تعلمت .. وإستمتعت .. و تشرفت بمعرفة أناس بسطاء .. جمهم التواضع و الرحمة و المحبة .. و بهذا كانوا علماء
في مدينة ايوا سيتي .. في يوم الجمعة وصلنا .. فقوبلنا بالترحاب و الإبتسامة الصادقة
ذهبنا إلى مكان المعرض، من أجل التحضير و التجهيز ليوم الذكرى ... فبدل أن أشارك بالمساعدة، شغلتني اللوحات .. و الكلمات .. و الصور ..فالصور تنقل لك معاني كبيرة إذا قارنتها بما في الذاكرة من أفكار .. و ما في المخيلة من إنطباعات سابقة
في الليلة الأولى .. أصبت بفرح كان يحضرني كثيرا عندما كنت طفلا ، و لم لا .. فأنا ألاقي كل دقيقة فكرة .. و معنى .. و مجتمعا غريبا علي لم أكن أؤمن بوجوده على أرض الواقع .. و الاقي أناس يسرني أني أصافحهم و أكلمهم
إلتقيت بأناس كانت لدي رهبة من لقائهم ... و لكني وجدتهم أبعد ما يكونوا عن الرهبة منهم .. و أقرب ما يكونوا للإعجاب بهم و بروحهم ... في تواضعهم و محبتهم و حفاوتهم الغير مصطنعة ..فقد أصبحت طبعا و سواها تطبع .. تحس بينهم أنك المحتفى به الوحيد .. و ما أنت كذلك .. إذ أن الجميع هنا محتفى به .. رأيت مسلمين .. بذرة عالم جديد .. رجال و نساء مشهود فيهم معنى المساواة و التعاون و الإخاء بنسبة نادرة في عالمنا اليوم
تذكرت منذ اول ليلة قول الأستاذ (كتبي تلميذاتي) .. و بدأت اقرأ تلك الكتب .. فوجدت ما أرضاني .. و ما أوفى لي معنى العبارة .. و في ما تبقى من الأيام كنت أتابع و أقرأ المواقف و التعابير و الحوارات ، لشيء في نفس يعقوب ، فقد كانت تلك فرصة لي لا تعوض .. فرصة للقراءة و المقارنة .. فخرجت بالكثير
في يوم الإحتفال الرسمي .. تحدثت أسماء محمود محمد طه عن والدها .. . حياته و مواقفه .. فكانت تارة تقول (الأستاذ) ، و تارة تقول (أبي)، فوجدت تلك الثنائية في الإشارة لوحة جمالية تفيض مشاعرا إنسانية .. ثم تحدث عبدالله إيرنست ، الجمهوري الأميركي الاول في الفكرة ، فتحدث عن تجربته مع الأستاذ و الفكرة ,, تناول في حديثه كيف أسلم و كيف كان يبحث و كيف إنتهى به الطريق بمقابلة محمود محمد طه، و كيف قرر حينها أنه وجد ضالته، كان حديثه مفعم بالأناقة .. كثير المشاعر و الحكاوي الجميلة
حكى عبد الله إيرنست قصة وجدت أنها تستحق النشر هنا .. قال أنه كان يوزع إحدى كتب الفكرة في السودان في عطبرة، فوجد رجلا كبيرا في السن و اراد أن يعرض عليه الكتاب ، فرد عليه الرجل بالإنجليزية بأنه لا يريد كتاب الأستاذ لأنه لا يقتنع بكلامه، و لكنه يعرف محمود منذ الإبتدائية إذ أنه درس معه .. و حكى له الرجل قصة جميلة عن شجاعة الأستاذ المبكرة، فقد ذكر أن أحد المعلمين البريطانيين (و الذين كانت لهم معاملة خاصة للتلاميذ السودانيين لإشعارهم بعدم فائدتهم و تخلفهم)..هذا المعلم قال للأستاذ ( في معنى ما قال): لا تظن يا محمود أنني لا اعرف ماذا في ذهنك .. فأنا أقرأك كالكتاب .. فكانت إجابة محمود الطفل : و لكن يبدو لي أنك لا تفهم أي كلمة من ذلك الكتاب يا أستاذ
و أيضا كان الإنشاد العرفاني .. بالكلمات ذات المعاني الخالدة .. و بلمسة جديدة تحمل رونق الأستاذ يوسف الموصلي .. على نهج الحزن النبيل .. في يوم الحزن النبيل
نعم .. إلتقيت الأستاذ الموصلي .. و إلتقيت عمر عبد الله .. و إلتقيت أبو مهيار .. و إلتقيت حيدر بدوي .. و إلتقيت باب الله .. و إلتقيت غيرهم الكثير .. فهل تدركون الآن مدى سعادتي ؟
شاهدت بعيني في الأيام الماضية ما كنت بحوجة لمشاهدته .. و قد سرني ما شاهدته .. و شتل في قلبي شتلة .. سأحاول قصارى جهدي أن أرعاها .. لتصبح شجرة .. و تنبت ثمرة ..آكل منها .. و أطعم منها شعبي .. و أطعم منها كل جائع
هذه وقائع الإحتفال بالذكرى السنوية الثامنة عشر لإعدام الأستاذ محمود محمد طه بمدينة ايوا سيتي .. نقلتها لكم بعيوني .. و ترجمتها لكم بقلمي .. لا لشيء سوى أنني أحببت أن أبث شيئا طاب لي أن أبثه .. شهادة مني هي واجب علي بأني عرفت إنسانا عظيما .. و لم أعرفه بعد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة