|
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا (Re: حامد بدوي بشير)
|
مشروع الدولة الحداثية العلمانية
في العصر الإستعماري (1940 – 1955 )
قلنا أن الإدارة الإستعمارية في السودان كانت في البداية تأمل بأن ينهض المتعلمون السودانيون بعبء طرح الخيار الحداثي الديموقراطي التعددي العلماني كمشروع سياسي منافس للمشروعين المطروحين بقوة، الإستقلالي الديني والإتحادي العروبي. وأنه لما فشل المتعلمون في إدراك أن مصالحهم ترتبط بنهوض ذلك التيار السياسي الثالث، لجأت الإدارة الإستعمارية للكتلة الثانية التي لا تتطابق مصالحها مع المشروعين المطروحين. تلكم هي كتلة سكان الإطراف والأرياف والهوامش. فسعت الأدارة الإستعمارية لتأسيس (الحزب الجمهوري الإشتراكي) واتجهت إلى الزعماء القبليين من عمد ونظار ومشايخ الشمال والشرق والغرب وسلاطين الجنوب لتحقق قيام ونجاح ذلك الحزب. وأرجو عدم الخلط بينه وبين (الحزب الجمهوري) الذي أنشأه الأستاذ الشهيد محمود محمد طه. وقد فشل هذا الحزب إذ لم يحرز في إنتخابات الحكم الذاتي سوى ثلاثة مقاعد ثم مات إذ لقي حربا ضروسا من كل الأحزاب. والغريب في الأمر هنا أن المتعلمين قد فاتهم إستيعاب الدرس مرة أخرى فوقفوا ضد (الحزب الجمهوري الإشتراكي) بما فيهم (الحزب الشيوعي السوداني).
ومع هذا الضعف الذي وصل حدود الفشل والذي لازم محاولات النهوض بالمشروع الحداثي العلماني وسط الحركة السياسية السودانية، إلا أن هذا المشروع قد إنتصر في نهاية المطاف ولم ينل السودان إستقلاله أول عام 1956 إلا تحت رايته. غير أن انتصار الإتجاه الحداثي العلماني عشية الإستقلال، لم يجيء نتيجة لقوة التيار الحداثي العلماني وسط الحركة السياسية السودانية. وإنما جاء نتيجة لتطورات ضخمة ومتغيرات خطيرة، قادت لإنتصار هذا الإتجاه السياسي الذي أخذ السودان إستقلاله تحت رايته. فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر في حقل العلاقات الإتحادية - المصرية، عشية إستقلال السودان. حيث بدأ الإتحاديون يتملصون علنا من الدعوة للإتحاد مع مصر وبدأت الصحف المصرية الرسمية تهاجم الزعيم الإتحادي إسماعيل الأزهري. فالإتحاديون لم يستسيغوا أو يهضموا مطلقا الخطاب السياسي الجديد لمصر الناصرية بسبب تجذر حركتهم في عمق الطبقة الوسطي التجارية في المدن السودانية، والتي قامت في ظلها الصلات القوية بين القيادة الإتحادية والساسة المصريين قبل قيام الثورة في يوليو عام 1952. فإذ تذكرنا بان العلاقات المصرية الإتحادية كانت في ظل العهد العلماني في مصر والذي أفرزته الثورة البرجوازية التجارية في مصر عام 1919، فإننا يمكن أن نتفهم بسهولة أن عناصر الطرد بالنسبة للإتحاديين بعيدا عن مصر الناصرية كانت أقوي من عناصر الجذب عشية إستقلال السودان.
