|
الآخريّة.....النص والجسد
|
الآخريّة
النص والجسد
تاميز فان بيلت*
ترجمة: عثمان الجبالي المثلوثي
1- الآخر كجزء من ثنائي ذي دلالة، مصطلح له تاريخ فلسفي طويل وغني يعود على أقل تقدير إلى سفسطائي أفلاطون حيث كان الغريب يشترك في حوار حول المشكلات الأنطولوجية onthological المتعلّقة بوجود وعدم وجود الذات والآخر[1]. وفي القرن العشرين نجد أن هذا المزيج الأفلاطوني بين الوجودي والغيرية يشكّل أعمال إيمانويل ليفيـناس Emmanuel Levinas الـذي تعارضه سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir التي كان لها تأثير كبير على الفلاسفة النسويين الذين أثروا هم بدورهم على منظري الهوية السياسية والعنصرية، والجنسية، مما شكّل سلسلة ضخمة من الأبحاث في الوجـود. [2] وتُـبين الآراء الفلسفية الإضافية حول هيدغر وسارتر تصريحات هامة عن الغيرية. وفي هذا القرن تُعدّ مكانة جاك لاكان فريدة، إلا أنه وبسبب إصرار لاكان على إزاحة الأخرية –عن المركز- التي توازي إزاحة الذات قد لاقت جدلا كبيرا. وبالتحديد فإن لاكان يستكشف آخرية ضمنفسية (داخل الذات) تختلف عن الآخرفي نظريات الهوية البيشخصية (بين الذات والآخر) بعيدة عن المشكل الفلسفي الذي تعاني منه العقول الأخرى –مشكل متجذّر في الأنا واحدية بدلا من النرجسية. 2- وعلى العكس من معاصريه يفترض لاكان وجود هوّة بين "آخر" وآخر تحاكي هاتين الازاحتين التوأمين وتعني ضمنيا سجلات لاكان الرمزية والخيالية، إذ أن إزاحة الذات (عن المركز) هو طريقة أخرى للقول بأن الذات والأنا تسكن سجلات منفصلة، وبشكل مماثل فإن هذا الانفصال بين "الآخر" الرمزي اللغوي ، والآخر الخيالي المرآوي تدلّ على إزاحة الأول عن الثاني.وإذا ما أخذناهما معا فإن هاتين الإزاحتين تشيان بذاتية ما-بعد-إنسانية تختلف عن المعاني المعاصرة لـ"لآخر" كشخص، وخاصة شخص هامشي أو مدمّر بشكل ما. كما يوحي هذا الانفصال المفاهيمي بين نظريات "آخر" مهذّب (مؤنسن)humanized وآخرية لاكان المغايرة بشكل جذري. فالآخرية توحي بهوّة بين المقاربتين ورغم ذلك كلّه يبدو من الغريب أن نجد أن النقاشات التي تُهذّب "الآخر" كثيرا ما تشير إلى لاكان، لذلك يبدو من المهمّ هنا أن نتساءل، لماذا؟ 3- يدعو خطاب لاكان بذاته وفي حدّ ذاته جمهور قرّاءه إلى غضّ الطرف عن إزاحته لـ"الآخر". وأحيانا يُحيلنا لاكان إلى "الآخر" الرمزي على أنه "الآخر" بحرف كبير Other والآخر الخيالي المزاح (عن المركز والصدارة) على أنه آخر بحرف صغير other. لكن كثيرا ما يستخدم لاكان الحرف الكبير لتمييز "الآخر"
عن الآخر. -(ونحن هنا اعتمدنا الظفرين للإشارة إلى نفس التمييز الذي أراده الكاتب)-. وبالرغم من أنه ما من قارئ أخطأ قراءة الذات على أنها الأنا، فإن الاختلاف الدقيق بين "الآخر" والآخر قد لا يتمّ إدراكه بسهولة، خاصة إذا كان القراء يُلحقون الخطاب العلني للغيرية بالخطاب الضمني للسجلات. وبما أن لاكان يُناقش "الآخر" بشكل خارجي دون إحالة واضحة إلى السجلات فإن قراءه مدعوون لتكملة السياق النظري الضمني. تخيّل قدر قارئ لاكان العرضي الذي يهتمّ بالآداب الإنكليزية وهو ينتقي "سمينار VII" حول