كارثة العبارة المصرية: غموض حول الأسباب وتضارب بشأن الاستغاثة

Quote: العبارة المصرية غرقت بعد حريق.. وناجون يلومون القبطان بين الضحايا طالب سعودي كان يحمل هدايا إلى أصدقاء الدراسة القاهرة: جدة: 5 فبراير/الشرق الأوسط أعلن مسؤولون مصريون، امس، ان كارثة العبارة المصرية المنكوبة «السلام 98» التي غرقت أول من أمس في البحر الأحمر، بدأت بحريق في مرآب السيارات ادى الى تسرب المياه الى العبارة التي بدأت تميل حتى غرقت. وروى ناجون اللحظات الصعبة قبيل غرق العبارة، وقالوا ان قبطان العبارة المصري فر من سفينته المحترقة في قارب انقاذ وترك الركاب يواجهون مصيرهم. وقالوا لرويترز، إن أفراد الطاقم حالوا دون حصول الركاب على سترات نجاة أو قوارب انقاذ وطلبوا منهم ألا يقلقوا رغم اندلاع الحريق في الطوابق السفلية، بل وطلبوا منهم خلع سترات النجاة. وقال مسؤول من شركة السلام للنقل البحري التي تمتلك العبارة، ان مصير قبطان العبارة ويدعى سيد عمر ما زال مجهولا، وأضاف أن الشركة ستصدر بيانا مكتوبا في وقت لاحق. وأكد مدير قطاع النقل البحري بوزارة النقل المصرية امام الرئيس حسني مبارك، ان حريقا شب في شحنة بمرآب العبارة، أدى الى وقوع الكارثة. وأكد ناجون التقتهم «الشرق الأوسط» في مدينة الغردقة إنهم رأوا تصاعد أعمدة الدخان بعد مغادرة «ضبا» بساعة ونصف الساعة، مشيرين إلى أن العبارة بدأت تميل، مما دفع الركاب للتجمع على سطح الباخرة، حيث كان ميناء «ضبا» على مرمى البصر، وقالوا كان في إمكان القبطان العودة. وقالت المصادر الرسمية المصرية إن البحرية المصرية انتشلت حتى صباح أمس 11 سعوديا من بين مائة كانوا على متن الباخرة, بينهم طالب سعودي من جامعة عين شمس كان عائدا الى دراسته محملا بالهدايا الى زملائه المصريين

Quote: برا وبحرا وجوا! كوارث النقل في مصر اضحت هما كبيرا، فبالأمس كانت مأساة سقوط الطائرة المصرية في مياه شرم الشيخ وقبلها سقطت طائرة صاحبنا او اسقطها في مياه نيويورك، ثم جاءت حادثة حريق قطار الصعيد، الذي تفحم فيه البشر أحياءً، وقبلها عشرات الحوادث على طريق مصر الصعيد، وها هي كارثة العبارة «السلام 98»، ومن قبلها كانت كارثة العبارة الاخرى «سالم اكسبريس»، أي أن المصريين ذاقوا الكوارث في الجو والبحر والبر. وكل ما نسمع ونقرأ بعد كل حادثة، أن هناك تحقيقا يجري، ويمر التحقيق ولا نعرف نتائجه ولا يحاسب مهمل على إهماله وينسى المصريون ما حدث إلا من مستهم الكارثة مسا مباشرا، لا وزير يقال من عمله ولا شركة تحاكم، فقط تهدئة للخواطر. كارثة بحجم العبارة السلام، لا يمكن لنا أن نعرف حجم المأساة فيها، إلا إذا عرفنا من كانوا عليها، ترى من هم هؤلاء القادمون من السعودية على متن العبارة؟ قبل نهاية التحقيق أكاد أجزم بأن نصف هؤلاء الذين غرقوا من محافظة قنا، والنصف الآخر من محافظتي سوهاج وأسوان، أقول ذلك لأن العبارة المنكوبة كانت متجهة من الساحل السعودي الى ميناء سفاجة، ولو كانت متجهة للسويس مثلا لقلت بأن هناك بسطاء آخرون ايضا من الدلتا. اذن فجل الضحايا هم من الصعايدة البسطاء الذين لا يستطيعون السفر بالطائرة، لأن اجورهم و«تحويشة» عمرهم لا تحتمل تذكرة الطائرة، فهناك أولويات اخرى لديهم، مثل إطعام اولاد واسرة ممتدة من العمات والخالات والمسنين من الاقارب، كل قرش محسوب أين يصرف. فاليتم هنا من هذه الكارثة ليس يتما مباشرا، وإنما هو حزن ممتد وقطع لأرزاق عشرات من البشر يتقوتون من توفير هذا العامل البسيط.. المأساة أكبر مما يتصور البعض.. عندما يسافر الصعيدي البسيط الى السعودية يبيع بعضا من أرضه التي يزرعها