|
ما بين مونتسكيو وابن خلدون والإنقاذ في ضبط المجتمع
|
لقد اهتم ابن خلدون بموضوع ضبط المجتمع حين قرر أن الضبط الاجتماعي أساس الحياة الاجتماعية ، وضمان لأمنها ، واستمرار استقرارها . فهو يقول إن الاجتماع البشري ضروري ، إذ إن الإنسان مدني بطبعه ، حتى إذا حصل هذا الاجتماع البشري ومن ثم العمران ، فلابد من وازع ، يدفع بعضهم عن بعض ، لما في طباعهم من الحيوانية والعدوان والظلم ، ويقول في موضع آخر من المقدمة إنه لابد للبشر من الحكم الوازع ،ويشير ابن خلدون إلى أشكال الضبط إما أن يكون ضبطاً قهرياً أو ضبطاً ناشء عن قناعة ذاتية من المجتمع وبتراض منه بوسائل عدة كالعرف والمعايير الاجتماعية ( القيم ) وأخيراً سلطان القانون . أما مونتسكيو فقد اهتم بضبط المجتمع ، حيث أشار في كتابه (روح القوانين ) إلى أن لكل مجتمع قانون الذي يلائم بيئته الطبيعية والاجتماعية ؛ أي أنه أكد أن العلاقة بين القانون والضبط والظواهر الاجتماعية . وينتج عن هذه العلاقة روح تؤثر في السلوك الاجتماعي ، هذا السلوك الاجتماعي إنعكاس لممارسة السلطة التنفيذية في المجتمع ( موضوع الضبط ) فإذا أختلت العلاقة بين القانون والضبط والظواهر الاجتماعية ظهر اختلال في سلوك المجتمع . وسلوك الإنقاذ الضبطي لم ينسجم منذ قيامها وحتى تاريخه لم يكن ضبطاً ناتج عن قناعة راسخة في المجتمع بل ضبطاً قهرياً بقوة السلاح يرهب المخلصين من أبناء المجتمع ويرغب في الفاسدين بالانطواء في مؤسساته الناشئة دون دراية بحاجة المجتمع الأساسية ووفق مفاهيم بوليسية تجمع بين جبروت السلطان وانعدام الحرفية في التعامل مع نفسية مجتمع تعود أن يقدم النفيس من أجل حريته ، فلجأ إلى تأجيج مشاعر الناس ( القيم الاجتماعية ) كوسيلة لاستغلال هذه العاطفة الدينية لتحقيق مآرب تتجافى مع مقاصد المجتمع فانقلب السحر على الساحر فظهرت جيوش الفاسد في كل جسد الدولة دون استثناء وغاب حس النقد والمناصحة وظهر التواطوء على الفساد في ظل تراجع دور المجتمع المناهض للفساد لغياب قواه الحية التي تتصدى للفساد وتكشف الزيف وتكشف ما تحت القناع ، إذ تخلصت الإنقاذ في فترات سابقة منتظمة من هذه القوى الحية ( روح المجتمع ) بإقصائها تشريداً وتقتيلاً ، وإلهاءاً بالبحث عن القوت اليومي ، واستغلت وسائل الإعلام بكل قوة ولم تدع فرصة لتلك القوة ، الأمر الذي جعل تلك القوة تفكر في كل الوسائل كي تحصل على حقوقها ، فظهرت الحركات المسلحة والسلمية التي تؤمن بالحوار فوصل الأمر إلى تقسم السودان في ظل هذا النظام البراغماتي والمتعسف إلى عدة دول ( دولة في جنوب السودان ، دولة في شمال السودان يتسلط عليها مجموعة من الشماليين ( شمال الخرطوم ) ودولة آتية في الشرق وأخري في الغرب ، وإن استمرت طريقة الضبط القهري على ما تبقى فلن يكون هناك من تضبطه ، إما أن ينضم الناس لتلك الدويلات الناشئة قهراً أو قسراً .
|
|
|
|
|
|
|
|
|