|
عثمان ميرغني:من يرى مصيبة غيره .. تهون عليه مصائبه
|
بقلم عثمان ميرغني
من يرى مصيبة غيره .. تهون عليه مصائبه !! شعب السودان الفقير الى الله .. تُمزق أحشاءه وتحرق كبده أخبارُ الدمار والدماء التي تنكل بشعب العراق المغلوب على أمره .. .. وكلما أصابت بلاد ما بين النهرين شُظية (أنّت) الخرطوم وتوجعت .. شعب السودان نسى همه وعذاباته وشظف حياته وأصبح مكلوما بمحنة شعب العراق.
ليس بلوى شعب العراق وحدها التي أبكت شعب السودان .. فقد احترق فؤاده لما سالت دماء شعب البوسنة والهرسك .. وشعب أفغانستان .. وشعب بورندي .. وشعب الكنغو .. وشعب الشيشان .. وقبلهم كلهم شعب فلسطين. ودائما شعب السودان مستعد للبكاء بأية نازلة تحل على شعوب الأرض ..
لكن من يبكي جراح أهل السودان ؟؟..
مليونان ونصف سوداني ماتوا في الحرب الأهلية في جنوب السودان.. أكثر من كل العرب الذين ماتوا في الحروب ضد اسرائيل منذ عام 1948 .
أربعة ملايين ونصف سوداني تشردوا بسبب الحرب الاهلية وتركوا مساكنهم حيث موطنهم الذي تعودوا عليه وتشتتوا في القرى والمدن السودانية ..أكثر من شعب فلسطين الذي شردته اسرائيل في المهاجر!!.
صاروخ أمريكي يسقط في حي شعبي في العراق .. (50) عراقيا ماتوا .. خمسين أسرة مكلومة ذبحتها الفاجعة .. تبكى الخرطوم بحرقة وألم ..ربما أكثر مما تبكي بغداد .. والبصرة والموصل.
في غرب السودان (200) سوداني ماتوا حرقا في غارة قامت بها قبيلة على أخرى .. أحاطوا بالقرية قتلوا الرجال بالرصاص وأحرقوا النساء والاطفال داخل أكواخهم.. لم تبك الخرطوم .. ولم يبك عربي واحد .. ولم يكتب الخبر حتى في الصفحات الداخلية للصحف العربية ..
المحرقة من بعد جنوب السودان امتدت للغرب والآلاف قتلوا وذبحوا وشردوا .. ولم تقم مظاهرة واحدة في الخرطوم .. تبكى القتلى والحرائق في دارفور .. (50) ماتوا في حادثة نهب مسلح .. خمسون آخرون في (بص) كانوا يحاولون الهجرة الى ليبيا.. (ألف) في مجاعة .. مجرد أرقام لا تجلب الدمع ولا عصف القلب.
لكن الخرطوم بكت وتظاهرت .. ومات الطلاب في المظاهرات.. حرقة وألما على شعب العراق..!! . لان الفضائيات هناك - بما فيها السودانية - تنقل له الفاجعة ..!!
لكن ..من يبكي جراح اهل السودان .؟؟
أطفال العراق يموتون من شح الدواء . لكن أطفال (غرب) السودان أصلا لم يسمعوا بالإختراع المسمى دواء .. ولدوهم في العراء . ربما بـ (الحبل) .. رضعوا الجدب من أثداء أمهاتهم .. امنية الطفل فيهم جرعة ماء خضراء تزكم رائحتها الأنوف.. طفل السودان يحمل في ظهره (جركانة) ماء يمشي بها (7) ساعات ليصل بها الى أهله .. وقبلها (7) ساعات أخرى ليصل الى بئر الماء ..
هل بكى احد .. هل أصلا الأمر يدعو للبكاء .. ؟؟
(17) صاروخ كروز سقطت في قلب الخرطوم في أغسطس عام 1998 . هل قطعت إذاعة أو فضائية عربية واحدة بث أغنيات الفيديو كليب لتذيع النبأ للشعب العربي حتى يبكي دقيقة حدادا مع شعب السودان..
لو سقط صاروخ كروز على مدينة (الفاشر) وقتل (500) سوداني.. هل ستخرج مظاهرة واحدة في العواصم العربية ؟؟
شعب السودان كله سينسى كل مصائبه وحربه الاهلية في الجنوب والاخرى غير الاهلية في الغرب .. وسيبكى مع الشعب العربي في العراق ..حتى آخر لحظة من (الحريق الثالث)!!..
عسى ان يأتي يوم تبكي فيه الشعوب العربية .. مع شعب السودان مصائبه ..!! ©جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع صحيفة الراي العام 2003 Copyright © 2003 AL RAYAAM NEWSPAPER. All rights reserved
|
|
|
|
|
|
|
|
|