الأخلاق ليقرأ على سبيل المثـال "العشق كتشويه" "Courtly Love as Anamorphosis" ويرى هذا القارئ: "في حالات عديدة يبدو أن وظيفة مثل مباركة فعل ما أو مجرّد تحيـة قد تكون بالنسبة للعاشق أسمى نعمة، إشارة تدلّ على "الآخر" في حدّ ذاته، ولا شيء أكثر" (152)، وبسبب افـتقاره للسياق الاستطرادي الضمني وغير المحّدد للسجلات، يمكن لهذا القارئ بسهولة أن يفهم "علامة الآخر" عند لاكان على أنها علامة متلقاة من شخص "آخر". معرفة نظرية لاكان حول السجلات فقط هي التي تسمح لقارئه بإدراك "إشارة الآخر" الضمنفسية على أنها علاقة إزاحة مع الدال في اللاوعي والتي يعتقد العاشق خطأً على أنها سموّ. وبشكل مماثل فعندما يكتب لاكان في "سمينار VII" أن "التّـيْمي أو الهجاسي obsessional هو دوما آخر" فهو يتحدّث عن تورّط أنا التيمي، وليس عن فقدان التيمي لهويته. ومرّة أخرى فإن فكرة لاكان تفترض السجلات، تصنيف الهجاسي مع "الآخر" الواضح بلاغيا، وإبعاد الهجاسي عن "الآخر" الضمني استطراديا. وفي غياب إطار عمل السجلات عن القارئ، فإن ذلك القارئ سيتعجّل الكشف عن أيّ من استشهادات لاكان بالغيرية. 4- إن تداول فكرة "الآخر" نظريا عموما يجعل قراءة "الآخر" المُزاح أو المُبعَد (عن المركز) عند لاكان أكثر صعوبة. والفكرة المعاصرة عن "الآخر" المتجذرة في دراسات هذا المجال تندرج في نظريات العرق، والطبقة، والجنس (من حيث الذكورة والأنوثة)، كما تُعيد إدراج نفسها في نظريات ما-بعد-الكولونيالية التي تتعلّق بالهويات الوطنية، وكلاهما مثبّت ومستبدل. وبالتالي فإن كمّ هائل من الخطابات النقدية تستخدم مصطلح "الآخر" لتدلّ على معنى مختلف عمّا ذهب إليه لاكان. ففي سياسة الهوية يمكن أن تؤدي إزاحة "الذات" إلى ردّة فعل مساوية أو معاكسة: تمركز –تشيئ- الآخر كموضوع، أو الـ"هو" it (الغير) المحايد المسلوب لمركز المخاطب "أنت" thou. لذلك فإن القراء المطلعين على الخطابات النظرية التي تحدّد الآخرية كعرق أو طبقة أو جنس ثقافي أو جنسية، يرون الآخرية كسمة بدل من غيرية.
5- وبما أن الغيرية Alterity ضرورية لفهم الآخرية عند لاكان، وبما أن "الآخر" في النظرية المعاصرة يعني أشياء كثيرة في خطابات عديدة، فإنه سيكون من الأجدى أولا أن نميّز "الآخر" في نظريات الهوية عن "الآخر" المُبعَد (عن المركز أو الصدارة) في تحليل لاكان. وبواسطة هذه الإزاحة اللاكانية لـ"الآخر" في الذهن، أريد بعد ذلك أن استكشف الكيفية التي يقدّم بها اثنان من المنظرين للهوية آخرية لاكان: يستخدم عبد الرحمن ر. جان محمد السجلات التي تُميّز آخرية عن "الآخرية" في قراءته للروايات الكولونيالية. أما جوديث بتلر فهي تناقش مدى صلاحية التمييز بين السجلات التي تستند إليها إزاحة لاكان لـ"الآخر". وفي حوار مع نظريات الهوية، تؤكّد نظرية لاكان على راديكالية "الآخرية"، غيرية حجبتها دوما بقايا نزعة إنسانية ضمنية في تركيب الذات كـكينونة سياسية. وأخيرا فإن هذه المراجعة لـ"الآخرية" ستدرس العلاقة بين عملية إزاحة "الآخر" والخطاب القضيبي للبرهنة على قيمة لسياسة التي ا تنصت لـ"الآخر" بدلا من أن تتحدّث نيابة عنه.
يتبع.....
|
|
|
|
|
|
|
|
|