجال ونساء .. حزنت أن كيف يغيب مثل هذا الهرم الثقافي كل هذا الزمن عن أجهزتنا الإعلامية .. وعلى مجيئه متأخراً فقد سجل أسطراً رصينة متينة .. سأله الأستاذ عمر الجزلي .. هل تعتقد أن الشعر قد ظُلم يا أستاذ؟ فقال: ظلم الإنسان الذي يبدع الشعر يا أخي .. ظلم الإنسان .. وتناول التدهور الثقافي بأسبابه الاقتصادية وغير الاقتصادية .. وعن ضرورة رفع ثقافة الشعب .. وعن مأساة أوديب (وهل تلد الهرة السوداء إلا هر أسود) .. وكانت فواصل هذا الكلام الممتع : عندما أعزف يا قلب الأناشيد القديمة ويطل الفجر من قلبي على أجنح غيمة سأغني .. سأغني سأغني آخر المقطع للأرض الحبيبة لرفاقي في البلاد الآسيوية للملايو ولباندوق الفتية مصر يا أم جمال أم صابر يا شموعاً سمقت مثل المنابر يا جزائر هاهنا .. هاهنا يختلط القوس الموشى من كل دار كل ممشى نتلاقى كالرياح الآسيوية كأناشيد الجيوش البربرية وأغني وأغنى وتحدث د. تاج السر عن شاعرية الناس العاديين .. وأنها أظهر ما تكون في أهله الشايقية فكثيراً ما يسمعها في الأغاني التي تبث في مسجلات الحافلات العامة .. وعن أن هذه الشاعرية المطبوعة تحتاج للثقافة .. فالكلمة والقصيدة ليست جامدة ليست مثل صورة الفنان .. بل حية متحركة متنقلة يمكن أن تعبأ بثقافة الشاعر .. فتأتي الثقافة للناس عبر الكلمة الشعرية الأنيقة .. ولكن أي ناس ..فينبغى أن يكون المتلقى في مدى الشاعر ثقافيا .. كلام متدفق جميل لا أستطيع أن أنقله لكم .. ولكني أترك لتمبس وراكوبة .. أن يأتونا به حتى نستمع إلى الثقافة الحقيقية التي طالما أفتقدناها .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة