|
هل تتزوج المسلمة من كتابي؟
|
هل تتـزوج المسلمة من كتابي؟ قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) المائدة 5. قوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ) بيانٌ بأن الله أحلّّ للمسلمين ما هو طيب، وجملة (أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ) وردت في الآية السابقة تماما في قوله: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ) المائدة 4، وتكرار جملة (أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ) يُشعر بأن هذه الآية تتضمن إباحة أمر يظن البعض أنه ليس من الطيبات، ومما يقوِّي ذلك أن الآية لم تنص على محرَّم جديد، وإنما نصت على مباح جديد هو أكل المسلم من طعام أهل الكتاب، وزواجه منهم. وقوله بعد الإخبار بأنه أحل لهم الطيبات (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) بيانٌ بأن طعام أهل الكتاب طيب، وأنه مباح للمسلمين أن يأكلوه. وقوله بعد الإخبار بحل أكْل المسلمين من طعام أهل الكتاب (وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) ليس تشريعا لأهل الكتاب، أنه يحل لهم أن يأكلوا من طعام المسلمين، كما أنه ليس تشريعا للمسلم بأن يقدِّم طعامه لأهل الكتاب، ليس الأول لأن القرآن يشرع لمن آمن به، وهم المسلمون، ولا يشرع لأهل الكتاب، وليس الثاني لسببين: الأول: لأنه لم يوجد نص سابق يمنع المسلم من إطعام أهل الكتاب، والثاني: لأن حرمة الطعام تأتي من جهة الطعام وليس من جهة من يملكه. وهذا يؤدي بنا إلى وجوب اعتبار قوله (وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) بيانا لكون المسألة مجرد مسألة اجتماعية، أي إن طعام كل فريق حل للآخر، لا بسبب يرجع إلى حكم الطعام من حل وحرمة، وإنما يرجع إلى طبيعة الاختلاط بينكم وبينهم في المجتمع الواحد، أي يحل لكم أن تأكلوا من طعامهم، إذا هم أكلوا من طعامكم، وبطبيعة الحال فإن هذه الحِلِّية الاجتماعية لا تلغي ولا هي مبرر لترك العمل بحرمة لحم الخنـزير أو الخمر عند المسلمين. وقوله بعد الإخبار بحلية تناول كل من الفريقين لطعام الآخر (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ) أي هن حل لهم، أي لأهل الكتاب، أي أن جملة (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ) معطوفة- وَفقًا للنظام العطف في اللغة- على أقرب مذكور مناسب وهو جملة (وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)، أي أنه يجب أن تُقرأ الجملتان معا على هذا النحو (وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ) أي أن النص بدلا من أن يذكر أنه يحل للكتابي أن يأكل من طعام المسلمين، ثم يعود بالمثل إلى تبادل حلية الزواج، أضاف وهو يخبر عن حلية طعام المسلمين- أضاف حلية نساء المسلمين لأهل الكتاب، على سبيل الإيجاز في الكلام، ثم عاد إلى الجزء الأخير وهو بيان حلية زواج المسلم من الكتابية. فجملة (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ) ليست معطوفة على الجملة قبل السابقة (أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) ولا هي متعلقة بفعل محذوف تقديره (وأحلَّ لكم)، وإنما هي معطوفة على أقرب جملة قبلها وهي قوله (وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ). ومما يقوي هذا الفهم أن حِلِّية زواج المؤمنين من (المُحصَنات من المؤمنات) أمرٌ لاشك فيه، ولا مبرر لذكره في آية تتكلم عن بعض نواتج الامتـزاج بين المسلمين وأهل الكتاب في مجتمع واحد. وقوله بعد بيان الحلية المتقابلة في الطعام بين المسلم والكتابي وبيان حلية المسلمة للكتابي (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) هو بيان لحلية زواج المسلم من الكتابية العفيفة، إذا تم الزواج وفقا للأعراف المتبعة من تقديم مهر ورغبة في ذات الزواج، وليس بقصد المتعة الجنسية العابرة أو الباقية. وأكد النص الكريم على حقوق المرأة الكتابية، بقوله (إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) لأنها الجانب الأضعف، إذ يشّرع النص لمجتمع غالبيته مسلمة، فنبه بقوله (إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) على أنه يجب مراعاة حقوق الكتابية عند الزواج منها بمثل القدر الذي تراعى فيه حقوق المسلمة، حيث استخدم النص الكريم نفس العبارة التي وردت في موضع آخر عند الكلام عن الزواج من المسلمة، وذلك في قوله تعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء 24، ولم يرد تعبير (غَيْرَ مُسَافِحِينَ) بالقرآن الكريم في غير هذين الموضعين. أي غير قاصدين إلى مجرد إرواء الشهوة الجنسية. ويعد التقابل المذكور في حالة الطعام، مؤشرا دالا على إرادة التقابل في حالة الزواج هي الأخرى، خاصة وأن الأمرين معا- تناول كل فريق من طعام الآخر، وزواج كل فريق من الآخر- من نواتج الامتزاج في مجتمع واحد. وقوله بعد بيان حلية الامتزاج معهم بالأكل من طعامهم والزواج منهم والتزويج إليهم (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) هو بيانٌ لعلة إباحة هذا الامتزاج معهم، وهو كونهم مؤمنين، وإن اختلفت متعلقات الإيمان بيننا وبينهم. وقد علل النص الكريم في موضع آخر حرمة نكاح المشركة بأنها تدعو إلى النار، فقال تعالى (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) البقرة 221، فإذا تحولت الكتابية إلى مشركة كافرة بالإيمان فلا يحل للسلم أن يتزوجها، وإذا تحول الكتابي إلى مشرك كافر بالإيمان فلا يحل للمسلمين أن يزوجوه منهم. ويعد هذا الفهم للآية متوافقا مع العدل والإحسان اللذين أمر بهما الإسلام، كما يعد الفهم الآخر الذي يقصر إباحة الزواج على زواج المسلم من الكتابية فهما متعارضا مع العدل والإحسان ، بل إنه يمنع عمليا الجانب الباقي وهو زواج المسلم من الكتابية، لأن أهل الكتاب لن يزوجوا المسلم من ابنتهم، إذا امتنع المسلمون من تزويج بناتهم لأهل الكتاب، ومهما التمس المسلمون مبررات لعدم تزويج بناتهم لأهل الكتاب، فإن أهل الكتاب سوف يعتبرونه زواج المسلم من الكتابية اعتداء عليهم، لأن إباحة الزواج بين الطرفين هو العدل، والامتناع من أحد الطرفين عن الزواج من الطرف الآخر هو تعالٍ وتكبر عليه، ومنع أحد الطرفين من الزواج من الطرف الآخر، مع استباحة التزوج منهم هو نوع من العدوان عليهم. أي أنه يأتي بنقيض ما قصد إليه النص الكريم من إشاعة المودة بين الفريقين، فضلا عن أنه سيكون عائقا يمنع أهل الكتاب من تـزويج بناتهم للمسلمين. كما أن هذا الفهم يحل إشكالا يوجد في الفهم الآخر وهو لماذا ورد الكفر متعلقا بالإيمان في قوله (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) فنحن نجيب عن هذا السؤال بأن سبب إباحة الامتـزاج بين المسلمين وأهل الكتاب، هو الإيمان وإن اختلف متعلقه، ولذلك جاء الإيمان غير مقيد، كما جاء الكفر متعلقا بالإيمان فقط في قوله (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ) لأن متعلق الإيمان مختلف بين كل من المسلمين وأهل الكتاب، فقوله (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) يُظهر القدر المشترك بين المسلمين وأهل الكتاب، ويشير إلى سبب إباحة الامتـزاج بينهم، أي أنه يعلن أن هذه الإباحة مترتبة على وجود هذا القدر المشترك بينهما، ولهذا تم التنبيه إليه والتحذير من الكفر به. وأما الفهم الآخر فلا جواب لديه عن هذه الإشكالية، يقول الرازي عند تفسيره لقوله تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ): "فيه إشكال، وهو أن الكفر إنما يعقل بالله ورسوله، فأما الكفر بالإيمان فهو محال، فلهذا السبب اختلف المفسرون على وجوه: الأول: قال ابن عباس ومجاهد: ومن يكفر بالإيمان: أي ومن يكفر بالله [على سبيل المجاز]. وإنما حَسُن المجاز [أي بوضع لفظ الإيمان بدلا من لفظ الله] لأنه تعالى هو رب الإيمان، ورب الشيء قد يسمى باسم ذلك الشيء، على سبيل المجاز. والثاني: قال الكلبي: ومن يكفر بالإيمان: أي بشهادة أن لا إله إلا الله [على سبيل المجاز بذكر اللازم(الإيمان) وإرادة الملزوم (كلمة التوحيد)] فجعل كلمة التوحيد إيمانا، فإن الإيمان بها لما كان واجبا كان الإيمان من لوازمها بحسب أمر الشرع، وإطلاق اسم الشيء على لازمه مجاز مشهور. والثالث: قال قتادة: إن ناسا من المسلمين قالوا: كيف نتـزوج نساءهم مع كونهم على غير ديننا؟ فأنـزل الله هذه الآية، [فمعنى ومن يكفر بالإيمان أي ومن يكفر بالقرآن على سبيل المجاز بذكر المشتَمَل وإرادة الشامل]، أي ومن يكفر بما نـزل في القرآن فهو كذا وكذا، فسمى القرآن إيمانا، لأنه هو المشتمل على بيان ما لا بد منه في الإيمان" التفسير الكبير :ج 11 ص 148 و149. ونحن نرى أن الدافع إلى التماس كل واحد من هذه المجازات، هو العجز عن إدراك المعنى الحقيقي (الحقيقة هنا هي مقابل المجاز) وهو المعنى الذي قلنا به، ولم يكن بمقدور المفسرين أن يتوجهوا إليه وهم يرون أن من المعلوم من الدين بالضرورة أنه لا يحل للكتابي أن يتـزوج مسلمة. أحمد محمد عرفة
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | أحمد محمد عرفة | 04-11-06, 07:26 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | Sabri Elshareef | 04-11-06, 07:49 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | doma | 04-11-06, 09:36 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | أحمد محمد عرفة | 04-12-06, 09:48 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | ahmed haneen | 04-12-06, 02:55 AM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | أحمد محمد عرفة | 04-12-06, 09:58 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | أحمد محمد عرفة | 04-12-06, 09:58 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | Sabri Elshareef | 04-12-06, 07:23 AM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | Eng. Mohammed al sayed | 04-13-06, 05:49 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | Eng. Mohammed al sayed | 04-12-06, 08:57 AM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | AMNA MUKHTAR | 04-12-06, 10:06 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | أحمد محمد عرفة | 04-12-06, 10:38 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | Eng. Mohammed al sayed | 04-13-06, 04:41 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | Sabri Elshareef | 04-14-06, 01:59 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | kamalabas | 04-23-06, 08:48 PM |
Re: هل تتزوج المسلمة من كتابي؟ | Sabri Elshareef | 04-23-06, 10:56 PM |
|
|
|