وهذا التطور يعني بالضرورة تقاربا إتحاديا - بريطانيا، خاصة إذا تذكرنا بان غالبية المتعلمين (أعضاء مؤتمر الخريجين) كانوا إتحاديين. لهذا يمكن أن نري بسهولة بأن بريطانيا قد وجدت ضالتها في هذا التباعد الإتحادي – المصري. فقد كانت بريطانيا في الأصل تراهن علي المتعلمين من السودانيين، والذين درسوا في المدارس التي أنشأتها الإدارة الإستعمارية في السودان. وكانت بريطانيا تأمل في ان ينهض هؤلاء بالدعوة لنظام الحكم العلماني المرتبط ببريطانيا عبر الكومونويلث. وبعد أحداث ثورة 1924، فقدت بريطانيا الأمل في هؤلاء المتعلمين فاتجهت للهوامش. غير أن متغيرات الأحداث قد أعادت الأمل مرة أخرى للإدارة الإستعمارية البريطانية، في دور ليبرالي علماني يلعبه هؤلاء المتعلمون لتحقيق سياستها الرامية إلى (قيام سودان، حسن الحكم، مستقل عن مصر، وفي علاقات ودية مع بريطانيا، وخاضع للنفوذ البريطاني) بشير محمد سعيد – ( خبايا وأسرار في السياسة السودانية ) ص 118
وخلال العامين 1953.1952، يبدو أن البريطانيين قد اقتنعوا بان إسماعيل الأزهري والإتحاديين هم الأقدر والأكثر أمانا على تنفيذ تلك السياسة البريطانية مقارنة مع عبد الرحمن المهدى و(حزب الأمة) ذي الإتجاهات الدينية الواضحة. فقد ورد في مذكرة نعتبرها اخطر وثيقة توضح بجلاء إتجاهات السياسة البريطانية والسودان على أعتاب الإستقلال .. ورد فيها ما يلي: (ومن المفترض أنه لا يهم حكومة صاحبة الجلالة البريطانية سواء جاء إستقلال السودان على أيدي الحزب الوطني الإتحادي أو حزب الأمة. وقد ظللنا نؤيد هذا الحزب الأخير لأنه يمثل القوة الرئيسية للسودانيين الذين يعلنون تحيزهم للإستقلال. وهنالك في حقيقة الأمر عدد من الحجج المؤيدة للرأي القائل باحتمال أن يكون الإستقلال عن طريق الوطني الإتحادي اشد خدمة لأهداف الحكومة البريطانية في السودان عن احتمال الإستقلال عن طريق حزب الأمة) المصدر السابق وواضح أن التحليل للفعاليات السياسية السودانية عشية الإستقلال قد هداهم إلى أن الإتحاديين لا يستطيعون إلا أن يكونوا لبراليين بعد ان فقدوا حرصهم على العلاقة الخاصة مع مصر التي منبعها الخوف من هيمنة المشروع المهدوى الديني. فمن ناحية تحولت مصر إلى الإشتراكية، ومن الناحية الأخرى، هزيم (حزب الأمة) في إنتخابات عام 1953. وقد وردت هذه النتيجة حرفيا ضمن مزكرة الحاكم العام الضافية التي نقتطف منها هنا: (16 - بالنسبة للنقطة (أ) أعلاه هنالك دلائل، كما سبق وأوضحنا، بان عقل الحزب الوطني الإتحادي، وخاصة الختمية، يتجه نحو فكرة الإستقلال، وانهم لم يعودوا يلعبون اللعبة المصرية بحرص كما كانوا يفعلون من قبل) (المصدر السابق) . وهذا يعني أن الإتحاديين عندما تخلوا عن مشروعهم المتمثل في الإتحاد مع مصر لم يستطيعوا إلا أن يكونوا ديموقراطيين ليبراليين حداثيين علمانيين. وهذ هو سر التقارب الراهن بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وبين الحزب (الإتحادي الديموقراطي).
هذا الإتجاه السياسي البريطاني الجديد للتقارب مع الإتحاديين، مضافا إليه نفور الإتحاديين من سياسات مصر الراديكالية الجديدة، كل ذلك قد خلق تداخلا وخلطا في هذه المرحلة من تطور الحركة السياسية السودانية بين المشروع الإتحادي العروبي والمشروع الحداثى العلماني. ومن هنا جاءت هزيمة المشروع الديني المهدوى في أول إنتخابات تجرى في السودان أواخر عام 1953. فقد واجه الأخير منفردا قوي المشروع الإتحادي العروبي المدعوم من مصر، زائدا قوي المشروع الحداثي العلماني المدعوم من بريطانيا، وكان لا مناص من الهزيمة.
توضح هذه الملابسات السياسية عشية الإستقلال بان التيار الحداثي العلماني قد اكتسب قوة هائلة ممثلة في الإتحاديين دون أي مجهود يذكر من عناصره أو من الإدارة الإستعمارية البريطانية التي تدعمه. وهذا يعني بأن إتفاقية السودان لعام 1953 بين مصر وبريطانيا، قد سقطت وتجاوزتها الأحداث، خاصة في شقها الذي ينص علي إستفتاء الشعب السوداني بين الإستقلال التام أو الدخول في علاقة سياسية مع مصر. فلم يعد أحد يريد هذه العلاقة السياسية مع مصر. حتى الختمية لم يميلوا إلى مصر مرة أخرى إلا بعد أن تقاربت أمريكا و(حزب الأمة) بعد الإستقلال بسنوات، ذلك التقارب الذي تجلى سياسيا وإقتصاديا في مشروع المعونة الأمريكية.