او يبيع بعض ماشيته من بقر أو جاموس أو جمال حتى يدفع مصاريف السفر، تلك المصاريف التي يتعاون البعض لدفعها، فالتأشيرة وحدها تكلف البسطاء آلاف الجنيهات، لأن اصحاب شركات السياحة واصحاب العبارات يأخذون هذا الفرد من البيت إلى العمل، يحلبونه لآخر قطرة، من ثمن التأشيرة إلى ثمن التذكرة إلى استخراج الإقامة إلى آخر هذه القائمة من الأعمال غير القانونية التي تحدث تحت الطاولة، في غياب الرقابة، هذا المواطن البسيط الذي امتصت الشركات كل قطرة من دمه يبقى في السعودية لمدة عامين أو ثلاثة فقط، لتسديد الديون من تكاليف تذاكر واقامة وتأشيرة، وكذلك قد يبقى عاما آخر او عامين لتخليص أرضه من رهنها عندهم أو توفير مال لشراء بقرة تمنح أولاده وبناته حليب الصباح، الذي يسند طولهم في جو الفقر السائد في محافظات الصعيد، إذا ما ذهب احدنا إلى واحد من بيوت المنكوبين اليوم لرأى دراما لا تقل عن كونها مأساة شكسبيرية، فموت هذا الرجل يعني موت الأحلام وموت آمال الأطفال في حياة كريمة، وكذلك موتا لمن كانوا يعتمدون عليه من الاقارب المحتاجين. هذا ليس موت فرد عادي، انه موت جماعي في القرية أو الحي الذي اتى منه ذلك العامل البسيط. إن الفا وأكثر من هؤلاء الذين قضوا غرقا يمثلون أكثر من ألف مأساة، يمثلون أكثر من ألف موت، وأكثر من ألف حزن، انه خطب جلل يحل بالديار. في بلادنا ليس كل الموت واحدا، نحن نحزن على الموتى العاديين لمدة عام لا يفتح فيه مذياع او تلفاز، أما موت الشباب، وفي الغالب معظم من يذهبون الى العمل في الخليج، وهم في زهرة الشباب، هذا الموت تشق له الجيوب وتقرع له الطبول وتنصب له «المندبة»، عندما تفقد النساء صوابها وتستبدل الدموع برقصة للموتى إمعانا في عدم الرضا وعدم القبول بالقضاء، وكل معذور كيفما يعبر عن صدمته وحزنه. في هذا الجو لا يكفي أن تقول للناس إن هناك تحقيقا يجري أو أن هناك أوامر بمعاقبة المتسببين، هؤلاء المكلومون لا يسمعون إلا صوت الموت وصوت غربان سوداء تنعق في الأفق معلنة نهاية حلم. السفر إلى السعودية أو الى الخليج بالنسبة لهؤلاء هو شيء اقرب الى خروج موسى من مصر، خروج فيه تغيير للحياة، فيه تحسين للاوضاع، فيه خروج من براثن الفقر الى عالم أفضل، متى ما كانت هناك مأساة بهذا الحجم فهناك قتل لحلم الخروج حتى عند الذين لم يخرجوا، تقويض كامل لأي بارقة أمل نحو تحسين الاوضاع، ولا يعرف الفقر إلا من يكابده ولا يعرف الذل إلا من يعايشه، هؤلاء الفقراء ليسوا قصة عبارة غرقت، كل حالة قصة وكل حالة هي موضوع دراما انسانية لا يستطيع تسجيلها إلا من يعرف حجم المأساة. إن تراكم هذه الكوارث في البر والبحر والجو، لا ينذر بخير في مصر المحروسة، وإن الاهمال لا يحتمل، فصبر الفقراء اقرب الى صبر الجمال، لكن حقدهم وغلهم ايضا اقرب الى حقد الجمال ايضا، ان تراكم المآسي بهذا الحجم لا بد ان يولد في يوم ما حالة غضب وحريق يصعب اطفاؤه، وان اصعب انواع الغضب وانواع الحريق هو غضب الفقراء وغضب العبيد، غضب من لا حول له ولا قوة، ولم يبق لديه شيء يخسره، اذا ما قرر ان يحرق البيت بمن فيه. لا يطفئ هذا الغضب الذي يغلي في النفوس، سوى قرارات حاسمة، تطال كل من له مسؤولية في هذه المأساة، حتى ولو أدى الأمر إلى إقالة وزير، وكذلك محاكمة اصحاب السفن والعبارات، مجموعة قرارات حاسمة، شيء اشبه بالطريقة التي اقال بها الرئيس مبارك وزير داخليته حسن الالفي بعد مذبحة الاقصر، عندما تركه في مطار الاقصر وعاد الى القاهرة من غيره، اقل من هذا لا يكفي، واقل من هذا لا يمكن قبوله من رئيس يؤمن الشعب بانه منهم ويحس بهم، فهل لنا أن نرى هذا؟!