ديوان (مع الأحرار) للشاعر أحمد محمد صالح

الخوطوم ـ من أحمد حنقة: الشاعر السوداني أحمد محمد صالح علم بارز في سماء الشعر والنضال الوطني والتدريس في السودان، وهو ناظم النشيد الوطني السوداني عند استقلال السودان ويقول مطلعه:

نحن جند الله، جند الوطن إن دعا داعي الفداء لم نجن
نتحدى الموت عند المحن نشتري المجد بأغلى ثمن

وكذلك ناظم نشيد الجيش السوداني الذي تم تلحينه عام 1954م أي قبل استقلال السودان وضمن مشروعها الطموح قامت (دار البلد للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع) بتقديم ديوان الشاعر (مع الأحرار) وهو يتكون من ستة أقسام هي على التوالي: باب المدح، باب الرثاء، باب الاجتماعيات، باب الوطنيات، باب الغزل وباب بعنوان (عروبة).

ونستطيب ابتداء عرضنا هذا للديوان بالباب الأخير، وهو يحتوي على سبع قصائد حملت عناوين (فلسطين الجريحة) و(دمشق مهد الحرية) و(الى وزراء الخارجية العرب) و(تحية العام الهجري) و(الى العرب في ذكرى الهجرة) و(الى الرؤساء في الخوطوم) و(بورسعيد.. الى العرب البواسل) ومن هذه العناوين نستشف أن الشاعر الراحل كان مهموما بفضايا أمته ومنفعلا بها.

وقد خاطب الشاعر الرؤساء العرب الذين تداعوا الى الخرطوم للمشاركة في مؤتمر اللاءات العربية الشهيرة في نوفمبر من عام 1967 عقب هزيمة يونيو القاسية، خاطبهم بقصيدة جاء فيها:

مرحبا بالشموس من عبد شمس قد حللتم من داركم في الصميم
يا بني عمنا ويا قادة الزحف ترضون صفقة المظلوم

وكتب الشاعر عن القضية الفلسطينية ووصف مجلس الأمن بأنه (مجلس الخوف) ووصمه بالعجز والشلل وعدم القدرة على إنصاف المظلوم ودعا الى تحرير فلسطين بالسلاح وخاطب العرب قائلا:

وإن كنتمو بعد لم تغضبوا فلستم قريشا ولستم مضر

وفي باب الوطنيات نجد الكثير من القصائد التي تعكس مدى انخراط الشاعر في النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني، ونظم بمناسبة الاتفاقية المصرية البريطانية الخاصة بمنح السودانيين حق تقرير مصير بلادهم، نظم قصيدة ما زالت تحتل مكانا مرموقا في المناهج المدرسية وهي بعنوان عيد الحرية ومطلعها:

يا شاعر النيل لاح العيد وابتسما فحي غرته واستنهض الهمما

وتتسم قصائده الوطنية بالدعوة للوفاق والاتفاق واستعراض جهاد الأجداد، وقد كتب في يوليو عام 1953م قصيدة بعنوان (يوم التحرير) القاها في نادي الجيش المصري بالزمالك مطلعها:

يوم تفرد بالخلود عيد لعمرك أي عيد
فلقد تحرر فيه وادي النيل من ذل القيود

وفي باب المدح له العديد من القصائد التي مدح بها شخصيات سودانية وغير سودانية مثل الرئيس المصري الأسبق محمد نجيب، بل ومدح ديوانا للشاعر السوداني عبدالله محمد عمر البنا بقصيدة مطلعها:

در وليس به ثقوب هذا أم السحر الخلوب

أما في باب الرثاء فللشاعر قصائد رثى بها العديدين الذين فارقوا الحياة وكان لهم دور مؤثر فيها سواء من السودانيين أو من غيرهم مثل قصيدته في رثاء الشاعر المصري المعروف علي الجارم.

واذا كانت قصائد الديوان في الأبواب السالفة الذكر تتسم بالنبرة الخطابية والهتافية تغلب عليها الصنعة جريا على عادة التقليديين، إلا أن كل ذلك يختفي عندما نلج الى باب الغزل وتحل محله رقة أخاذة ومفردات آسرة وأوزان مطربة، فها هو يقول في بعض أبيات قصيدته (توأم الروح):

توأم الروح ما عدل أخلف الوعد والأمل
كم تجنى على المحب وكم خان كم مطل
هي أحلى من الزلال وأشهى من العسل
كلما شمت بارقا قلت مولاي قد أهل
وكفاني القليل إن لم يكن وابلا فطل

ومن أكثر قصائد الشاعر أحمد محمد صالح شهرة وذيوعا قصيدة (فينوس) التي يقول في بعض أبياتها:

أخلفت يا حسناء وعدي وجفوتني ومنعت رفدي
فينوس يا رمز الجمال ومتعة الأيام عندي
لما جلوك على الملا وتخيروا الخطاب بعدي
هوعوا اليك جماعة وبقيت مثل السيف وحدي
استنجز الوعد النسيم وأسأل الركبان جهدي
يا من رأى حسناء تخطر في ثياب اللازوردي
لو كان زندي واريا لتهيبوا كفي وزندي
أو كان لي ذهب المعز لأحسنوا صلتي وودي

والشاعر أحمد محمد صالح من كبار رجالات التعليم في السودان الذين قادوا ركبه منذ مراحل التأسيس وتسنموا فيه الذرى، وعلى الرغم من انغماسه حتى النخاع في العمل الوطني، إلا أنه لم يكن سياسيا بالمعنى المعروف بل كان داعية للوفاق، وقد كتب قصيدة في هذا حملت اسم (عهد وذمام إتفاق الأحزاب) وذلك عند إتفاق الأحزاب السياسية السودانية عام 1952م، فقد كان يرى في إتفاق الأخزاب عملا مجيدا لصالح حرية السودان، ولذلك لم يكن في الأمر غرابة عندما تم اختياره في أول مجلس للسيادة بالسودان وهو موقع يعادل موقع رئيس الدولة.

أما من ناحية الشعر فان أحمد محمد صالح يعد من مفاتيح حركة الشعر في السودان وشعره من أهم المداخل لفهم اتجاهات ومسارات هذه الحركة، ولهذا نشرت دار البلد ديوانه ضمن مشروعها للإحياء الثقافي تحت شعار (الربط بين الماضي والحاضر والمستقبل).