وأخطر هذه التطورات كانت هي سهولة نيل السودان إستقلاله، فبريطانيا السعيدة بهزيمة التيار الديني، والسعيدة أكثر بانفصام علاقة الإتحاديين مع مصر، كانت علي إستعداد للإسراع بإكمال إجراءات الإستقلال وإعلان جمهورية السودان المستقلة ذات الحكم الديمقراطي ألتعددي وهي، أي بريطانيا، كانت على استعداد للتغاضي عن شرط الإستفتاء.
ومن هنا يتضح بأنه لا صحة مطلقا للقول بان إستقلال السودان قد تحقق بالمناورات والتكتيكات والمقالب السياسية. فقط، لم يكلف أحد نفسه تحليل ما حدث لمعرفة حقيقة ما حدث. والنتيجة الهامة التي نخرج بها هنا، فيما يلي موضوعنا، هي أن انتصار التيار الحداثي العلماني قد جاء ظرفيا وأن نظام الحكم الديمقراطي قد ظل يعاني من هذه الظرفية طوال تاريخ الحركة السياسية السودانية. فقد أصبح قدر هذا النظام أن يكون محطة وسطي يستريح فيها المتحاربون ساعة ريثما يواصلون القتال. ولعل هذا هو السبب الرئيسي وراء ذلكم الضعف الذي ظل يعتري نظام الحكم الديمقراطي، وهو أنه لم يتحقق عبر إرادة ومجهود أصحاب المصلحة الحقيقية في قيامه من أهل الأرياف والهوامش أو المثقفين العلمانيين في المدن، وإنما تحقق بشروط ظرفية وكناتج جانبي.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 12-24-05, 05:16 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 12-24-05, 05:20 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 12-24-05, 08:40 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | هاشم نوريت | 12-24-05, 09:20 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | Murtada Gafar | 12-24-05, 11:59 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | هاشم نوريت | 12-24-05, 12:02 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | TahaElham | 01-11-06, 03:17 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | almahsi | 01-23-06, 01:47 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | shaheen shaheen | 12-24-05, 02:58 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 12-25-05, 05:34 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | Mohamed Elgadi | 12-27-05, 01:46 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 12-25-05, 06:51 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | almahsi | 01-26-06, 01:00 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 12-26-05, 05:00 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | Murtada Gafar | 12-26-05, 10:07 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | عشة بت فاطنة | 12-26-05, 10:56 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 12-30-05, 05:51 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | Masaoud Ali | 12-30-05, 06:11 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 12-30-05, 07:10 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | Masaoud Ali | 12-30-05, 08:55 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | عشة بت فاطنة | 12-30-05, 10:21 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | abuarafa | 12-30-05, 10:45 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 12-30-05, 12:01 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | TahaElham | 01-11-06, 03:37 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | TahaElham | 12-30-05, 03:05 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 12-31-05, 11:19 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-01-06, 04:56 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | عشة بت فاطنة | 01-01-06, 12:15 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | Murtada Gafar | 01-01-06, 03:11 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-02-06, 04:57 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-03-06, 05:30 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-03-06, 12:13 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | TahaElham | 01-11-06, 03:58 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-04-06, 05:29 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | charles deng | 01-04-06, 09:29 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-06-06, 07:22 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | Tumadir | 01-06-06, 07:41 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | fadlabi | 01-06-06, 07:44 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-07-06, 05:18 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | Haydar Badawi Sadig | 01-07-06, 05:20 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | TahaElham | 01-07-06, 06:11 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-07-06, 12:01 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | TahaElham | 01-11-06, 11:27 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | Hani Abuelgasim | 01-07-06, 06:39 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-08-06, 10:00 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-08-06, 10:41 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-10-06, 06:25 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-11-06, 06:41 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | charles deng | 01-11-06, 09:56 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-13-06, 05:04 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-13-06, 11:14 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-15-06, 05:12 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-16-06, 05:12 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-17-06, 05:33 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | عشة بت فاطنة | 01-17-06, 06:19 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-18-06, 05:09 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-20-06, 06:04 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-23-06, 05:05 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-24-06, 05:54 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | nadus2000 | 01-24-06, 09:22 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | almahsi | 01-26-06, 12:52 PM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-25-06, 11:28 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-27-06, 06:30 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-29-06, 07:40 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | almahsi | 01-30-06, 11:22 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-30-06, 07:28 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | حامد بدوي بشير | 01-31-06, 05:57 AM |
Re: يا علمانيو السودان .. إتحدوا | almahsi | 02-02-06, 04:43 PM |
|
|
|