|
بول موركرافت: إرسال قوات غربية إلى دارفور سيغرى بإعادة تمثيلية العراق
|
إرسال القوات إلى دارفور سيغرى بإعادة تمثيلية العراق إذا كان هناك سجل صحافة عالمى إعتقلت حكومة السودان الديكتاتورية بسببه شخصا ً فسأكون أنا الذى يحمل ذاك السجل : فلقد تم اعتقالى فى صبيحة أول يوم ٍ لزيارتى . ورغم زيارات كثيرة قمت بها لاحقا ً للسودان , سأظل حذرا ً جداً من النظام . ومع ذلك فإن للخرطوم موقفا ً حول مخاطر التدخل العسكرى الغربى فى دارفور . وقد اقترح الرئيس بوش فى فبراير أثناء جلسة سادت فيها أسئلة وأجوبة غير موثقة بولاية فلوريدا دورا ً دوليا ً موسعا ً فى دارفور بقوة ٍ أممية ٍ تحت (قيادة الناتو) . وقد أيقظ هذا التصريح كثيرا ً من صناع السياسة . فالناتو ظل سلفا ً يقدم المساعدات اللوجستية ل7800 جندى من قوة حفظ السلام التابعة للإتحاد الإفريقى فى دارفور . ويحث بوش لإرسال قوة أممية كبيرة ــ ربما 20000 جندى ــ لتحل محل قوة الإتحاد الإفريقى قائلا ً بأن هذه القوة الجديدة ستنهى الإقتتال الدائر هناك . وهذا الأمر يبدو معقولا ً بيد أنه لن يكون فاعلا ً , فإحلال قوات ٍ مسيحية ٍ غربية ٍ بيضاء فى دارفور سيعمل على توحيد كل أولئك الذين يقاتلون بعضهم بعضا ً فى حرب ٍ مقدسة ضد الدخلاء . هذا وقد حذر مسؤولو الدفاع فى لندن وبروكسل واشنطن من مغبة كارثة شبيهة بما حدث عام 1993 فى الصومال , لكننا نشاهد عفريت القوات الغربية خارج القمقم . لقد أذهل تمرد 2003 فى دارفور الخرطوم , الشىء الذى جعلها ترد بعنف لسحق المتمردين الذين يزعمون أن التهميش قد طال إقليمهم . وقد ارتكبت كل الأطراف الأعمال الوحشية , كما انتشرت أعمال النهب وقطاع الطرق وجنرالات الحرب إنتشارا ً واسعا ً . لقد استنزفت دارفور بفضل صراع ٍ وحشى بيد أنه لم يكن إبادة ً جماعية , فالأخيرة هى الدافع المعلن للولايات المتحدة فى العمل . وتتهم الخرطوم بتسليح رجال المليشيات العربية "الجنجويد " للقضاء على العناصر غير العربية . إن جذور عقدة الحرب هى جذور ٌ قبلية وسياسية لكنها ليست جذوراً عنصرية , فعرب دارفور أناسٌ سود وأفارقة أصليون مسلمون, مثلهم مثل العناصر غير العربية فى دارفور . وفى الوقت الذى يعتبر فيه الصراع أساسا ً صراعا ًمن أجل الماء والكلأ , لكنه أيضا ً صراع حول السياسة القومية : فالمتطرفون الإسلاميون فى الخرطوم أنصار المهمش المثير للقلاقل حسن الترابى هم الذين جعلوا المرجل يغلى فى دارفور . إن التدخل الغربى سيسلك مسلكا ً يجعله خاسرا ً أمام الجهاديين . وقد أشارت الأمم المتحدة أيضا ً إلى تدخل ٍ إريترى وليبى وتشادى . وعلى أية حال هناك إطارٌ للسلام , فالسودان أنهى أطول حرب ٍ فى إفريقيا عام 2005 : أى صراع ال50 عاما ً المتقطع بين الحكومات فى الخرطوم والجنوب. وقد استثمرت واشنطن ـ بمعاونة لندن وأوسلو ـ كثير وقت ٍ وطاقة ً سياسية كبيرة فى إقرار صفقة السلام التى ستشهد أكثر من 10000 جندى من القوات الأممية يتم وضعهم فى الجنوب , ويعتبر هذا نجاحا ً نادرا ً لسياسة بوش الخارجية . فى الوقت الذى تقبل فيه الخرطوم بدخول 13000 عاملٍ إنسانى تابع للأمم المتحدة فى دارفور , إلا أنها تعارض بشدة التدخل العسكرى الأممى . إن حكومة الوحدة الوطنية الجديدة ـ بما فيها الأطراف السابقة المتحاربة ـ تعانى سلفا ً توترا ً داخليا ً كبيرا ً , حيث يقول كثير فى القيادة الإسلامية السابقة الحاكمة هناك الكثير الذى تم إعطاؤه من قبل , فتجدهم يقولون إن الجنوب منح تنازلات ٌ جمة نسبة للضغط الدولى , و بعد ذلك تطلب واشنطن المزيد فى غرب السودان . فالحكومة يمكن أن تنفجر إنفجارا ً داخليا ً وهى تأخذ سلام شمال_جنوب معها , فالسودان يحمل كل العناصر ليصبح دولة فاشلة . وفى حين تم قبول القوات الأممية فى الجنوب, لكن سيتم التعامل معها بصورة مختلفة فى الغرب المتحمس تطرفا ً , إذ إن وجود هذه القوات سيكون عامل جذب للمجاهدين عبر الساحل من الصومال إلى موريتانيا . كما ليس من الواضح لعملية السلام هذى أن تتماسك , فحلف الأطلسى يضغط للحصول على قوات إضافية لأفغانستان فى الوقت الذى تصارع فيه القوة الأممية فى جنوب السودان لتبلغ طاقتها. وهذه ليست دعوة للتراخى والتكاسل , فكثير من الناس قتلوا فى الحروبات الإفريقية أكثر مما هو فى بقية العالم كله . وفى حين أن عدد القوات الأممية تضاعف خمسة أضعاف تقريبا ً منذ العام 1999 , إلا النظام الأممى ينوء تحت عبء ٍ ثقيل . كما أن العمليات الأممية ـ خاصة فى إفريقيا ـ تورطت فى فضائح جنسية ومالية , وأن القبعات الزرقاء ستكون أيضا ً مكلفة ً أكثر من عملية إفريقية مزيدة . إن أية عملية أممية سيتم تصورها ـ صحة ً أم خطأ ً ـ أداة ً لأمريكا , فقد لوثت سمعة واشنطن بفضل دعاوى أسلحة الدمار الشامل الزائفة وغزوها للعراق , حيث استردت قليلا ً من تلك السمعة الملوثة بعد صفقة سلام شمال- جنوب . والآن إنقشع ذلك بفضل المقترح الأممى- الأطلسى الذى طرحه بوش . ومصداقية الإتحاد الإفريقى فى خطر أيضا ً , فمن الواجب ألا يظهر الإتحاد الإفريقى بمظهر الفاشل فى أول محاولة حقيقية له فى حفظ السلام الدولى , فقد قرر الإتحاد الإفريقى يوم 10 مارس أن يمدد بقاء قوته حتى سبتمبر قبل إجراء تسليم محتمل لمهمته للأمم المتحدة . ومن الأسلم تفادى الأمم المتحدة والسماح للناتو بمواصلة تقديم مزيد من الدعم اللوجستى والإستخباراتى . ويجب أن تضاعف قوة الإتحاد الإفريقى من حجمها , وقد وعدت الجامعة العربية هذا الأسبوع أن تساعد بالتمويل وـ ما هو مقبول ـ بالقوات الإسلامية . ليس هناك حلّ عسكرى , فلا طرف من الأطراف يمكن أن ينتصر فى دارفور كما لا يمكن لقوات حفظ السلام أن تفرض السلام حيث لا يوجد أحد . فقد يستنفد الإتحاد الإفريقى أشهرا ً عديدة ليزيد من حجم قوته , ويجب أن يستغل هذا الوقت الثمين فى دعم محادثات سلام أبوجا التى يتوسط فيها الإتحاد الإفريقى . لقد ظلت حالات وقف إطلاق النار فى دارفور غير فاعلة نسبيا ً رغم بعض المساعدات التى قدمتها الولايات المتحدة هناك . فالمطلوب هو ذات الجهد السياسى الدولى الذى بذل فى اتفاقية سلام شمال_جنوب السودانية الموقعة فى يناير 2005 . وفى ذات الأثناء يجب أن يبقى التدخل العسكرى الغربى فى الحد الأدنى , وإلا أعيدت تمثيلية العراق أو الصومال . ü دكتور بول موركرافت الخبير السياسى السابق فى وزارة الدفاع يعمل الآن مديرا ً لمركز تحليل السياسة الخارجية , ولقد ظل يقوم بزيارات ٍ منتظمة للسودان على مدى عشر سنوات .
كتب : بول موركرافت / القارديان
نقلاً عن الصحافة
|
|
|
|
|
|